القاهرة: خالد محمود عاشت ليبيا أمس مشهدا سياسيا وعسكريا دراماتيكيا، حيث فاجأ اللواء خليفة حفتر، القائد العسكري السابق في الجيش الليبي، الجميع بإعلان تلفزيوني عن تجميد الحكومة والبرلمان. لكنه أكد أنه ليس في صدد تنفيذ انقلاب عسكري وأنه يلبي رغبة الشعب، واصفا من هم في مراكز القرار بـ«اللصوص». فيما قال شهود عيان من السكان المحليين ومصادر ليبية رسمية لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحياة عادية والحركة طبيعية بالعاصمة طرابلس، ولا وجود لأي تحركات عسكرية». وقال مدير الأمن بالعاصمة الليبية طرابلس، إن كل الأهداف الحيوية بالمدينة تحت السيطرة الأمنية والمرافق الخدمية تعمل بصورة اعتيادية، كما أكدت وكالة الأنباء المحلية أن الأوضاع في العاصمة مستقرة والحياة طبيعية جدا ولا وجود لأي تحركات أو مظاهر عسكرية غير طبيعة. وقال مصدر أمني رفيع المستوى في طرابلس لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف: «الأمور طيبة جدا جدا والمرافق والمؤسسات الحيوية والحكومية مؤمنة بشكل كامل»، مؤكدا أنه «لا انقلاب ولا سيطرة لأي قوة في طرابلس والثوار أشد تمسكا وتماسكا - على حد تعبيره». ولفت نفس المصدر إلى أن القوات المسيطرة على طرابلس وتقوم بتأمينها خاضعة بالكامل للجيش الليبي، وهي اللواء الثاني مشاة واللواء الثالث مشاة وكتيبة 127 وكتيبة 101 وكتيبة 161، مشيرا إلى أن هذه القوات معززة بقوات أمنية تضم كتيبة قوة الردع والتدخل المشتركة، وقوة التدخل السريع، ومديرية أمن طرابلس، وإدارة عمليات الشرطة، وكتيبة الصواعق، وكتيبة 24 المدني سابقا. وأعلن اللواء خليفة حفتر في شريط متلفز عبر شبكة الإنترنت، أن من سماها بقيادة الجيش الوطني الليبي تطرح مبادرة هي «خارطة طريق مؤلفة من خمسة بنود» سيتم الإعلان عنها في الأيام المقبلة بالتشاور مع مختلف الأطراف. وقال: إن «هذه المبادرة تنص على تعليق عمل المؤتمر الوطني العام (البرلمان) والحكومة الانتقالية وتشكيل لجنة رئاسية»، مضيفا: «هذا ليس بالانقلاب العسكري لأن زمن الانقلابات قد ولى»، وأن تحركه «ليس تمهيدا للحكم العسكري بل وقوفا إلى جانب الليبيين»، لإعداد الظروف المناسبة للانتخابات. وقال مسؤولون ليبيون إنهم يشكون في وجود حفتر مختفيا بالعاصمة طرابلس، وسط معلومات متداولة عن هروبه إلى تونس خشية ملاحقته قانونيا ومحاولة اعتقاله. وحاولت «الشرق الأوسط» الاتصال باللواء حفتر على هاتفه المحمول المحلي، لكن أحد مساعديه قال باقتضاب: إنه «في اجتماع مهم من دون أن يحدد مكان تواجده أو نوعية من يجتمع بهم». في المقابل، قال علي زيدان رئيس الحكومة الانتقالية، إن «حفتر لن يستطيع اختزال إرادة الشعب الليبي في مكالمة لقناة تلفزيونية.. ولا عودة لانقلاب سبتمبر (أيلول) الذي نفده العقيد الراحل معمر القذافي عام 1969.. ولتذهب أوهام الانقلابيين أدراج الرياح». وأعلن زيدان عن صدور أمر من وزارة الدفاع بإلقاء القبض على حفتر، مؤكدا أن الشعب الليبي هو الذي يملك الشرعية. وأجرى المشير عبد الفتاح السيسي، نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع المصري، اتصالا هاتفيا مع زيدان للاطمئنان عن الأوضاع في ليبيا، حيث أكد السيسي دعم مصر لليبيا دولة وشعبا. وأعرب عن وقوف مصر وبقوة مع ليبيا لعبور هذه المرحلة وأنها لن تتساهل مع أي كان يستهدف أمن ليبيا وسلامتها. وقال مكتب زيدان في بيان له، إن زيدان عبر في المقابل عن شكر وامتنان الشعب الليبي لهذا الموقف غير المستغرب من الأشقاء في مصر، كما أكد أن الأوضاع في ليبيا مستقرة، وأن ما أثير عن بعض الأشخاص ما هي إلا محاولة بائسة لإثناء الشعب الليبي عن تحقيق أهدافه المتمثلة في دولة الحرية والديمقراطية والتداول السلمي على السلطة. فيما سخر زيدان من تصريحات حفتر وعدها مدعاة للضحك والسخرية، وأوضح في مؤتمر صحافي أمس بطرابلس، أن ما جاء في اتصال بقناة «العربية» لا أساس له من الصحة والحقيقة أو الواقع في الشارع، وأن الأمور في البلاد طبيعية وتحت السيطرة، عادا أن حلم حفتر في الانقلاب ضد الدولة.. أمر مرفوض ومحرم بالقانون. وقال زيدان: «عندما قامت ثورة السابع عشر من فبراير (شباط) وانطلق تلقائيا من حناجر الجميع النشيد الوطني الليبي، لن نعود للقيود، قد تحررنا وحررنا الوطن، وكانت لحظة عفوية عاشها الشعب عبرت عن إرادته وعن وجدانه وعن نظرته إلى الوطن، لعدم العودة من جديد لانقلاب سبتمبر ولحكم الديكتاتورية والاستبداد، ولن تكون إلا إرادة الشعب رغم ما يعتريه المشهد السياسي الانتقالي من تذبذبات». وكشف زيدان عن إصدار التعليمات لوزارة الدفاع باتخاذ الإجراءات الحازمة والضرورية حيال هذا الأمر الذي يراد به إفساد المشهد الذي كان مقررا أن تشهده ليبيا أمس، ونية بعض المواطنين الخروج للتعبير عن آرائهم بكيفية سلمية ضد تمديد المؤتمر الوطني لولايته القانونية حتى نهاية العام الجاري، مشددا على أنه بعد 17 فبراير عام 2011 لا يمكن للديكتاتورية أو التسلط أو حكم الفرد أن تعود، ولا يمكن لشخص أن يخرج ويصادر إرادة الشعب ويجعلها في يده فهذا أمر مرفوض رفضا كاملا. مضيفا: «من يقرر هو الشعب ومن يملك المشروعية هو الشعب ومن انتخبه لهذه المهمة هو المؤتمر الوطني الذي اعتمد الحكومة الانتقالية أو الحكومة المؤقتة من بعدها هذه هي الشرعية وهذه هي المشروعية في البلاد». ودعا زيدان الجميع والجيش إلى التحلي بالمسؤولية وبالوعي والامتثال لإرادة الشعب وعدم التأثر بأي عارض مثل هذا العارض، منبها الشعب في جميع أنحاء البلاد على أن هذا الأمر لا أساس له واقعيا على أرض الواقع. من جهته، أكد اللواء عبد السلام العبيدي، رئيس الأركان العامة للجيش الليبي، أن عصر الانقلابات قد انتهى، وأن الجيش الليبي يسيطر على الأوضاع في العاصمة وفي كل المدن الليبية. وقال العبيدي إن «قواتنا تسيطر على العاصمة والأمور طبيعية ولن نسمح باستخدام القوة ضد الشرعية التي اختارها الشعب الليبي في انتخابات حرة»، مشددا على أن قوات الجيش الليبي متواجدة على الأرض وتسيطر على الوضع الأمني وأن المؤسسة العسكرية لا تسمح لأي عسكري بالخوض في الشأن السياسي. وأكدت رئاسة الأركان في بيان لها، أن «الأوضاع الأمنية في ليبيا تحت السيطرة التامة والكاملة من قبل قوات الجيش الليبي وقوات الثوار المنضوية تحت قيادته، وأن ما ورد في بيان حفتر لا أساس له من الصحة ولا يمثل إلا نفسه». وجددت تأكيدها بأنها تقف على الحياد من أي تجاذبات سياسية من الأطراف المختلفة، ودعت عناصر الجيش الليبي إلى الابتعاد على الحراك السياسي الجاري بالبلاد مهددة بأنها ستعاقب المخالفين بالعقوبات المنصوص عليها في القانون. وأعلنت السلطات الليبية عن ضبط حاوية بها أسلحة خفيفة ومتوسطة بعد دخولها لقاعدة طبرق الجوية كانت في طريقها جوا إلى طرابلس. من جانبها، أكدت وزارة الداخلية أنها لن تتهاون في اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة ضد كل من يحاول أو تسول له نفسه الاعتداء على الشعب الليبي وحقه في التظاهر السلمي. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية عن العقيد المبروك عبد الحفيظ مدير الإدارة العامة للعلاقات والتعاون بالوزارة، أن «وزارة الداخلية تضع كل إمكانياتها التي هي مقدرات الشعب الليبي لحمايته وتحقيق أهداف ثورة 17 فبراير»، مشيرا إلى أن الوزارة تعمل على حماية المتظاهرين المدنيين وتأمين الحراك السلمي الذي كفلته الثورة التي نادت بحق التظاهر وحرية الرأي والتعبير. في غضون ذلك، أعلن نوري أبو سهمين رئيس المؤتمر الوطني، أن المؤتمر فتح باب التواصل من جديد خلال الأسبوع الماضي مع النشطاء السياسيين وممثلي الحراك السياسي لإحداث أكبر قدر من التوافق مع النخب السياسية المتنوعة خارج المؤتمر. وقال أبو سهمين في كلمة متلفزة للشعب بثتها قناة «الوطنية» مساء أول من أمس، إن «حساسية المرحلة ووجود متربصين للثورة يسعون إلى استغلال الحراك السلمي والانحراف به عن المسار الديمقراطي الذي ارتضاه الشعب الليبي، جعل المؤتمر يضل على تواصل مباشر ودائم مع الجميع وخاصة النشطاء في الحراك السلمي ومؤسسات المجتمع المدني والمجالس المحلية والثوار في مختلف المناطق لكي تأتي قرارات المؤتمر منسجمة مع خيارات الشعب والوصول بالعملية السياسية إلى بر الأمان». وأعلن أن المؤتمر قام هذا الأسبوع بتشكيل لجنة من 15 عضوا كما هو منصوص عليه في خارطة الطريق، موضحا أن اللجنة تتكون من 6 أعضاء من المؤتمر الوطني و9 من خارجه، وذلك لبدء العمل مباشرة في إجراء تعديل في الإعلان الدستوري وإعلان قانون الانتخابات البرلمانية والرئاسية، على أن تنتهي هذه اللجنة قبل منتصف الشهر المقبل، مؤكدا أن المفوضية العليا للانتخابات سوف تفتح أبواب تسجيل الناخبين اعتبارا من مطلع مارس (آذار) المقبل، مضيفا: أن ليبيا ستستقبل في 20 فبراير الجاري حدثا تاريخيا، وهو يوم انتخاب الهيئة التأسيسية لإعداد دستور للبلاد، داعيا الجميع إلى المشاركة الفاعلة في هذا الحدث التاريخي. كما دعا أبو سهمين الحكومة والثوار إلى تأمين يوم الاقتراع، وذلك لقطع الطريق على كل من يحاول إفساد هذا العرس الوطني، مشيدا بمدينة البيضاء التي ستكون حاضنة للهيئة التأسيسية وأنها ستهيئ لها المناخ الأمني المناسب لأداء عملها في أفضل الظروف. وقال أبو سهمين إن الشعب الليبي يتطلع إلى ذلك اليوم الذي ستحتفل فيه ليبيا بإذن الله تعالى بإصدار دستورها في مدينة البيضاء. على صعيد آخر، أعلنت الحكومة الليبية عن ترحيبها باستجابة حكومة النيجر لطلبها بتسليم عبد الله منصور أحد أعوان نظام القذافي، ولإثباتها بما لا يدع مجالا للشك تورطه في التخطيط للقيام بأنشطة إرهابية تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار في ليبيا. وعبرت الحكومة في بيان لها أمس، عن تقديرها لحرص حكومة النيجر على التعاون مع ليبيا واتخاذها هذه الخطوة التي أكدت بها على عمق أواصر العلاقة بين ليبيا والنيجر ورفضها لكل ما من شأنه المساس بأمن واستقرار البلدين. وقال البيان إن تسليم السلطات النيجرية «منصور» للسلطات الليبية جاء بعد أن قدمت الأجهزة الليبية عددا كبيرا من الأدلة والقرائن التي تؤكد مسؤولية المعني المباشرة في التخطيط وتوفير الدعم للعناصر المسؤولة عن الأحداث الدامية التي تعرض لها الجنوب الليبي الأسابيع الماضية، الأمر الذي عدته السلطات النيجرية أنه نقض التعهدات والالتزامات التي قطعها المعني على نفسه كشرط لتمتعه بحقه الإنساني في الإقامة على أراضيها. وتعهدت الحكومة الليبية بالإيفاء بالتزاماتها بأن يتمتع المعني بكافة حقوقه في محاكمة عادلة ونزيهة ووفق المعايير الدولية، وتجديدها التأكيد بالتمسك بحقها في ملاحقة العناصر المطلوبة للعدالة في ليبيا وفق الوسائل والطرق القانونية. وأكدت أن المتهم قد وضع فور تسلمه تحت تصرف النائب العام والقضاء الليبي باعتبارهما السلطة المختصة بذلك.
مشاركة :