إذا نظرنا إلى الدول الآسيوية القادمة سنرى أن بناءها اعتمد على بناء الاقتصاد الراسخ القواعد والمستدام النمو. والأمن هو الركن الأول في بناء الاقتصاد. والركن الثاني هو العلم وقدرة استدامة النمو. والركن الثالث هو القانون الذي يسري على الجميع ويمنع الفساد فيبني الثقة المتبادلة بين المواطن والمسؤول. والحجر الرابع هو الإعلام الصادق الفاضح لأي انحراف. فالأمن يبنى على توطيد الشعور بالانتماء.. وهو شعور دعامته سلامة الرؤية متأسسة أولاً في نظام تعليم يشجع التفكير المنطقي والإضافة الفردية خارج محتوى الموروث التراكمي؛ ثم بناء الحماية الإعلامية. في الغرب حيث التعددية سمة الثقافة المجتمعية الشائعة، تركز وسائل الإعلام عامة على الجانب الإخباري - وإن اتُهِمت بخلطه بشيء من توجيه الرأي العام بصورة غير مباشرة خاصة في ما يتعلق بالسياسات والمشاركات في ما يحدث خارج الحدود - وتترك مسألة تذوق الأدب والفن واختيار الدين والمذهب خيارا شخصيا. إعلام الشرق تظل مصداقيته مجروحة ومشكوك فيها وما ينقله من تفاصيل أو يخفيه يجعله في رأي الناس مصدرا غير موثوق به ويظل المواطن الشرقي يشك في نزاهة فضائياته! كل المجتمعات بدرجات متفاوتة تمارس ثقافة تعايش المتناقضات وتلقين المثاليات وتوارث الأعراف والتقاليد ومحاولة القفز فوق القوانين المفروضة رسمياً. وحتى وقت قريب، كان المواطن والمسؤول - في الشرق والغرب- يتساويان في التناقض بين المثاليات المعلنة والتصرف الخاص، وتجاوز القوانين الداخلية، والتأثر بمصادر الإعلام الخارجي. واليوم يشوب علاقة التصديق والثقة بعض الشك مبنيا على نظرية المؤامرة ولا دخان بلا نار. وأعترف أنني مثل غيري أشك في بعض التقارير حول الأحداث المحلية والعالمية وارتباط هذه بتلك. في الشرق تختلط الأمور بين الإعلام بصيغته الرسمية ممثلا للرأي الرسمي، وصيغته المهنية بصفته إخبارا بالوقائع داخليا وخارجيا، وبين تحميله مسؤولية ريادة التغير وتطوير الوعي المجتمعي وذائقة الثقافة المجتمعية، كونه يقود مسيرة الثقافة العامة وعليه مسؤولية ريادتها. لكي نبني الوطن السليم لابد أن نقوي الأمن الفكري. ضعف الأمن الفكري وهشاشة الانتماء يهددان صروح الاقتصاد. ولعل بطء إعلامنا في بناء وعي وثقة المواطن لمواجهة المحرضين، يؤدي لاستسلام بعضنا للإشاعات المغرضة وأخذ مواقف شخصية تنخر في استقرار اقتصاد الوطن.
مشاركة :