قرر يوسف الشاهد رئيس الحكومة التخفيض في رواتب كل أعضاء الحكومة من وزراء ووزراء دولة بنسبة تتراوح بين 20 في المائة و25 في المائة في إطار الضغط على مصاريف الدولة وتوفير موارد إضافية لصالح المجموعة الوطنية. وأعلن الشاهد عن هذا الإجراء خلال أول مجلس الوزراء يعقده بعد نيل ثقة البرلمان التونسي. ولا يتجاوز حجم أجور الوزراء في تونس حدود أربعة آلاف دينار تونسي (نحو ألفي دولار)، وبذلك يكون حجم التخفيض متراوحا بين 800 إلى ألف دينار تونسي (ما بين 400 و500 دولار)، وهو رقم لا يسمن ولا يغني من جوع، على حد تعبير أحد الخبراء في مجال المالية العمومية. ومن المنتظر سحب هذا الإجراء في مرحلة لاحقة على رواتب أعضاء مجلس نواب الشعب (البرلمان) غير أنه من الصعب تطبيق ذلك، باعتبار أن هذه المؤسسة مستقلة ماليا بذاتها وخارجة عن رئاسة الحكومة. ورغم الأهمية الرمزية لهذا الإجراء، فإن عددا من الخبراء في مجال الاقتصاد والمالية اعتبروا أن هذا الإجراء لن يغير كثيرا من الوضعية المالية الصعبة في تونس، بل ذهب البعض الآخر أكثر من ذلك، وربطوا هذا الإجراء بمخطط التقشف الاقتصادي المزمع تطبيقه في تونس خلال سنة 2017، وكذلك بالضغوط المسلطة على الحكومة التونسية من قبل هياكل التمويل الدولي؛ وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، الذي طالب بالحد من الأجور خاصة في القطاع العام بنسبة 12 في المائة، والتخلي عن نحو 130 ألفا من موظفي القطاع العام. وفي هذا الشأن، قال عز الدين سعيدان، الخبير التونسي في المجالين المالي والاقتصادي، إن العائدات المالية لهذا الإجراء لن تكون كبيرة لأنّه في بقية دول العالم يتقاضى الوزير مبلغا أكثر بثلاث أو أربع مرّات ما يتقاضاه الوزراء في تونس. وأضاف قائلا إنه كان من الأجدر الإعلان عن سحب الامتيازات الخاصة بالوظائف العليا للدولة، والتي تتكلف على المجموعة الوطنية نحو 5 مليارات دينار تونسي في السنة (نحو 2.5 مليار دولار)، هذا علاوة على اتخاذ قرارات أكثر جرأة وذات مردودية عالية على مستوى ما توفره لخزينة الدولة. وأكد سعيدان أن الحكومة التونسية تقوم بمغالطة من خلال هذا الإجراء، تتمثل في الحديث عن إنقاذ الوضع الاقتصادي لسنة 2016 كشرط أساسي لتفادي سياسة التقشف خلال السنة المقبلة، وهذا الشرط لا يمكن تحقيقه في 4 أو 5 أشهر، على حدّ تقديره، ومن ثم تحقيق انتعاشة اقتصادية تغير واقع الاقتصاد التونسي. واعتبر التخفيض في نفقات الصحة العمومية وتسريح آلاف الموظفين والتخفيض في نفقات البنية التحتية الموجهة للجهات الداخلية والزيادة في الأداءات خطوات أساسية لإنقاذ الاقتصاد التونسي.. ويرى أنه «في حال الفشل في هذه الإجراءات فإنّ النتيجة الحتمية ستكون التخفيض في نفقات الدولة، وهذا ما يحيلنا إلى الاستنتاج بأن الأزمة الاقتصادية سببها ضعف الطلب على المستوى المحلي؛ أي بسبب تعطل الاستهلاك الداخلي كمحرك للتنمية، بالإضافة إلى تعطل الصادرات والتي من أهم أسبابها تعطل إنتاج الفوسفات». وخلص سعيدان إلى القول إن كل هذه الإجراءات التقشفية التي تعتمدها السلطات التونسية ستؤدي في نهاية المطاف إلى تعميق الأزمة الاقتصادية، بدلا من إيجاد حلول عاجلة لنقص النمو الاقتصادي وضعف الإنتاج وتراجع الصادرات. ونبه إلى إمكانية تحول سياسة التقشف من أزمة اقتصادية ومالية إلى أزمة اجتماعية، وهو ما يجعل التعاطي معها مخاطرة جسيمة على حد تعبيره.
مشاركة :