نحو اتفاق أفاميا جديد في الشرق الأوسط

  • 9/7/2016
  • 00:00
  • 66
  • 0
  • 0
news-picture

الهيمنة في الأجواء مضمونة على خلاف النصر. فهذا يحقق على «الأرض»: هذه خلاصة النزاعات التي شارك فيها الغرب. ولا يقتصر النصر على ميادين المعارك وساحاتها بل يجب ان يشمل الساحة السياسية والاجتماعية. ومنذ حروب العودة عن الاستعمار الى حرب ليبيا مروراً بأفغانستان والعراق ويوغوسلافيا السابقة، لم يرس الاستقرار ولم تكتب له الحياة من غير تقدم في هذه الميادين مجتمعة. وفي القارة الأوروبية، ليس ما يدعو الأوروبيين الى الخجل، فهم ارسوا الاستقرار سياسياً واجتماعياً ونزعوا فتيل النزاعات، على نحو ما حصل في البوسنة وكوسوفو. ولكن خارج القارة الأوروبية، لم تغلب كفة الأميركيين أو المتحالفين معهم أو كفة القبعات الزرق (قوات حفظ السلام الأممية) أو جنود «الأطلسي» إلا في ساحات المعارك على وقع الصواريخ. ويشفي هذا النصر غليل وسائل الإعلام والرأي العام. ولكن افغانستان انزلقت من جديد الى ظلام طالبان، والعراق عمته الفوضى، وليبيا تحولت الى وكر دبابير. وعلى خلاف الغرب، لا يرتكب الأتراك والروس في سورية اخطاء مماثلة، ولا يكتفون بضربات موجهة على شاشات من بعيد ولا بضربات طائرات الدرون. فهم يلجأون الى دبابات ومقاتلين وجنود مشاة لبلوغ اهداف الحرب. فيقصف الأتراك داعش ويحملون الأكراد على التراجع الى شرق الفرات، في وقت يسعى الروس الى تعزيز قوة بشار الأسد ومده بوسائل الغلبة لاستتباع البيشمركة ومفاوضة انقرة. ويغلب على سياسات بوتين وأردوغان التخفف من المعايير الأخلاقية وترجح البراغماتية، في وقت تغلب المبادئ على سياسة الغربيين. ويرى امثال بوتين وأردوغان أن الحرب هي امتداد السياسة بينما يرى الغربيون انها عرض للعجز السياسي. فتراجع الغرب عن ضرب دمشق في 2013، ويتردد اليوم في الموصل او الرقة. وخلاصة الحال هذه واضحة: حرب سورية كان يجب ان تنتهي قبل وقت طويل. ويعود تعثر الأنظمة الديموقراطية في المشاركة في هذا النزاع الى طابعه المركب. فالحروب فيه تخفي حروباً اخرى. وأول الحروب هذه هي الحرب العالمية الأولى التي انتهت الى تهافت حدود سايكس - بيكو في 1916، وعودة التوسع العثماني الذي سعى الى الانتقام من مهانة اتفاق سيفر في 1920. وحرب الخليج تتوالى الفصول. فداعش هو مرض معد اصاب العراق إثر العملية الجراحية الثقيلة التي اجراها الأميركيون هناك في 2003. وحروب الغد ترهص وتنمو في هذه الصحراء: ايران في مواجهة دول عربية وتركيا ضد كردستان موحد ومستقل، والحرب الباردة بين موسكو وواشنطن. وفي 188 قبل الميلاد، أبرم الرومان اتفاق أفاميا في مكان غير بعيد من حلب، وأوقف الاتفاق التوسع السلوقي ونظم حياة الأقوام المتنوعة على باب العالم الهيلينستي. واليوم، يجب الاحتذاء على الاتفاق هذا. وتبرز الحاجة الى اجتماع واسع لإرساء نظام جديد شرق اوسطي: وحري بأوروبا وروسيا وتركيا وإسرائيل التفاهم. فهذه الدول ضاربة الجذور في حضارات قديمة، على خلاف غيرها. ويجب اعادة ابتكار الأمم المتحدة فهي ولدت من الحرب على هتلر، واندثارها واجب على وقع ارساء اسس مؤسسات الديموقراطية العالمية المستقبلية مع مجالسها التشريعية. وقد يقول قائل ان ما اسوقه من بنات عالم اليوتوبيا، ولكن الإعداد للمستقبل أمثل من حرب بائتة.     * افتتاحية، عن «ليكسبريس» الفرنسية، 31/8/2016، إعداد منال نحاس

مشاركة :