طارق أوبرو، هو زعيم الجالية المسلمة في مدينة ظلت تشتهر بالنبيذ الأحمر الترابي حتى إنها جعلت من هذه المنطقة الفرنسية اسما مألوفا، ولكن أتباعه ممنوعون من تناول عينات الخمر الشهيرة هناك. ولكن بعد ثلاث هجمات إرهابية عنيفة خلال عامين، إلى جانب الجدال الأخير حول البوركيني (ملابس البحر للنساء المحجبات)، أصبح أوبرو المدافع الفرنسي البارز عن الإسلام بصورته التقدمية، والشاملة، والأهم من ذلك كله، بصورته الفرنسية. وفي سلسلة من المقالات، والمقابلات التلفزيونية، وكتابه الأخير والشهير، صار أوبرو ينتقد الحجاب علانية، وأعلن بترحيبه للعلاقات المثلية بين المسلمين، وساوى بين جوهر الإسلام والفكرة الفرنسية الرئيسية لتحرير الإنسان. وبالنسبة لهذا الإمام، فإن الفكرتين متماثلتان وغير منفصلتين، وهما بعيدتان كل البعد عن النقاش العام الدائر حول ملابس النساء المسلمات، سواء في الشارع أو على شاطئ البحر. وقال خلال مقابلة شخصية أجريت معه داخل مكتبه في مسجد بوردو الكبير، حيث تنتشر الكتب الكثيرة من أرضية المكتب وحتى سقفه: «لا أعبأ بما يضعه الناس فوق رؤوسهم. إنني أعتبره من المناقشات المثيرة للهوان». ويدعو أوبرو في كتابه الأخير بعنوان «ما الذي لا تعرفه عن الإسلام»، المنشور في فبراير (شباط) الماضي، إلى ما يسميه بـ«الإسلام الفرنسي»، الذي يعرِّفه بأنه حالة من «التصالح بين قيم الإسلام الروحية التي تعبر عن نفسها عبر لغة الجمهورية الفرنسية المتأصلة فعلا». وعلى وجه التحديد، ثالوث الثورة الفرنسية المقدس: الحرية والمساواة والإخاء. أصبح أوبرو محبوبا، وعلى نطاق واسع، من قبل النخبة السياسية الفرنسية بسبب طرحه لأفكاره تلك. حتى إنه حاز على وسام فارس من جوقة الشرف، في عام 2013، وهو أعلى وسام تمنحه الحكومة الفرنسية للجدارة في المجال المدني أو العسكري. ولقد اختير في عام 2015 من قبل وزارة الداخلية الفرنسية مستشارًا خاصًا للحكومة في أعقاب الهجمات الإرهابية التي ضربت صحيفة «تشارلي إيبدو» الساخرة. كما أن هناك شائعات تقول إنه قد يتولى إحدى الحقائب الوزارية إذا ما فاز عمدة بوردو، آلان جوبيه ذو الشعبية الهائلة، بمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية المقرر انعقادها في العام المقبل. لكن مثل هذه الأفكار أكسبت أوبرو كثيرًا من النقاد وربما الأعداء، بما في ذلك عدد من المسلمين الفرنسيين العاديين الذين يشعرون بأن وجهات نظره تعكس ما عليه وجهات النظر الحكومية في فرنسا. وبعد كل شيء، فإن الأناس الذين منحوا أوبرو وسام جوقة الشرف توجهوا في نهاية المطاف إلى حظر موضة البوركيني، على أساس أنه يعتبر إهانة لمبادئ المساواة التي تشتهر بها الجمهورية الفرنسية. يقول مروان محمد، مدير المركز الجماعي ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا، خلال مقابلة شخصية أجريت معه: «إنه أمر نابع من حسن النية، كما أعتقد. ولكن الكثيرين يعتبرون رؤية الرجل للإسلام (وأنه ينبغي أن يتحلى المسلمون بمزيد من التحفظ، وأن يكونوا أقل إعلانا عن أنفسهم مما هم عيه الآن) تؤصل صورًا نمطية معادية للمسلمين داخل المجتمع الفرنسي، وأنه يتعين على المسلمين في المقام الأول إثبات ولائهم للدولة من خلال التماهي والاستيعاب الكامل في نسيج الحياة الفرنسية». وفي هذه الأثناء، أصدر تنظيم داعش الإرهابي الكثير من الفتاوى المعادية لأوبرو، الذي يطلق عليه قادة التنظيم الإرهابي اسم «إمام الفجور». وأكدت مجلة «دار السلام» الناطقة باللغة الفرنسية والتابعة للتنظيم الإرهابي، في عددها الصادر ربيع العام الحالي، على أنه «ينبغي قتل ذلك الرجل ومن دون تردد». وقال أوبرو في رده على تلك التهديدات إنها لم تقلق نومه ولا مرة حتى الآن، وإنه لا يزال يرفض عرض الحكومة بتوفير الحماية الأمنية له، ويقول عن ذلك: «إذا ما ساورني الخوف منهم فقد نجحوا في هزيمتي». وبالنسبة إلى أوبرو، كانت فرنسا، ومنذ الثورة الفرنسية، فكرة أكثر منها دولة، وذات التزام واضح لحقوق الإنسان والمساواة بين الجميع. وتلك، كما يقول، هي التطلعات السامية التي يعلن عنها الإسلام وأي دين صحيح آخر. ويقول أوبرو: «يخدم دين المسلمين البشرية جمعاء – كما تفعل الدولة تماما. وهذا ما يدور حوله شأن الدين: كيفية خدمة الإنسان، وهدايته، ومحاولة وصوله إلى درجة الكمال في الفكر، وفي الإحساس، وفي الروحانيات، وفيما يتعلق بأسرار الإله». ولد أوبرو في المغرب عام 1959 لأبوين فرانكفونيين، ثم حصل أوبرو على الجنسية الفرنسية في أواخر الثمانينات. ولقد كانت لحظة فاصلة في حياته وفي نموه العام كمفكر، وهو يتحدث عنها بقوله: «حصلت على الجنسية الفرنسية، وبالتالي لا بد أن أكون مخلصا بكل بساطة. ويجب أن أحترم القانون، وأن أسهم في اقتصاد البلاد ورخائه كما يفعل أي مواطن عادي آخر». وفي فرنسا، وكما هو الحال في جميع أنحاء أوروبا، هناك تقليد طويل من مختلف الأديان التي يُنظر إليها على أنها «أجنبية أو غريبة»، والتي تعمل بلا كلل أو ملل لإثبات أن تعاليمها هي أكثر من متوافقة مع المجتمع بأسره. وطوال القرن التاسع عشر، على سبيل المثال، كان زعماء اليهود في فرنسا، الذين كانوا يواجهون زيادة مطردة في معاداة السامية، يحاولون إثبات أن الكتاب المقدس يؤكد على القيم التي تدعو إليها الدولة. وكانوا يرسلون أبناءهم وأشقاءهم بكل فخر للخدمة في الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الأولى. وفي ظل ارتفاع وتيرة الإسلاموفوبيا، تعكس خطب وتعاليم أوبرو دفعة وطنية مشابهة. وعلى سبيل المثال، أصر أوبرو على أن مسجد بوردو يستخدم اللغة الفرنسية بالإضافة إلى اللغة العربية في تقديم خدماته للمسلمين. ويتعلم الأطفال داخل مدرسة المسجد ما يحتاجون إلى معرفته عن الإسلام في فرنسا كما يحدث مع التلاميذ المسجلين في المدارس الأخرى في البلاد. ويقول أوبرو: «إن أجيالنا الثالثة والرابعة يحملون الحلم الفرنسي. وينبغي أن يتحدثوا إلى الله باللغة الفرنسية كذلك». وإلى جانب ذلك، يقول أوبرو إن الجنسية الفرنسية تعد هوية ذات تميز عن الانتماءات الوطنية الأخرى، إنها بمثابة «عقد أخلاقي»، والتزام نبيل بالمثل العليا المجردة، التي تكون أكثر منطقية عندما يمكن للأفراد ربطها بشكل وثيق مع إيمانهم الخاص بأديانهم. وفي هذه الأيام، فإن ما يثير أوبرو في المقام الأول هم أولئك الذين يشعرون بالإقصاء والاستبعاد عن ذلك العقد الأخلاقي، خصوصا الشباب الفرنسي الفرانكفوني المسلم الذين، ولأسباب عدة، انطلقوا في اتجاه الراديكالية خلال السنوات الأخيرة. وفي كل حادثة من الحوادث الإرهابية التي ضربت فرنسا أخيرا، كان الجناة قادمين من المجموعات السكانية المهلهلة الفضفاضة، وهي الحقيقة التي بدأ أوبرو مواجهتها علانية على المستوى المحلي. ساعد أوبرو، إلى جانب مجلس مدينة بوردو، في إعداد برنامج رائد لنزع التطرف والراديكالية عن الشباب المسلم الصغير والمشتبه في ظهور الميول العنيفة لديهم في أعمار مبكرة. والبرنامج يحمل اسم «مركز العمل ومنع التطرف لدى الأفراد» (CAPRI)، ولقد أُنشئ بشكل رسمي في يناير (كانون الثاني) من العام الحالي.
مشاركة :