شمس الدين النقاز يكتب: هل تقود حكومة الشاهد البلاد إلى الهاوية أم سيمنع وعي التونسيين ذلك؟

  • 9/9/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

بعد طول انتظار وترقّب، خطب رئيس الحكومة التونسية المكلّف، يوسف الشاهد، مصارحاً الشعب بحقيقة الأوضاع الاقتصادية الراهنة بالبلاد والتي أكّد أنّها كارثيّة بعد نحو ست سنوات من انتفاضة 14 يناير/ كانون الثاني. قرّر الشاهد في أول إطلالة أمام البرلمان، بعد التنسيق مع مستشاريه أن يكشف للشعب التونسي بالأرقام عن العجز الكبير في الموازنة التونسية لعام 2016 وذلك بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي وتواصل الاحتجاجات والاعتصامات في عدد من المنشآت الحيوية بالدولة. صحيح أن الشاهد ذلك الوزير الشابّ الّذي تجاوز الأربعين بسنة يتيمة، صارح الشعب بحقيقة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، ولكنه بعد المصارحة التي طمأنت المتابعين المتفائلين بأن الحكومة القادمة ربما تكون أفضل من سابقاتها، عاد لإخافتهم مجدّدا، حيث أكّد رئيس الحكومة الجديد أن الدولة ستتوجّه نحو تطبيق سياسة التقشّف القائمة على تقليص مصاريف الدولة في قطاع الصحة والضمان الاجتماعي وتسريح آلاف الموظّفين والعمال إضافة إلى الترفيع في الضرائب وإيقاف الاستثمار العمومي والمشاريع التنموية. دقائق معدودة كانت كافية لتحويل شبكات التواصل الاجتماعي إلى بركان هائج، إذ تحوّل اطمئنان التونسيين الّذي لم يدم أكثر من دقائق معدودة إلى خوف وتشكيك في كفاءة الحكومة الجديدة والتي يرى البعض أن مجيئها في هذا الوضع الحرج لم يكن أكثر من تطبيق لتعليمات صندوق النقد الدولي بحذافيرها. بعد ساعات من السجال والجدال في صفوف التونسيين، أطلّ الشاهد مرّة أخرى في ساعة متأخرة من ليل الجمعة الماضية، ليتراجع عن تصريحاته السابقة، ويعلن للتونسيين أنه لن يكون هناك تقشّف في برنامج حكومته مستقبلا، ولا تسريح للموظفين ولا تفويت في المشاريع العمومية، بل إن كل ما في الأمر دعوة إلى العمل وبذل الجهد وتأجيل المطالب الاجتماعية للنهوض باقتصاد البلاد. جميل جدا أن يتحدث رئيس الحكومة الجديد بلغة سهلة وأسلوب سلس خال من التعقيدات، ولكن من الأجمل أن يظلّ متمسّكا برأيه ولا يُطمئن التونسيين أكثر من اللازم، فالوضع الّذي تمرّ به البلاد على كلّ الأصعدة مخيف ولا يبعث على الاطمئنان، بل على العكس من ذلك يبعث إلى الخوف وإلى الترقّب، فالدينار منهار والأسعار "نار" والأوضاع الاجتماعية تنذر بالأخطار. قبل أيام، أسفر حادث مرور أليم بمنطقة خمودة التابعة لولاية القصرين، عن وفاة 16 مواطناً وجرح 86 آخرين، هذا الحادث الذي أثار الرأي العام، أعاد إلى طاولة النقاش من جديد موضوع التنمية بالمناطق الداخلية بعد أكثر من 5 سنوات ونصف من اندلاع انتفاضة الحرية والكرامة. وزيرة الصحة الجديدة، سميرة مرعي، وفي أول زيارة لها إلى مستشفى القصرين، هالها ما رأت من نقص فادح في التجهيزات الطبية الضرورية، لكنها في نفس الوقت قامت بخطأ اتصالي كبير من خلال عدم قدرتها على تهدئة الغاضبين داخل المستشفى بل زادت الطين بلّة بعد أن خاطبت المحتجّين داخل المستشفى بقولها "أنا الآن وزيرة ولست طبيبة ولا يمكنني البقاء أكثر لأن الطائرة تنتظرني." الحكومة الجديدة التي يترأسها يوسف الشاهد منذ الإعلان الرسمي عن تشكيلتها، أثارت ردود أفعال غاضبة، لأنها جاءت حكومة محاصصة ضمّت الصالح والطالح كما يرى ذلك مراقبون، بل ضمّت بعض الفاسدين والأزلام كما صرّح بذلك عدد من الوجوه السياسية، لهذا فإنّ العديد من المراقبين أكّدوا أنّ حكومة التوافق التي أقرّها "الشيخان" ستكون أسوأ من سابقاتها وليس العكس. إنّ فشل الحكومة الحالية أو نجاحها سيتحمّل مسؤوليته الجميع بدون استثناء، فوسائل الإعلام المحلية ومنظمات المجتمع المدني التي لم تمارس وظيفتها الحقيقية وانجرت في المقابل نحو صراعات أيديولوجية وحزبية ضيّقة، تتحمّل جزءا كبيرا من فشل الحكومة السابقة وستتحمل مسؤولية فشل الحكومة الحالية إن حدث ذلك. في النهاية يمكننا القول، إنّ الألغام التي زُرعت في طريق حكومة الشاهد كثيرة، وليس من المستبعد أن تنفجر تباعا، خاصة وأن العام القادم سيكون عام تسديد القروض التي اقترضتها الحكومات السابقة، لكننا في نفس الوقت كلّنا أمل أن يكون وعي الشعب التونسي مانعا لعدم غرق البلاد في أتون الفوضى الّتي لن تترك دارا إلى وستدخله عنوة إذا ما وقعت الكارثة.

مشاركة :