الأضحية هي الشعار الأبرز في حياتنا أيام العشر الأول من ذي الحجة، ففي كل بيت يستعد أهله لاختيارها من أجود ما عندهم وأنفسه، لكن هناك سؤال ينبغي أن يطرح، وهو: ما الحكمة في أن تكون الأضحية في اليوم العاشر من ذي الحجة يوم النحر؟، وما العلاقة بين الحج كشعيرة ونسك، والأضحية كشعيرة ونسك؟، ولماذا يلزم المضحي وجوباً عند الحنابلة بعدم أخذ شيء من شعره وأظافره تشبهاً بالحجيج؟، ولِمَ يحظر عليه أخذ شيء من شعره أو أظفاره حتى ينحر هديه كأنه محرم؟. إنّ العلاقة بين الشعيرتين تتمثل في المقصد العام للحج والأضحية، وهو إظهار كمال العبودية لله بإظهار الاستسلام التامّ له جل شأنه عز وجل، فالحاج يقوم أثناء أداء مناسك الحج بإظهار شعار التوحيد من أول الإحرام، مستسلماً لله حتى طواف الوداع، فهو يبدأ بخلع ملابسه التي تستره ليرتدي إزاراً ورداء وهو مستسلم، ثم يحرم من مكان بعينه دون غيره وهو مستسلم، بحيث لا يتجاوز الميقات إلا محرماً، وإن تجاوز أهدى وهو مستسلم، ثم يطوف سبعاً يبدأ من الحجر الأسود وينتهي إليه، لا يزيد ولا ينقص وهو مستسلم، ثم يسعى بين حجرين، ويرمي حجراً بحجر، ويطوف حول حجر، ويُقبّل حجراً، وهو مستسلم، مُظهراً بذلك كله كامل العبودية والاستسلام لله جل شأنه. هذا في شأن الحاجّ، أما في شأن المسلم غير الحاجّ فلا يختلف كثيراً، فهو يدخل في عبادة الصوم أيام العشر من ذي الحجة، يختمها بصيام يوم عرفة، كما أن الأضحية لا تختلف عن الحج فيما يتعلّق بالمقصد العام، وأصل الأضحية هو تقديم النّبيّ الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام ولده للذبح وهو مستسلِم، فقد أُمِر أن يذبح ولده، بعدما رأى ذلك في الرؤيا وتكررت عليه، علماً أن رؤيا الأنبياء حقّ، فأخذ ولده وحده واصطحب سكينه معه، منفِّذاً أمر الله تعالى مستسلماً له، حتى ولو كان علي ولده، (فَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ). إنه استسلام تامّ ورِضا بالمقدور إرضاء لله عز وجل، من هنا ينبغي أن لا تمرّ ذكرى تلك الحادثة من دون أن تلتفت الأنظار إليها، وأن يتعلم الأبناء من الأضحية الحكمة البالغة التي تحملهم علي الاستسلام لله دون عنت، فهذا هو الذي يجعل أبناءنا رجالاً؛ لأن تعليمهم هذه المثل العليا، وسير أنبياء الله، في صغرهم وفي كبرهم، يشد من عزمية أبنائنا للاقتداء بهم، فعلينا أن ننتبه لمثل هذه الأمور، حتى لا يتصور الأبناء وغيرهم أن الحج مجرد أفعال يحاكي الناس فيها بعضُهم بعضاً، في الوقت الذي هو شحنة إيمانية ربّانية كبيرة، ومقصد لتوحيد الله والاستسلام لأوامره دون كثير أسئلة أو تَردُّدٍ.;
مشاركة :