تحديات الأمن القومي العربي ودور طهران الإقليمي

  • 9/10/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

إيران إحدى القوى الرئيسة في معادلة توازن القوى بمنطقة الشرق الأوسط، وبصفة خاصة في الدائرة الحيوية، التي تضم منطقتي الخليج العربي وآسيا الوسطى ارتباطاً بما تحظى به من مقدرات القوى الشاملة، بدءاً بما يتميز به موقعها الجغرافي كإحدى الحلقات الاستراتيجية بين الغرب والشرق والسيطرة على معابر الطاقة، ومروراً بمواردها البشرية وإمكاناتها الاقتصادية وديناميكية وفاعلية نظامها السياسي وتمكنها من تطوير قدراتها العسكرية في بعديها التقليدي وفوق التقليدي. شكلت هذه الإمكانات إلى جانب الفرص التي طرحتها المتغيرات الدولية، خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وما أفرزته من تحولات جذرية في حركة التفاعلات الإقليمية والدولية، فضلاً عما تشهد دول منطقة الشرق الأوسط من مشاكل مزمنة أمنية، أو اقتصادية أو سياسية، علاوة على ما شهدت الفترة الأخيرة مما عرف بثورات الربيع العربي في عدد من الدول العربية، الفرصة لإيران نحو تحقيق مصالح وأهداف مشروعها الإقليمي الذي يستهدف في جوهره حمايــــة وتأمين نظام الثورة وانتزاع اعتـــراف عالمي بحق الأمة الإيرانية فـــي المشاركة في إدارة الشؤون الإقليمية والعالمية وبإيران كقوة نووية في منطقة الشرق الأوسط. تحقيقاً لهذه الطموحات تتحرك إيران عبر استراتيجية تجمع بين استثمار هامش الاختلاف في سياسات القوى الدولية، مع بناء شبكة من المصالح الاقتصادية التي يصعب التخلي عنها، لتحجيم محاولات عزلها أو التصعيد بالعقوبات ضدها، في الوقت الذي تقيم فيه علاقات استراتيجية مع القوى المناوئة للأطراف الغربية، خصوصاً قوى الاستكبار الممثلة، وفقاً لرؤيتها، في الولايات المتحدة الأميركية، وخصوصاً في فنائها الخلفي أميركا اللاتينية بالتوازي، مع الحضور الإيجابي بكل قضايا المنطقة وفي مقدمها القضية الفلسطينية، مع بناء محور من الدول العربية والتنظيمات المسلحة الدينية لتوظيفها كأوراق لتعزيز مواقفها على مائدة التفاوض مع الأطراف الدولية، سواء حول ملفها النووي أو دورها الإقليمي، مع مواصلة الارتقاء بقدراتها، خصوصاً الأمنية والعسكرية، وتحصين جبهتها الداخلية. لا شك في أن ما أفرزه الاتفاق النووي الأخير الذي وُقّع بين إيران ومجموعة (5+1) فتح المجال أمام عودة إيران إلى ممارسة دورها كقوة إقليمية مؤثرة، الأمر الذي يطرح المزيد من التحديات والتهديدات تجاه المصالح القومية العربية ما لم تكن هناك استراتيجية تحرك تعمل على تحجيمها واستثمار الفرص المتاحة. وبتحليل السياسة الخارجية الإيرانية، يبرز أن العقيدة التي تنتهجها إيران، والتي تتأسس على فكر تصدير الثورة، لعبت دوراً حيوياً في العلاقة بينها وبين جاراتها من الدول العربية، حيث سعت إيران باستمرار لتحقيق أهدافها السياسية التي تمثلت في الاحتفاظ بدور الدولة الوحيدة التي عرفت انتصار الثورة الإسلامية، وكذلك الخروج من العزلة المفروضة عليها، ببناء دولة إسلامية شيعية تتجه نحو الأقليات الشيعية خارج إيران، مع اهتمامها بالحركات الأصولية السنية. وتعتبر التوجهات الإيرانية لامتلاك قدرات عسكرية متميزة، توجهات تاريخية، نظراً لاختلاف الحضارة الفارسية عن الحضارة العربية وتناقض الأهداف السياسية بين العرب وإيران في العصر الحديث، ومن خلال ذلك، تحاول إيران تأكيد قدرتها الذاتية، وتحقيق تفوق في التوازن الاستراتيجي على المستوى الإقليمي على الأقل، وقد بنت إيران عقيدتها العسكرية، بما يتواكب مع هذا التوجه. وتتحدّد أهم مرتكزات العقيدة العسكرية الإيرانية من المنظور الجيوبوليتيكي في الآتي: أ. اعتبار إيران قوة إقليمية مؤثرة، لها مصالحها في المنطقة، التي يجب أن تحافظ عليها، إلى جانب أنها دولة ثورية، ما زالت تسعى إلى نشر ثورتها على مستوى المنطقة. ب. امتلاك قدرة ذاتية تمكنها من مواجهة أي تصعيد مع النظام العالمي، واتخاذ الاحتياطات الأمنية لمجابهة الوجود العسكري الأجنبي الكثيف في المنطقة. ﺠ. امتلاك أسلحة الردع المناسبة، للتصدي لإسرائيل، حيث ترى إيران أن وجود إسرائيل في المنطقة يمثل خطراً استراتيجياً، وإقامة سلام معها ضد مبادئ الثورة. د. تسخير إمكانات القدرة البشرية في إنشاء جيش ضخم يمكنه تحقيق الأهداف الثورية الإيرانية، وذلك طبقاً لتوصية الخميني ببناء جيش العشرين مليوناً. ﻫ. امتلاك القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأسلحة المتقدمة بأنواعها واستخداماتها المختلفة، من خلال بناء قاعدة صناعات عسكرية ضخمة. واستثمار القوى المضافة التي تتمثل في بناء التحالفات مع كل من سورية و «حزب الله» وحركة «حماس» لتحقيق فكرة حماية النظام والدولة ودورها داخل الإقليم. أما عن النشاط الإيراني في العراق ودول الخليج، فيتمثل في السعي إلى بناء تكتل أو تحالف إقليمي ذي بعد سياسي واقتصادي، بعيداً من النظام العربي تحت مسمى منظمة جنوب غرب آسيا، يجمع في مرحلته الأولى إيران وتركيا ويضم مصر، وفي مرحلة تالية العراق وسورية ولبنان والأردن، ومحاولة ملء الفراغ الاستراتيجي في العراق بعد الانسحاب الأميركي، وتكريس سيطرة الشيعة على نظام الحكم مع استبعاد العراق من هويته العربية، وقيادة النظام الإقليمي للخليج العربي بترتيباته الأمنية والسياسية والاقتصادية من دون مشاركة مصرية، وتعزيز قدرتها العسكرية وامتلاك القوة النووية، وتأسيس مراكز للتجمعات الشيعية لاستخدامها كأدوات في إضعاف القوى العربية الفاعلة في المنطقة، وهو ما تعكسه التحركات الإيرانية للارتباط مع الشيعة في العراق والشيعة في دول الخليج، والتأسيس للحركة الحوثية في شمال اليمن للضغط على المملكة العربية السعودية من الجنوب إلى جانب الشمال عبر الامتدادات الشيعية، والحضور في جنوب البحر الأحمر، واستقطاب بعض الأطراف العربية مثل قطر للقيام بأعمال مزدوجة لتعزيز سياسات تسهم في تقسيم المواقف العربية تجاه القضايا المصيرية، خصوصاً الفلسطينية. تلك الأهداف تثبت التطلعات الإيرانية لإنشاء دولة شيعية كبرى في المنطقة، فضلاً عن تمسُّكها باحتلال الجزر الإماراتية ورفضها أية وساطة لتسوية هذه المشكلة، في ضوء الموقع الجغرافي المميز لتلك الجزر الذي يسهم في زيادة بسط سيطرتها ونفوذها على الخليج العربي. يعاني الأمن القومي العربي من تحديات عدة، ومن بينها يبرز التهديد الإيراني، والانقسام العربي حول إدراك هذا التهديد، حيث تعد إيران إشكالية شديدة التعقيد في الإدراك السياسي العربي، لأنها، بقدر ما يمكن التعامل معها كمصدر أكيد أو محتمل للتهديد بالنسبة إلى العرب، فإنها أيضاً تبقى شريكاً إن لم تكن حليفاً ثقافياً وسياسياً وحضارياً، ويبقى الاستثناء محدوداً في الإدراك السياسي الذي يرى أن إيران مصدر كامل للتهديد ولا يمكن أن تكون حليفاً أو الذي يرى إيران حليفاً بالمطلق ولا يمكن أن تكون مصدراً للتهديد.     * كاتب مصري

مشاركة :