الشارقة: غيث خوري شهدت الساحة الثقافية العربية في السنوات الأخيرة تحولات ملحوظة على صعيد اتجاهات القراءة، حيث يلاحظ الكثيرون هيمنة الرواية على سوق الكتاب، وتصدرها أعلى الأرقام في مبيعات الكتب في معارض الكتاب والمكتبات ودور النشر، وقد خلقت هذه الحالة تغييرات كثيرة في ممارسات دور النشر بشكل عام. فكيف هو الحال بالنسبة للقارئ في دولة الإمارات؟ وما هي توجهاته؟ وكيف تتعامل دور النشر الإماراتية مع هذه التوجهات؟ استطلعت الخليج آراء مجموعة من الناشرين وأصحاب الشأن، للوقوف على توجهات القراء في الإمارات وأكثر الكتب مبيعاً. قال علي الشعالي مدير دار الهدهد للنشر: عندما نتحدث عن أكثر الكتب مبيعاً في الساحة الإماراتية، فإننا نحصر الحديث على ما يصدر في اللغة العربية، لأن سوق الإمارات بحسب بحث قام به مستشار أوروبي، قبل خمس سنوات تقريباً، يتألف بنسبة ما بين 70% إلى 80% من الكتب الأجنبية، و20% من الكتب العربية. ومن خلال ملامسة مباشرة للواقع، فإن مبيعات الكتب العربية تنقسم إلى أربعة أقسام، يأتي في مقدمتها القراءات الأدبية والتي تميل بطبيعة الحال نحو الرواية الإماراتية والعربية وبشكل أقل القصة القصيرة، وهذه القراءات رائجة بشكل كبير بين الشباب ، خاصة الإناث في الفئة العمرية بين 17 إلى 25، أي في مرحلة الجامعة وما بعدها، تليها كتب الأطفال التي تلقى تشجيعاً كبيراً من الأهل والتربويين، وتلقى أيضاً تشجعياً كبيراً من الدولة، حيث إن المستهدف الأول من مبادرة عام القراءة وغيرها، هم الفتيان وطلاب المدارس، ونرى أن كتاب الطفل اليوم له حضور في القراءات المنزلية والقراءات المدرسية، وله حضور في الأنشطة العامة الخيرية أو التي تقام بهدف التوعية، وثالثاً الكتب التوثيقية التي نلمس فيها حساً أدبياً، كما هو الحال في كتب الشعر الشعبي أو توثيق التراث والتاريخ الإماراتي، وهذا الصنف له حضور قوي في الإمارات التي تسعى دائماً لحفظ تراثها والاعتزاز به، رغم القفزات الكبيرة في كل المجالات الاقتصادية والتكنولوجية. أما الفئة الرابعة بحسب الشعالي، فهي القراءات العامة ككتب الفن وكتب الطبخ والكتب الأسرية. وأضاف الشعالي : إن هذه التوجهات مفهومة وطبيعية، إلا أن الأمل أن نولي اهتماماً أكثر للقراءات المتخصصة والقراءات العلمية والبحثية، وموازنة النسبة مع القراءات الأدبية فلا يجب أن تكون الكتب كلها في مجال التسلية فقط، لذلك على الناشر اليوم أن يقوم بالتنويع فيما ينتجه ويصدره، وأن يغامر وأن يكون أكثر شجاعة وإقداماً في طرح مواضيع جديدة وأصيلة، كما يلزم للناشر أن يطرح أشكالاً جديدة للكتب، ليسهم تدريجياً في تغيير الذائقة العامة التقليدية نحو فضاءات أوسع وأشمل وأكثر تنوعاً. وقالت الدكتورة مريم الشناصي رئيسة جمعية الناشرين الإماراتيين، والرئيسة التنفيذية لدار الياسمين للنشر، إنه يمكن تقسيم جمهور القراء واهتماماتهم بحسب الفئة العمرية، حيث نجد الفتيات في سن المراهقة يقبلن على قراءة الروايات ، خاصة البسيطة منها والتي تكون لغتها سهلة ومبسطة، أما الذكور المراهقون فهم أقل إقبالاً على القراءة بشكل عام، والفئة العمرية الشبابية التي تراوح بين العشرين والخامسة والثلاثين، نجدها تميل إلى حد كبير نحو الروايات والكتب التخصصية التي تساعدهم في مجالات دراساتهم وبحوثهم، وبعد سن الأربعين نلاحظ ميل القراء نحو الكتب الدينية والتراثية والتاريخية لدى الرجال، وتميل النساء أكثر إلى قراءة الكتب الأسرية. وأضافت الشناصي، أنه من الملاحظ اليوم غياب ثقافة شراء الكتاب، فقلة من يدخر ويصرف في سبيل ذلك، بينما في الأغلب الأعم نجد الكثير من القراء يميلون نحو الكتب المجانية، ويطمح الجمهور إلى الحصول على هذا الكتاب مجاناً بالرغم من أن سعره لا يتعدى الثلاثين درهماً. وتابعت، علينا اليوم أن نتقبل وجود الاختصاصات المتنوعة لدور النشر، فهناك دور متخصصة في طباعة الروايات، وهناك دور متخصصة للأطفال، وهناك دور متخصصة في إعادة طبع الكتب القديمة، وهناك عدد من دور النشر الإماراتية التي أخذت منحى النشر الإلكتروني فقط، وهناك من أخذ على عاتقه النشر باللغة الإنجليزية، وكل ناشر لديه توجه ولديه شريحة يركز عليها، وبالتالي يحقق رواج كتبه من خلال تركيزه على تقديم الأفضل في هذا المجال من دون أن يشتت جهوده. واعتبر خالد عيسى رئيس مجلس إدارة دار هماليل للإعلام والنشر، أن ما تشهده الإمارات في الوقت الحالي من مبادرات خلاقة في مجال القراءة، خلق مناخاً عاماً مهماً ومحفزاً للكثير من الناس بالتوجه نحو القراءة، وبالتالي شراء الكتب واقتناء ما يناسب أذواقهم. وأضاف: يمكن القول إن الإقبال العام في الأربع سنوات الأخيرة هو في اتجاه الروايات، خاصة لدى الإناث، على عكس ما كان سائداً في دول الخليج وفي الإمارات، حيث كان الشعر سباقاً (قبل 8 سنوات تقريباً) وهو سيد الموقف ومتصدر قائمة المبيعات والطلب والقراءة، أما الكتب الثقافية الأخرى (التاريخية، والبحثية، والعلمية)، فهي الأقل من حيث المبيعات. وأشار عيسى إلى بعض الاستثناءات في مجال المبيعات، حيث إن دار هماليل أوجدت طرقاً محفزة للتشجيع على كتب التراث والتاريخ، بحيث تعمل على مجموعات إصدارات في اللغة، تقدمها بطريقة أشبه بكتاب الجيب، بترتيب وتقسيم وتنظيم يحفز على اقتناء الكتاب وقراءته، ويعد كتاب معجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات للدكتور فالح حنظل، من أكثر الكتب مبيعاً لدى الدار، والذي لم يكن يلقى إقبالاً كبيراً في نسخه السابقة كما هو الحال اليوم بسبب ضخامته، وهذا يدل على أن أمام دور النشر مسؤولية كبيرة ليس في تقديم ما هو مطلوب فقط، والخضوع للسوق، وإنما أيضاً إبداع الأساليب والطرق التي يمكن من خلالها كسر سطوة السوق والإسهام في توجيه القراء نحو أنواع جديدة من القراءات.
مشاركة :