اعتادت إيران على تسييس موسم الحج منذ عام 1981، وكانت السلطات السعودية حينها تقبل تلك السلوكيات على مضض، رغبة منها في أن يعدل الإيرانيون عن تلك الأفعال بإرادة منهم، لكنها تفاجأت بأن تلك المظاهرات بدأت في أخذ منحى آخر، تظهر فيه لافتات تحمل صورة الخميني في إشارة إلى مساعي الدولة الفارسية لتصدير الثورة المزعومة إلى أرجاء العالم العربي كافة، وهو تحد فج وغير مسؤول يتعارض مع مبادئ حسن الجوار، ويضمر مخططات هدامة ذات نفس طائفي لا تمت لشعيرة الحج الدينية بأية صلة. خطر تسييس موسم الحج ظهر جلياً في عام 1987 عندما هاجم المتظاهرون الإيرانيون رجال الأمن السعوديين بالأسلحة البيضاء، راح ضحيتها قرابة 85 من الأمنيين، وقتل فيها ما يزيد عن 400 حاج، ومنذ تلك اللحظة أعلنت الحكومة السعودية ضرورة فصل موسم الحج عن أي أحداث سياسية تشهدها المنطقة حفاظاً على سلامة الحجاج، وتأكيداً على أهمية وحدة الأمة الإسلامية، ووضع الخلافات المذهبية جانباً، والتفرغ المطلق لأداء الركن الديني الخامس بعيداً عن أية شعارات تبث الفرقة والتنافر. وبعد عقدين من الزمان عادت إيران مجدداً إلى سلوكياتها غير المسؤولة، وتحديداً فيما جرى في مشعر منى عام 2015 عندما خالف عدد من الحجاج الإيرانيين خطة التفويج المخصصة لهم، وتسببوا في حالة تدافع أودت بحياة المئات، وذلك التصرف لم يكن عشوائياً، بل لكي تجد إيران منفذاً تطعن من خلاله بكفاءة إدارة السعودية لموسم الحج، وتكشفت تلك التوقعات في التصريحات التي أعقبت الحادثة، والتي طالب فيها عدد ممن يدينون بالولاء لإيران بضرورة منح الدول الإسلامية مهمة تنظيم شعيرة الحج بحجة عجز المملكة عن فعل ذلك. الحكومة السعودية لم تخط عندما رفضت مطالب الساسة الإيرانيين قبل موسم حج هذا العام، لأن الشواهد التاريخية تؤكد عدم التزام إيران بأي اتفاق، واتجاهها إلى تنفيذ مخططات غير نزيهة تسعى إلى زعزعة ثقة المسلمين بدور المملكة في خدمة الحرمين الشريفين، والخطر تضاعف مع تزايد دعم الحكومة الإيرانية للميليشيات الطائفية في المنطقة، بدءاً بتسليح حزب الله لتفتيت الوحدة الوطنية اللبنانية، ودعمها لما يعرف بالحشد الشعبي في العراق الذي أباد أهل السنة وهجرهم من مناطقهم في محاولة لتغيير ديمغرافية الدولة، والقتال العلني بجانب نظام الأسد المجرم الذي أعاد سورية إلى مرحلة ما قبل التاريخ بهدمه للعمران وقتله للإنسان، وتسليحهم للحوثيين لزعزعة استقرار المنطقة وتهديد أمن دول الخليج العربي. الدول العربية والإسلامية ذات السياسات المستقلّة تدرك تميّز السعوديّة في إدارة وتنظيم موسم الحج، وتعلم حجم ما تنفقه المملكة من خزينتها سنوياً لتوسعة الحرمين الشريفين، وتوفير مناخ تعبدي يليق بمكانة المقدسات الإسلاميّة، والشعوب المسلمة كذلك تشهد على حسن استضافة السعوديين للمناسك في أطهر البقاع، وتثمّن ما تلقاه من تسهيلات في التعاملات والإجراءات الرسمية للقدوم إلى المملكة وأداء الشعائر المقدسّة وسط ظروف آمنة ومستقرة.
مشاركة :