في وقت تتّجه الأنظار في المنطقة الى سورية لاختبار جدّية ومتانة الاتفاق الاميركي - الروسي عبر هدنة حلب التي تبدأ اليوم، يبدو المشهد اللبناني بعيداً حتى عن هذا التطوّر بفعل ترقُّب ما ستؤول إليه الأيام المقبلة على صعيد معالجة المأزق السياسي والحكومي العالق من دون أيّ أفقٍ واضح. ذلك ان هذه الأزمة تبدو موضوعة في غرفة التبريد والانتظار لفترةٍ لا تقلّ عن أسبوعيْن بسبب عطلة عيد الأضحى اولاً ومن ثم بفعل استعدادات رئيس الحكومة تمام سلام للسفر الى نيويورك للمشاركة في مؤتمريْن حول قضايا اللاجئين يعقدان قبيل افتتاح الدورة العادية للأمم المتحدة ومن ثم حضور أعمال هذه الدورة ولن يعود تالياً الى بيروت قبل 24 سبتمبر الحالي. وتتيح هذه الفترة تَجنُّب تَجدُّد الاشتباك السياسي داخل مجلس الوزراء الذي لن يدعو سلام الى انعقاده الا بعد عودته بما يفسح أمام المساعي الجارية لمعالجة مقاطعة «التيار الوطني الحر» (يقوده العماد ميشال عون) الجلسات بعدما اتخذت هذه الأزمة المستجدّة بُعداً تَصاعُدياً بفعل اضطرار «حزب الله» وتيار «المردة» (يتزعّمه النائب سليمان فرنجية) الى عدم حضور الجلسة الأخيرة للحكومة. لكن المعطيات التي برزت في الأيام الأخيرة لا تبدو مشجعة على تَوقُّع مخرجٍ وشيك للمأزق، ولو ان كثيرين يراهنون على ما أظهره «حزب الله» من رغبة في معالجة المأزق وإقناع حليفه العماد عون بالعودة الى الحكومة والى طاولة الحوار. وتقول مصادر مواكبة للمشاورات والاتصالات الجارية لـ «الراي» ان الأيام التي أعقبت الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء اتّسمت بتوقف كل المحركات السياسية دفعة واحدة، عسى مرحلة التبريد تمهّد لاستئناف الجهود للبحث عن مخرجٍ يحفظ ماء الوجه للمقاطعين ويمنع تمادي تعطيل الحكومة الى ما يتجاوز نهاية شهر سبتمبر. واذ تستبعد هذه المصادر حصول اي تطور ملموس قبل الأسبوع الأخير من سبتمبر، لفتت الى ان هناك معطيات تتخوّف من ان يسبق إحياء المساعي التوفيقية تطورات من شأنها ان تزيد التأزيم وتعقّد مهمة الوسطاء أكثر فأكثر. اذ ان الفريق العوني يبدو ماضياً في أجندة تصعيدية يطرح معها عنواناً فضفاضاً هو الدفاع عن «الميثاقية والمشاركة» فيما هدفه الواضح المعلوم الضغط بقوّة على الجميع لانتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية. وستكون المحطة التالية لهذه الأجندة، بعد المحطة الاولى التي قاطع فيها الحوار وعطّله وشلّ مجلس الوزراء، تصعيد الخطاب السياسي من خلال مهرجان «التيار الحر» اليوم في بلدة غزير القريبة من مدينة جونية حيث سيقيم عرضاً للقوة الحزبية بتسليم ثلاثة آلاف منتسب جديد في منطقة كسروان بطاقاتهم الحزبية. وتدرج المصادر هذا المهرجان بأنه بمثابة مناسبة لاطلاق «التيار الوطني الحر» مجموعة رسائل سياسية في اتجاهات مختلفة أوّلها للرد على الانشقاقات الواسعة التي حصلت داخل التيار رفضاً للسياسات التي يتبعها رئيسه وزير الخارجية جبران باسيل (صهر العماد عون). اذ من المعلوم ان عشرات الكوادر الحزبية تركت او فُصلت من التيار، وسيكون المهرجان اليوم بمثابة ردّ غير مباشر على المعارضين الحزبيين. اما الرسالة الثانية فستكون عبر تعبئة «الشارع العوني» استعداداً لحركة كبيرة سيقوم بها التيار في 13 اكتوبر المقبل. وتتمثل الرسالة الثالثة في مضمون خطاب سيلقيه باسيل بصفته رئيس التيار ويُنتظر ان تحافظ على الوتيرة التصعيدية التي تطبع هذه الأجندة. وفي ظل هذا الاتجاه تقول المصادر انه لن يكون وارداً تَوقُّع مخارج وشيكة للمأزق قبل اتضاح حقيقة استعدادات «حزب الله» لإقناع حليفه بالتراجع عن شلّ الحكومة والحوار بعدما سلّفه الحزب أقصى ما يمكن من خلال مقاطعته الجلسة الحكومية الأخيرة و «الموْنة» على منافِس عون الرئاسي النائب سليمان فرنجية بمقاطعة وزيره للجلسة ايضاً. لكن المصادر نفسها تلفت الى ان التعقيد الأكبر للمأزق الذي قد يحول دون تَرقُّب نجاح سريع للمساعي يتمثل في الاتجاه الحتمي الى إصدار وزير الدفاع الوطني سمير مقبل قرار تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي في الفترة التي ستكون فيها امكانات انعقاد مجلس الوزراء منتفية تماماً وقبل الاتفاق المحتمل على عودة انعقاد جلسات مجلس الوزراء. اذ ان هذه المعطيات ستبرر للوزير إصدار قرار التمديد لقائد الجيش اعتباراً من عشرين سبتمبر وقبل نهايته. وما لم يكن «حزب الله» قد بذل الجهود اللازمة مع عون لتجنب خوض معركة خاسرة مجدداً حول التمديد الذي يغطيه الحزب بالكامل ويعتبره محسوماً كما سائر القوى السياسية، فان الأمر سيزيد وتيرة الصخب العوني.
مشاركة :