سوريون في المهاجر... ما تفرقه السياسة يجمعه الحنين

  • 9/12/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

دخلت بيت صديقتي السورية المكوّن من غرفة واحدة في الجنوب الفرنسي: غرفة صغيرة تكاد تشبه غرف السكن الجامعي في سورية. صورٌ معلّقة على الجدران وبعض الكتب على الرفوف التي تعلو السرير، سخانٌ كهربائي صغير لإعداد الشاي والقهوة فوق طاولة صغيرة قرب السرير أيضاً، كذلك جواز سفر سوري معلقٌ على الحائط وقد انتهت صلاحيته، إلى جانبه بطاقة هوية قديمة وعلبة سجائر هي آخر علبة من علب السجائر التي كانت بصحبتها حين جاءت من بيروت إلى فرنسا عقب اندلاع الاحتجاجات الشعبيّة في سورية منتصف آذار (مارس) 2011 والتي كانت سبباً رئيسياً لخروجها من بلدها نتيجة قمع المتظاهرين. هذه الغرفة الصغيرة، تكاد تكون متحفاً سورياً في فرنسا. فكل ما فيها سوري ولا تختلف عن البيوت السورية الا بالجغرافيا. قد ينسى من يدخلها إنه في فرنسا إن لم يوقظه الشباك المطل على مدينة مرسيليا من الكابوس الّذي يعيشه السوري مع الحـــنين في بلاد اللـــجوء. لوهلة، تنقلك تلك الغرفة إلى دمشق في غمـــضة عين، ومن ثم تعود بك إلى حيث أنت عندما تسمع صراخ الجيران، أغلب الظن هم جزائريون. كنا نستمع عبر اليوتيوب للفنان السوري الأرمني إبراهيم كيفو وهو يغني مع الفنانة الكُردية آينور دوغان ومعهما العازف كنان العظمة، فإذا بصديقتي تبادرني بالقول: «كيف لا أحبّ سورية وهي تحمل كلّ هذا التنوع؟!». الإجابة اكثر تعقيداً مما تبدو. لكن في حالات الحنين، لا تعود السياسة مهمة، لاسيما إن كان الجميع، يعيش الحال الكابوسية نفسها من الحنين بعد خروجه من سورية. صديق آخر يعمل في الترجمة من الفرنسية إلى العربيّة، يعترف باستمرار بأنه يبكي كلما أستمع إلى أغنية تذكّره بماض لن يعود. فهو يحاول دوماً أن يصوغ الحنين ابتداء من نقطة اللجوء الأولى في دول الجوار، حين قرر أن يقيم في الأردن ثم ينتقل من هناك إلى فرنسا. لكنه يقول انه يشعر أحياناً بحنين أكثر الى عمّان، من حنينه الى سورية وبيته في ريف دمشق. وذلك يبدو واضحاً في أحاديثه وهو يتكلم عن عمّان وأصدقائه فيها، ليقول بحسرة شديدة: «ليتني بقيت فهي أقرب إلى دمشق وتشبهنا أكثر». لكن يبقى ان ذلك الحنين الزائد الى عمّان يمكن شفاؤه بزيارتها، فهي متاحة لصديقنا لو أراد ذلك, أما المصيبة فهي في الرغبة في زيارة دمشق ولا سبيل اليها. كانت تلك الملاحظة الصادرة عن أحد الحاضرين مصدراً للحزن العميق في تلك اللحظة، ليعود الشاب ويقول: «في عمان، سأستعيد الحنين لدمشق وأشتاق اليها!». كابوس الحنين، بات هوية السوري، ينقله معه أينما حلّ مثل حقائبه. شابة بدأت تتأقلم في محيطها الجديد تقول ان من يعيش في الماضي لن يرى الحاضر وهذا مسبب للكآبة. وتضيف: «كانت فرنسا بالنسبة الي أجمل قبل قدومي إليها، كان يخطر لي أن أزورها يوماً، لكن لم يكن يخطر في بالي أن أكون مقيمة في هذه البلاد، والآن يبدو هذا الأمر صعباً، لا سيما أن عقارب الساعة تعود بي إلى الوراء، لكنها في حقيقة الأمر لن تنتظرني وهي تمضي بي نحو غد مجهول».

مشاركة :