لم يكن في مقدور زعيم تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية التغاضي عن الحملات السياسية والإعلامية التي ساقها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل ضد معارضيه من قيادات إسلامية ومسيحية، خصوصاً أنه قدم نفسه على أنه المدافع الشرس عن حقوق المسيحيين والميثاقية، ما اضطر فرنجية الى الرد عليه في الجلسة الأخيرة للحوار الوطني الموسع قبل أن ينسحب منها باسيل من دون أن يجد من يتضامن معه. ورأت مصادر سياسية مواكبة للأجواء التي سادت الجلسة أن مجرد صمت فرنجية أمام الحملات الإعلامية والسياسية لباسيل يعني انه استسلم له ووافق على إلغاء نفسه بملء ارادته. وقالت إن زعيم «المردة» يمكن من خلال رده على باسيل أن يعيد تعويم نفسه كمرشح قوي لرئاسة الجمهورية ضد منافسه رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون. ولفتت المصادر نفسها الى أن فرنجية تصرف في وقت سابق وكأنه غائب عن السمع وهذا ما تسبب له بإحراج لدى مؤيديه لرئاسة الجمهورية الذين سألوا: أين هو من الحملات السياسية المتتالية التي يشنها باسيل؟ وهل من المفيد له أن يأتي الرد عليه من القيادات الإسلامية، خصوصاً أن من مصلحته أن يوحي بأن الصراع الدائر هو بين المسلمين والمسيحيين وأن من لا ينصاع لمواقفه من المسيحيين عليه أن يتحمل مسؤولية مباشرة حيال التفريط بحقوقهم. فرنجية يتقدم على عون واعتبرت المصادر عينها أن فرنجية نجح أخيراً في أن يسجل مجموعة من النقاط في مرمى منافسه العماد عون ما أتاح له استعادة ما فقده من غيابه عن الساحة السياسية، إضافة الى انه حقق بعض التقدم على «الجنرال» الذي بدأ يفقد إمكانية تسويقه من قبل من كان يدعو الى حسم الخيارات السياسية والبحث في إعادة النظر في موافقه لمصلحة تأييد عون. وقالت المصادر هذه إن الغياب المفاجئ لوزير «المردة» روني عريجي عن الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء كاد يطرح أكثر من سؤال عن الجدوى من الوقوف الى جانب فرنجية طالما أن ممثله في الحكومة تغيب عن مجلس الوزراء بالتزامن مع مقاطعة وزراء «تكتل التغيير» لها واضطرار «حزب الله» للتضامن معه لتفادي إحداث شرخ في علاقته بـ «التيار الوطني». وأكدت أن عريجي كان بادر في الاتصالات التي أجراها الى توضيح موقفه في شأن غيابه عن الجلسة، نافياً أن يكون غيابه تضامناً مع «تكتل التغيير» لتبديد ما ساد في جلسة الحوار من سخونة فوق العادة من جراء رد فرنجية على باسيل. وأوضحت أن عريجي اضطر للغياب عن الجلسة بناء لرغبة حليفه «حزب الله» لأنه لا يريد أن يقطع التواصل معه، وبالتالي فإن «المردة» يحرص على الحفاظ على المساحة المترتبة على هذا التحالف وعدم الإطاحة بها لعل غيابه يسمح لحليفه بالتحرك لاقناع «التيار الوطني» بالعودة عن مقاطعته جلسات مجلس الوزراء والحوار الوطني. وتابعت المصادر هذه: إن عريجي لن يكرر غيابه عن الجلسات اللاحقة لمجلس الوزراء وهذا ما أبلغه الى رئيس الحكومة تمام سلام وقيادة «تيار المستقبل» وأيضاً لحليفه «حزب الله» لأن مراعاته «الحزب» لمرة واحدة وبصورة استثنائية. باسيل يحشد المسلمين ولكن، تبين أن مواقف باسيل الأخيرة لم تستفز خصومه من المسيحيين وإنما انسحبت مفاعيلها السياسية بالمعنى السلبي للكلمة على علاقة «التيار الوطني» بالمسلمين، مع أنه كان يتطلع الى فتح «ثغرة» داخل «المستقبل» يمكنه التأسيس عليها لكسب تأييد بعض نوابه لعون في وجه منافسه فرنجية، خصوصاً أن عون كان يراهن على وجود وديعة نيابية داعمة لها في «المستقبل» وهو ينتظر القرار الحاسم الذي سيصدر عن زعيمه الرئيس سعد الحريري الذي يفترض أن يخرجه من حال الإرباك الى موقف أكثر وضوحاً حيال معركة رئاسة الجمهورية. وفي هذا السياق سألت المصادر المواكبة عن «الإنجاز» الذي حققه باسيل لمصلحة عون عندما اضطر الجميع، وعلى رأسهم القيادات الإسلامية، للاصطفاف في جبهة واحدة، باستثناء «حزب الله»، ضد مواقف وزير الخارجية التصعيدية، وقالت: هل يعتقد الأخير أنه يكسب بذلك المزيد من أصوات النواب الداعمة لعون، أم أنه أحرج من يظهر في السرّ حماسة لانتخابه رئيساً للجمهورية. وأكدت المصادر هذه أن عون اختار الرجل غير المناسب لتسويقه رئيساً للجمهورية، وقالت إن منسوب الهواجس من انتخاب عون أخذ يرتفع تدريجاً وفتح الباب أمام طرح مجموعة من الأسئلة المشروعة حول من هو المستفيد من إصرار باسيل على خوض معارك سياسية بلا هوادة ضد معظم الكتل النيابية، وإن كان يكتفي من حين لآخر بأن يغمز من قناة حليفه «حزب الله» بذريعة أنه لا يتدخل لدى حلفائه لإقناعهم بتأييد ترشيح عون للرئاسة. وعادت المصادر الى السؤال عن المستفيد من إصرار باسيل على توجيه «اللعنات» السياسية ضد من لا يتفق معه في أبرز الأمور السياسية التي ما زالت عالقة من ناحية، وأيضاً على اتهام المسيحيين من غير مؤيديه بأنهم لا يمثلون سوى 6 في المئة من المسيحيين من ناحية ثانية، اضافة الى التلويح من حين الى آخر بأنه سيهدم التسوية التي استمرت من عام 1990 حتى 2005؟ واعتبرت أن ما يصدر عن باسيل يقلق السواد الأعظم من اللبنانيين لأنه يأخذ بطريقه اتفاق الطائف من دون أن يطرح ما هو البديل رغم أن في هذا الاتفاق بعض الشوائب التي ظهرت الى العلن بسبب سوء تطبيقه في فترات وصاية النظام السوري على لبنان. وقالت إن باسيل «يبشر» اللبنانيين من خلال هجومه المتعدد الاتجاهات بأنه سيأخذ البلد الى المجهول، إلا إذا كان يطمح لإلغاء النظام المعمول به حالياً لمصلحة إنشاء هيئة تأسيسية تأتي على قياسه لانتاج نظام جديد يتفرد في السيطرة على البلد... الى ذلك لم ينقطع التواصل بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس الحريري - الموجود حالياً خارج البلد - ورئيس اللقاء النيابي الديموقراطي وليد جنبلاط الذي يبدو أن حماسته تتراجع في تأييده لعون وفرنجية، مع انه كان يدعو في السابق الى انتخاب رئيس بأي ثمن، وبالتالي فهو إذ يفضل أن لا يبوح في الوقت الحاضر بكلمة السر فإنه يحبذ البحث عن مرشح توافقي ثالث. «المستقبل» الى أين؟ كما أن باسيل بمواقفه التصعيدية أحرج من يهمس داخل تيار «المستقبل» بأنه لا يمانع في تأييده مع أن البعض فيه كان يقول في حلقة ضيقة في حضور زواره إن هناك إمكاناً للأخذ والرد مع عون، وأن الأخير يتصرف بواقعية، وأن مجرد دعمه سيسمح له بمخاطبة حليفه «حزب الله» من موقع آخر، أي أنه سيطلب منه تقديم «تنازلات» من شأنها أن تشكل رافعة تدعم تربعه على سدة الرئاسة الأولى. ولعل خروج النائب سيرج طور سركيسيان من كتلة «المستقبل» لن يشكل علامة فارقة يمكن الركون اليها كأساس للرهان على أن الكتلة في طريقها الى تعديل موقفها. ولا تعزو مصادر سياسية سبب خروجه الى انه يود أن يؤسس لمرحلة جديدة يمكن ان تحفظ له مقعده في دائرة بيروت الأولى «الأشرفية» كمرشح عن الأرمن الكاثوليك. وكشفت المصادر عن وجود تناغم بين طور سركيسيان في «انتفاضته» على «المستقبل» وبين وزير السياحة ميشال فرعون، وإن كان الأخير كما يشاع، كان يتمنى أن يبدأ بشق طريقه السياسي الجديد بالذهاب الى معراب للقاء رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على أن يتوجه لاحقاً الى الرابية للقاء عون. إلا أن طور سركيسيان اختار لنفسه وجهة السير الأخرى، وجاء اجتماعه مع عون الذي استفسر منه عن الأسباب الكامنة - وكما قيل - التي تفرض على بعض نواب «المستقبل» تركيز حملاتهم الإعلامية والسياسية عليه. لا خروج عن إرادة الحريري وبالنسبة الى موقف عضو كتلة «المستقبل» باسم الشاب الذي لا يخفي تأييده لعون، علمت «الحياة» أنه عوتب على موقفه من قبل زملائه في اجتماع أسبوعي للكتلة، ولم يعرف ما إذا كان اقتنع بملاحظاتهم أم أنه سيحذو حذو زميله طور سركيسيان في ضوء ترجيح أكثر من زميل له بأنه لن يخرج عن سقف القرار المنتظر للرئيس الحريري في خصوص الوضع الراهن في لبنان والمسار العام للأزمة التي يتخبط فيها مع استمرار تمديد الشغور في الرئاسة الأولى. وعليه، فإن الاجتهادات الرئاسية التي تصدر عن هذا أو ذاك من المنتيمن الى «المستقبل» تأتي في سياق اللعب في الوقت الضائع ولن يبنى عليها في التأسيس لموقف حاسم من الرئاسة، وهذا ما كشفه عدد من النواب في قولهم لـ «الحياة» إنهم ذاهبون الى اتخاذ القرار الذي سيصدر في حضور الرئيس الحريري وبالتالي يتوجب علينا منذ الآن الى حين صدوره العمل من أجل ضبط ايقاعنا السياسي، اضافة الى ان استحضار الحديث من حين الى أخر عن وجود تباين جذري في الموقف من الرئاسة، وتحديداً بين الحريري وبين رئيس الكتلة الرئيس فؤاد السنيورة، لن يكون في محله وسيكتشف من يتزعم مثل هذا الرهان بأنه ذهب بعيداً في تغليب رغباته على قناعاته. وحين يروج البعض لوجود حمائم وصقور داخل «المستقبل» فإنه يحاول أن يدق اسفيناً لن تكون له تبعات سياسية ولن يصرف في الانتخابات الرئاسية. أما إذا كان يتطلع الى التأثير في القرار الذي ستتخذه الكتلة في حضور الحريري فإن توزيعه لمثل هذه الانقسامات لن تحضر مع قول الحريري الكلمة الفصل، لأن لا نية للنواب للخروج من تحت جناحه.
مشاركة :