ابتكر الرئيس الراحل صائب سلام أجمل شعارين في تاريخ لبنان، الأول بعد ثورة 1958، وهو «لا غالب ولا مغلوب»، وأهم ما فيهما أن صائب بك كان يعني كل حرف منهما، سواء يوم مارس الحكم في عهود كثيرة، أو يوم كان معارضا في مراحل عدة، أو يوم اختار المنفى في جنيف خلال سنوات الحرب. الحياة في لبنان قلق على مدار الساعة. إذا اشتدت في سوريا، فعلينا أن نقلق. وإذا توترت بين أميركا وروسيا، فعلينا أن نتوتر. وإذا تعثرت المفاوضات بين إيران والغرب، يا لطيف.. يا لطيف. ونادرا ما تخترق هذا القلق بادرة أمل أو طمأنينة. تشكيل حكومة تمام سلام جاء مثل نسمة في لهيب حار. رجل دولة بلا أعداء، وصاحب سيرة سياسية لا قتال فيها ولا حروب ولا نكايات ولا كيد، أو حتى خصومات. الدار التي ورثها عن الأب والجد كانت دائما دار زعامة سنية وشرفة لبنانية وقلب عربي. أنا واحد من الناس الذين ساءهم تعثر تأليف الحكومة وأفرحهم انتصار الاعتدال والوسطية ووصول تمام سلام إلى السلطة، فيما نقبل على انتخابات الرئاسة في مايو (أيار)، وفيما نحاول مداراة حمم البركان السوري المتدفقة عبر الحدود في أشكال كثيرة، بشرا ومدافع وقصفا وانتحاريين. رئاسة الحكومة اللبنانية عمل شاق ومعقد في أصفى الأيام، فكيف في أعكرها؟ نحن بلد صغير وساحة كبرى. عندما كان عنوان الصراع في المنطقة القضية الفلسطينية، كانت ساحته لبنان. وعندما اتخذ عنوانا أوسع هو «الشرق الأوسط»، ظل لبنان هو الساحة. وطالما تفرع منه الصراع السوري - العراقي، أو السوري - الفلسطيني، أو الإيراني - الغربي، أو الأميركي - الروسي. أخذت سوريا الآن هذا الدور لكنها تركت لنا حصة تكفي لئلا نشعر بالعزلة أو الإهمال. وتحول حزب الله من محاربة إسرائيل في الجنوب إلى مقاتلة «التكفيريين» داخل سوريا. وهكذا عادت بيروت ساحة للتفجيرات والرعب والخوف كما كانت أيام الحرب. وساد خطاب طائفي سياسي رديء لم يعرف حتى في زمن الحرب. يأتي تمام سلام وهناك «غالب ومغلوب» كما هناك أكثر من لبنانين، أو ثلاثة، أو خمسة. هذه المرة الوضع مخز أكثر مما كان عليه عام 1958 أو 1975. ولن تكون مهمة الرجل سهلة أو طرقه مُعبَّدة. لكن وجوده في رئاسة الحكومة يعيد فتح نوافذ الأمل بدل هذه الأبواب الحارقة المفتوحة على مصاريعها. بعض الأسماء تبعث على الطمأنينة مهما كان الزمن صعبا.
مشاركة :