أكدت موسكو على ضرورة مشاركة جميع القوى السياسية الأساسية والجماعات القبلية الليبية في تشكيل حكومة موحدة في البلاد. وزارة الخارجية الروسية أصدرت بيانا، عقب لقاء المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، نائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر، أكدت فيه أيضا على "أهمية الوصول بأسرع وقت إلى توافق في الآراء حول القضايا الخلافية المتبيقة، ما سيسمح لحكومة البلاد البدء في معالجة المشكلات الداخلية الحالية، بما في ذلك مهمة المواجهة الفعالة للتهديد الإرهابي المتزايد". المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر أدلى بجملة من التصريحات المهمة والمتنوعة: - طلب من الجانب الروسي خلال مباحثاته مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف المساعدة في التقريب بين الأطراف الليبية، وتحديد دور حفتر في هيئة جيش ليبي موحد. - الهدف من اللقاء كان إطلاع بوغدانوف على الوضع الحالي في ليبيا. - عزم كوبلر إطلاع مجلس الأمن الدولي على الوضع في ليبيا. - من المهم التواصل مع وزارة الخارجية الروسية لأن روسيا تعتبر لاعبا هاما في الشرق الوسط. كوبلر قال إنه قام بإطلاع الجانب الروسي على الأوضاع في ليبيا قبيل توجهه إلى نيويورك لتقديم تقريره إلى مجلس الأمن، مشيرا إلى "أنه من المهم أن يبقى الجانب الروسي على اطلاع حول ما أفعله، كما من المهم أن نحصل على نصيحتهم". وبناء عليه "طلب من الجانب الروسي المساعدة في جمع ممثلي الشرق والغرب من أجل تشكيل حكومة وفاق وطنية وتحديد دور حفتر في هيئة جيش ليبي موحد، وأنا أعلم أن علاقة روسيا مع الجنرال حفتر طيبة". من الواضح أن مارتن كوبلر لا يتحدث عن دور روسي، باعتبار أن روسيا إحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ومن حقها أن تكون حاضرة عبر أدوار وليس فقط نصائح في الأزمات الدولية. غير أن المثير للتساؤلات هنا، هو حديث المبعوث الأممي عن شخصية الفريق خليفة حفتر، ومحاولة إعطاء انطباع بأن موسكو قادرة على توجيهه أو إملاء شروط ما عليه. هذه "المناورات" الكلامية تبدو غير عادلة وغير واضحة وتهدف إلى توجيه الأمور والأحداث في اتجاهات أخرى تماما. الغريب هنا أن المبعوث الدولي مارتن كوبلر أكد أن "تاريخ السنوات الـ 10 أو 15 الأخيرة أثبت أن ما يفرض من الخارج لا ينجح"، ومع ذلك أعلن عن "ضرورة أن يكون للفريق حفتر دور في المؤسسة العسكرية الليبية المستقبلية، كما يجب مناقشة هيكل هذه المؤسسة معه، وما هو دور الجيش الوطني الليبي والجنرال حفتر في هذا الجيش الموحد المستقبلي". المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا مارتن كوبلر، تناول أيضا مسألة حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا، مؤكدا أن "الجيش الليبي تحت سلطة المجلس الرئاسي فقط يستطيع طلب رفع الحظر عن الأسلحة، ولكن هذا الجيش غير موجود بعد". وفي الوقت نفسه يتحدث "عن عدم وجود أي تدخل عسكري خارجي في ليبيا، وإنما مساعدة عسكرية لدعم سيادة الدولة.. وأن ما يحدث حاليا هو تقديم المساعدة العسكرية للمجلس الرئاسي.. وأن الولايات المتحدة نفذت غارات جوية، ولكن تم ذلك بطلب من المجلس الرئاسي للمساعدة في محاربة داعش في ليبيا". وذهب إلى أن "هناك تحالفا دوليا ضد داعش في ليبيا موجود.. وأن ليبيا حضرت مؤتمرا دوليا حول مكافحة داعش في واشنطن.. وأن القوات لموالية للمجلس الرئاسي الآن تحارب داعش في سرت منذ شهر مايو/ أيار الماضي". يستند المبعوث الأممي في كلامه هذا إلى أن "هناك قرارا حول الحوار السياسي في ليبيا، دعمه جميع أعضاء مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي". ولكنه في الوقت نفسه لا يتحدث عن فهم وتفسير وتأويل كل طرف لمثل هذا القرار. وهذا ينطبق على الأطراف الداخلية والخارجية في آن معا. ما يعني أن كوبلر لا يقف على مسافة واحدة من الأطراف الداخلية، ويسعى لتهميش دور الفريق خليفة حفتر، ويحاول إعطاء انطباعات تضليلية عن دور روسيا، والخلط بين دورها ووجودها في الشرق الأوسط والسعي لتوريطها في أدوار مساعدة ومحدودة، إضافة إلى محاولات التعتيم على الصراع القاسي بين فرنسا والولايات المتحدة في ليبيا، والذي يحاول من خلاله كل من البلدين تحقيق وتنفيذ خطط وسيناريوهات لا تساهم في محاربة الإرهاب وتعزيز قوة الجيش الليبي، بقدر ما تساهم في تقسيم البلاد، وإشاعة الانقسام بين مكوناتها السياسية والاجتماعية والعرقية. المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر زار موسكو ليطلعها على الوثيقة التي سيقدمها إلى مجلس الأمن. ولكن قبيل تقديم هذه الوثيقة، تظهر حملة سياسية وإعلامية منظمة تثير لغطا وانقساما وخلطا للأوراق. فقد أعلنت القيادة العامة للجيش الليبي بقيادة الفريق خليفة حفتر أن إحكام سيطرة قواتها على موانئ "الزويتينة والبريقة ورأس لانوف والسدرة" تهدف إلى حمايتها وسوف تعود مسؤولية تشغيلها والتصرف فيها إلى المؤسسة الوطنية للنفط، وأن الجيش الوطني لن يتدخل في شؤون التشغيل أو التصدير أو إبرام الصفقات التجارية في موانئ النفط، لأن ذلك شأن مدني بحت. ولكن السفير البريطاني في ليبيا بيتر ميليت، كان أكثر وأسرع الجميع حرصا على إضفاء السلام والأمان على أول أيام عيد الأضحى، مشيرا إلى وجود "أخبار مقلقة عن اشتباكات عنيفة حول الهلال النفطي في ليبيا.. وأن عيد الأضحى يجب أن يكون وقت سلام ومصالحة وليس قتالا"! أما مارتن كوبلر فقد أعرب هو الآخر عن قلقه مما يحدث في منطقة الهلال النفطي التي كانت تحت سيطرة "حرس المنشآت النفطية" بزعامة إبراهيم الجظران، مشيرا إلى أن هذا الأمر سيؤدي إلى المزيد من الانقسام والحد من تصدير النفط. غير أن الملاحظ، من خلال التقارير الميدانية، أن قوات حفتر لم تلق مقاومة كبيرة من "حرس المنشآت النفطية" الذي كان قد أعلن ولاءه لحكومة الوفاق الوطني. ولم تكن هناك اشتباكات واسعة النطاق، ونجحت قوات الجيش الليبي في إبعاد المجموعات التابعة لإبراهيم الجظران بعد تدخل زعماء ووجهاء قبيلة "العبيدات" التي ينتمي إليها أفراد قوات حرس المنشآت النفطية. المثير للتساؤلات هنا هو أن بعض الدول الغربية، ورغم خلافاتها وصراعاتها على ليبيا، ترى أنه من الأفضل أن تكون المنشآت النفطية في أيدي مجموعات قبلية على أن تكون في أيدي قوات الجيش الوطني الليبي! كل هذه الأحداث والتقسيمات والمناورات السياسية والإعلامية تدور قبيل تقديم مارتن كوبلر تقريره إلى مجلس الأمن، وهو التقرير الذي يتضمن خطة ما من أجل ليبيا لم يتم الإعلان عنها بعد.
مشاركة :