من يتأمل آخر آية نزلت من القرآن والكريم، ويعرف المكان والوقت اللذين نزلت فيهما؛ يعرف أن عيد الدنيا متصل بعيد الآخرة، فقد تم إكمال الرسالة ونزول كل أحكام الإسلام في يوم عرفة قبل العيد بيوم، وفي هذا اليوم نزلت آخر آية من القرآن الكريم، وهي «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا»، فيوم عرفة كان الاحتفال بإكمال الدين ولهذا جاء العيد بعدها. وفي ذلك لفتة جميلة، وهي أن اكتمال الدين فرحة وسعادة، لأن الدين هو الذي يسعد الإنسان في الدنيا ويكون سببا في سعادته في الآخرة، ولهذا أكثر يوم يعتق به الله من النار هو يوم عرفة، ويباهي الله الملائكة بعباده في ذلك اليوم العظيم، ولهذا من يتأمل أعياد المسلمين يجد أنها دائما تكون بعد طاعة لله - تعالى - وأداء ركن من أركان الإسلام. فعيد الفطر يأتي بعد أداء ركن الصيام وفرحة الصائم بالإنجاز العظيم الذي عمله وهو الصلاة والصيام والقيام وقراءة القرآن وضبط النفس وإدارة الذات، وأما عيد الأضحي فيكون بعد طاعة من صيام لغير الحاج وأداء الحج وهو ركن من أركان الإسلام. فأعياد الدنيا كلها تأتي بعد أداء ركن وطاعة، أما عيد الآخرة فهو من نوع آخر؛ لأن الإنسان يكون سعيدا بقرب محبوبه وكما قيل: (ليس للمحب عيد سوى قرب محبوبه)، وكما أن عيد الدنيا قائم على الزيارات والتواصل الاجتماعي، فكذلك عيد الآخرة يكرم الله - تعالى - المؤمنين بزيارته ورؤيته. فعيد المؤمنين في الجنة يتحقق عند زيارتهم ربهم ورؤيته جل في علاه، فيكرمهم الله - تعالى - بالتجلي لهم فينظرون إليه، فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من رؤيته، وهي الزيادة التي ذكرها الله - تعالى - في القرآن عندما قال تعالى: «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ». فأهل الجنة يتزاورون حتى لو كانوا مختلفين في الدرجات، فقد ينزل أهل الدرجات العليا ليزوروا أهل الدرجات الدنيا أو العكس، ولا يشعرون بالفرق كما قال تعالى: «وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ» وقال جل وعلا: «وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ». فهذا الحوار يحدث بينهم عند التزاور وهم سعداء بالزيارة، وتذكر أيام الدنيا وكيف أنهم كانوا مشفقين وخائفين من العذاب، ولكن الله من عليهم وأكرمهم بالدخول للجنة ورؤية الأحباب. ومن النعم كذلك، رؤية النبي (صلى الله عليه وسلم) وزيارته في الجنة، وهذا عيد بالنسبة للمؤمن عندما يزور نبيه كما قال تعالى: «ومن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً». وقد ذكر في سبب نزول هذه الآية أن رجلاً قال للنبي (صلى الله عليه وسلم): يا رسول الله، إنك لأحب إليَّ من نفسي وأحبّ إليَّ من أهلي، وأحبَّ إليَّ من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك وأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإن دخلت الجنة خشيت ألا أراك، فسكت النبي (صلى الله عليه وسلم) ولم يرد عليه فنزلت هذه الآية. وأما عيد المؤمن في قبره فيكون عندما يبشر بالجنة؛ لأن القبر سيكون له روضة من رياض الجنة، فالعيد إذن له معنى عظيم، ولكن المهم أن نستمر في طاعة الله - تعالى - حتى نفوز بالعيدين، وكما قيل: (إن كل يوم يقطعه المؤمن في طاعة ربه وعبادته فهو له عيد)، لأنه بسبب هذه الطاعة سيكون قريبا من الله -تعالى- وسيرشح لزيارته ورؤيته عندما يدخل الجنة، فالعيد يتحقق باللباس الجديد وزيارة الأهل والأحباب وصلة الأرحام وبرالوالدين مع الفرح والمرح وإدخال السرور على الفقراء والمساكين والأقرباء والأطفال وزيارة المرضى والدعاء للمسلمين... وتقبل الله طاعتكم.
مشاركة :