علينا أن نتساءل جميعًا عن الأسباب التي تجعل نظام إيران يقوم بتأجيج المشهد السياسي وتأزيمه في المنطقة كلما جاء موسم الحج، وذلك بإثارته زوبعة فنجان من خلال تسييس هذه الفريضة والقيام بالمظاهرات التي يقودها رجال الاستخبارات الإيرانية في الحج الذين يكونون ضمن البعثة الإيرانية للحج، وهذا العام أتوا ضمن البعثة العراقية وتم القبض عليهم، وتاريخ الأعوام السابقة من مواسم الحج لأكبر دليل على ذلك، حيث منذ أن جاءت «الثورة الإسلامية الإيرانية» وإيران ضالعة في كل ما حدث ويحدث في الأماكن المقدسة. ولنظام إيران تاريخ طويل من المحاولات لتسييس شعائر الحج منذ تولي الخميني السلطة في عام 1979، وبدأت هذه المحاولات في 1980 برفع حجاج إيرانيين صورة الخميني في مظاهرات أمام المسجد النبوي، وفي حج هذا العام تقدمت بعثة الحج الإيرانية بمطالبات تخالف مقاصد الحج وما تلتزم به بقية بعثات الحج الأخرى وتعرض أمن الحج والحجاج بمن فيهم الحجاج الإيرانيون للخطر، وتخالف كذلك قدسية المكان والزمان حسبما نقلته قناة «الإخبارية السعودية» الرسمية في الوقت الذي تعمل فيه السعودية على تهيئة كل أسباب الراحة وتذليل كل الصعاب لضيوف الرحمن لأداء مناسكهم في راحة وأمان، ماذا يريد نظام إيران أكثر من ذلك؟ في موسم هذا العام للحج (2016) خاصة سقطت ورقة التوت عن مقاصد نظام ملالي إيران من مطالبهم هذه، وذلك عندما أوصلت إيران الموقف إلى نقطة اللاعودة بمقاطعتها لموسم الحج وبمنع جميع المسلمين في إيران على اختلاف طوائفهم من أداء منسك الحج ولا تعرف أنها بذلك تصادر حرية الشعب الإيراني في أداء فريضة دينية. إن مقاصد إيران أبعد من كل ما تعلن عنه من ادعاءات بالقيام بطقوس دينية خاصة بهم أو بإثارتها تدويل منسك الحج، فكل هذه الادعاءات ما هي إلا قميص عثمان تريد أن تخفي وراءه نواياها الحقيقة التي هي سياسية بالدرجة الأولى وليست دينية كما تدعي. إن إيران يغيظها أن تكون السعودية هي التي شرفها الله بهذه المهمة الشريفة، وما مقاطعة إيران لموسم الحج إلا أكبر دليل على أنها تهدف إلى وضع السعودية في موقف حرج أمام دول العالم الإسلامي. إن النظام الإيراني وضع نفسه في عزلة عن دول العالم الإسلامي تتسع دائرتها عاما تلو آخر، وما هذه المحاولات إلا دليل على أنه لعب بكل أوراقه بما فيها ورقة الحج وأصبح مكشوفًا أمام شعبه والشعوب الإسلامية. إن إيران يهمها دائمًا أن تظهر السعودية في موقف ضعيف لا تستطيع فيه القيام بواجبها تجاه الحجيج، ولا نفصل هذا الهدف عن أهداف إيران السياسية وعما يدور في المنطقة بسبب أن السعودية هي الدولة التي كان لها الدور القيادي في الوقوف أمام الأطماع الإيرانية في المنطقة بدءًا من أحداث البحرين التي وقف وراءها النظام الإيراني مرورًا بما يحدث في سوريا والعراق وانتهاءً بما حدث في اليمن، حيث دعمت السعودية حكومة اليمن الشرعية وقادت التحالف العربي ضد الأخطار التي تهدد المنطقة، وخاصة التدخل الإيراني في شؤون الدول العربية الداخلية، وبذلك أصبح للسعودية دور محوري في الدفاع عن قضايا العالمين العربي والإسلامي، وهذا ما لا تريده طهران، ومن هنا فإنها تحرص على استغلال كل فرصة لإضعاف هذا الدور السعودي في المنطقة وهي لا تعلم أنها عندما تتدخل في شأن الحج خصوصًا فإنها بذلك تكشف عن نواياها ولم تجد أي استجابة من دول العالم الإسلامي، بل على العكس فإنها تكشف عن أهدافها الحقيقية، ومن هنا فإن الهدف الرئيسي لإيران هو هدف سياسي بالدرجة الأولى. لقد سئمت دول العالم الإسلامي وشعوبها من هذا الموقف الإيراني الذي لا يمت إلى مبادئ الدين الإسلامي بأي صلة، وإذا ما استمرت إيران في سلوك هذا الموقف سنويًا فإنها لن تعزل نفسها عن العالم الإسلامي فقط إنما سوف تهتز هيبة الدولة في إيران في نظر شعبها عندما يدرك أن السعودية لا تخلط بين النظام الحاكم في طهران والشعب الإيراني المغلوب على أمره، وبالتالي من المتوقع أن يسعى الإيرانيون إلى السفر إلى دول مجاورة، ومن هناك يتقدمون للحصول على تأشيرة حج، ويتجهون إلى الأماكن المقدسة، وهذا الأمر له سابقة تاريخية أيضًا، فعندما تم قطع العلاقات السعودية الإيرانية في أربعينات القرن الماضي كان الحجاج الإيرانيون يتجهون إلى الهند ولبنان ومصر وغيرها من الدول المجاورة. وحان الوقت لكي يعرف النظام الإيراني أن منسك الحج هو خط أحمر لا يمكن للسعودية أن تتخلى عن دورها في تنظيمه، حيث إن القيام بالواجب المقدس هذا ليس فقط هو واجب شرفها الله به، ولكنه أيضًا يمس السيادة السعودية. وختامًا نقول إذا كان هناك مكان مقدس بحاجة إلى تدويل فهو المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فلماذا لا تطالب إيران بتدويله؟
مشاركة :