حفلت كُتب أدب الرحلات بانطباعات عدد من الرحالة الأجانب، والمفكرين العرب عن رحلات الحج قبل أكثر من ثمانية عقود مضت ، وحضر في مضامينها الحديث عن شخصية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود تغمده الله بواسع رحمته واهتمامه بالحج والحجاج، حيث التقى بعضهم بالملك عبدالعزيز رحمه الله في مكة المكرمة والرياض . وقدّمت هذه الكتب وصفًا دقيقًا لمكة المكرمة، والمشاعر المقدسة، والمدينة المنورة، علاوة على وصف لقاء بعض الرحّالة بأمراء وأئمة الدولة السعودية الأولى والثانية، والملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله ، وتميز طرحها بحسب قول المؤرخين بالكثير من الحياد والمصداقية في النقل والكتابة، خاصة ما يتعلق بوصف فروق خدمات الحج ما قبل عهد الملك عبدالعزيز وما بعده. وتظهر جليًا في هذه الكتب الحقائق الدامغة التي سطرها الرحالة وغيرهم من المفكرين والمثقفين عن تفاصيل رحلة الحج قبل عهد الملك عبدالعزيز، ومنها على سبيل السرد لا الحصر ما ذكره الحاج عبدالماجد زين الدين ضابط شؤون الحجاج الملايويين في الربع الأول من القرن العشرين، الذي وصف معاناة رحلة الحج في ذلك الزمن وما يعتريها من أمراض، وخوف، وفوضى في تنظيم إدارة الحج، ناهيك عن طول السفر ما بين مدينة جدة حيث الميناء، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة. وقال الحاج زين الدين في قصته التي رُصدت ضمن موسوعة الحج والحرمين الشريفين التابعة لدارة الملك عبدالعزيز : إن رحلة الحج في ذلك العهد تبدأ من لحظة المغادرة من ميناء جدة إلى مكة المكرمة في رحلة تستغرق ليلتين عن طريق قوافل الإبل، ويوضع على ظهر كل جمل (سرج خشبي) محشو بسعف النخيل يعرف بـ (الشُقدف) حتى يمكنه حمل حاجين على الجهتين، لتستمر الرحلة إلى مكان يعرف باسم (بحرة) يقضي فيه الحجاج راحتهم في طريقهم إلى مكة المكرمة . وتحدث زين الدين عن رحلة السفر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بعد أداء الحج، مبينًا في وريقات كتبها عام 1923م أنها تستغرق 12 ليلة، تمر بعشرة مواقف مختلفة، هي : وادي فاطمة، عسفان، سرف، القديد، رابغ، مستورة، بئر الشيخ، بئر حسن، بئر خريص، بئر درويش . وأصبحت رحلة الحج في ذلك الزمان عائقًا كبيرًا أمام المسلمين في العالم بسبب خطورة الرحلة، على الرغم أنها الحلم الكبير الذي يبدأ بكتابة وصية الحاج استعدادًا للرحيل إلى مكة المكرمة لأداء الحج، وينتهي باستقبال بهيج من الأقارب، والأصدقاء، والجيران، يصحبه احتفالات يُقدم فيها الهدي كما في أوزباكستان، والأباعخي الحلبة، والحلوى، والتمر في أرتيريا، والوليمة في كينيا، والدوجراما، والبلوف، والفاكهة في تركمنستان. ومع تولي الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله زمام الأمور السياسية والإدارية في المملكة ، تغيّر حال رحلة الحج ، إذ تحسنت على مر السنين وسائل النقل فاختصر زمن الرحلة من الشهور والأيام إلى الساعات والدقائق، ونُظمت إدارة شؤون الحج نظير عناية الملك عبدالعزيز بالحج من خلال توجيهاته رحمه الله بإعادة بلورة تنظيم عمل المطوفين، والزمازمة من أجل خدمة حجاج بيت الله الحرام على أكمل وجه . واهتم الملك عبدالعزيز بعد دخول الحجاز تحت حكمه عام 1925م بالحفاظ على أمن الحجيج، وتابع رحمه الله هذه الأعمال بنفسه، بل واتخذ إجراءات عدة لتحقيق ذلك منها إنشاء فرق عسكرية وأمنية تعمل على استتباب الأمن وتأمين حياة الحجاج خلال أدائهم مناسك الحج حتى يعودوا إلى بلدانهم سالمين، ما جعل مراسل صحيفة (مانشيستر جاردين في بغداد) يشيد في تقرير نشرته الصحيفة بنجاح موسم حج عام 1927م، وأبرز في مضامينه جهود الملك عبدالعزيز في خدمة الحجاج. وفي استدعاء لذاكرة التاريخ، فقد كان الرحالة غير العرب يتقاطرون على مكة المكرمة قبل قيام الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبدالعزيز، وقيل إن عددًا منهم اعتنق الإسلام، وفقًا لما أوردته أبحاث موسوعة الحج والحرمين الشريفين .
مشاركة :