العزاء السوري في دراما الداخل والخارج

  • 9/14/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لن تكون صعبة ملاحظة نوعين من الدراما السورية يعملان منذ انفجار الأزمة السورية على توطين مسارين مختلفين. ربما لم يتسن لمن يعمل خارج ثوب هذه الدراما أن يقدم ما يفيد في هذا الاتجاه. فلا درامات الـ «يوتيوب» اللاذعة فعّلت شيئاً مهماً أو لافتاً على هذا الصعيد، ولا الدراما التي وقفت في المنتصف باستعارة أمكنة جديدة أمكنها أن تنتزع مجدداً اعترافاً حصلت عليه في سباق الدراما العربية الذي سبق ما سمي بـ «الربيع العربي». كأن هذا الانحسار جاء نتيجة حتمية لتغيرات جذرية تضرب في الأعماق، وتدفع باتجاه خلق معادلات جديدة في أرض تنزاح من تحت أقدام ساكنيها، أقل ما يمكن أن يقال عنها، إنها تبدلات في القلب والروح قبل أن تصبح علامات على انزياحات جديدة سيكون الانتظار عندها مكلفاً للغاية، الى حين تتوضّع الأمكنة الجديدة التي قد تفرض نفسها في هذه المعادلة. بدا عسيراً جداً بالمقابل أمام ما سمي دراما الداخل أن تنتزع لنفسها إمكان الحصول على قصب السبق في التوزيع، فحرمت من إمكان الانتشار، كما كان يحدث في السابق، لكنها أتاحت فرصاً جديدة لظهور نجوم جدد يغطون غياب بعض من غادروا الساحة الدرامية بأسباب مختلفة. وفي المقابل، نزعت الأزمة الهالة التي كانت تؤمن لبعضهم، نجومية وانتشاراً، فهؤلاء لأسباب كثيرة خضعوا لمسطرة «التخوين» بسبب الأزمة، نظراً لبقائهم «تحت سقف الوطن»، ولم يكن ممكناً تفادي شرور هذا الانقسام، بعكس من يظهر الآن من النجوم الجدد الذين – للمفارقة – لا تلحق بهم تلك الأذية التي طاولت أسماء بعينها بسبب مواقف أو لمجرد البقاء. دراما الوقوف في المنتصف – إن جاز التعبير – خضعت لمتطلبات السوق. كتاب وصناع مهرة انتقلوا للعيش في أمكنة جديدة عملوا على «تهجين خلطات درامية للسوق الإنتاجية العربية»، فخسرت مكوناتها السورية التي صنعت تميزها في الفترة السابقة، وهي لم تدفع باتجاه هوية خاصة بها، إلا أنها ظلت مستوفية لشروط الاستمرار بحكم نهم السوق على مدار العام، بغض النظر عن فلسفة الأزمة في أي منها. أما تلك المحاولات البدائية التي التزمت حرفياً إنتاج الـ «يوتيوب»، واقتصرت على الهجاء السياسي، فلم يقدر لها أن تترك أثراً مهماً، وظلت معدلات مشاهدتها على الموقع الشهير أقل من المأمول، على رغم أنها تتوجه الى فئات معينة يمكن أن تؤمن لها فرصاً مرتفعة في المشاهدة. الآن كل ما يقال عن فرص الدراما السورية بشقيها في الداخل والخارج، في محاولاتها الخروج من عنق الزجاجة التي فرضتها عليها الأزمة المستعصية على الحل في سورية، قد يبدو صحيحاً للوهلة الأولى. واذ يدور نقاش خجول من حول هذه القضية بسبب هول الأزمة، وهي طالت أعداداً كبيرة من صناع هذه الدراما بين اتهامات التخوين والتشبيح، فإن قرب انقشاع هذه الاتهامات في الاتجاهين بدأ يفرض نوعاً من قبول النقاش حولها، ربما بنوع من الاستسلام لم يكن ممكناً في بدايات الأزمة. القول أن انصراف الدراميين خلف أرزاقهم ليس صحيحاً بالطبع، فالمطحنة السورية ربما لم تبق على شيء للتصادم من أجله. هذا بدا واضحاً بينهم. لم يعد التراشق بالاتهامات في سلم الأولويات. ما يبدو أكثر وضوحاً، هو أن ثمة اندحاراً كلياً الى الداخل السوري المنهك بالمعنى النفسي لا الجغرافي بالطبع. ما يدور على الجبهات السورية المشتعلة منذ ستة أعوام فاق كل التقديرات. لم يعد هناك ما هو موجع أكثر مما يحدث اليوم في خلخلة الحدود الطبيعية التي تعرفها سورية، وقد أريق من الدم على جنباتها ما يكفي لدرامات المستقبل بكل أنواعها. لكن ثمة مرايا لا تفقد بصيرتها في الالتفاف على هذا الوجع. بعض هذه المرايا التي تقلد فعل الانعكاس في الفن لا تكلف نفسها قراءة هذا الوجع بكل وجوهه. الأكيد أن العملية الإنتاجية مرهقة أيضاً. لا يمكن إجراء حسابات مستقلة من دونها. لكن لا شيء يبدو هنا رهن استقلالية من أي نوع. الاندحار النفسي أمام فداحة العزاء السوري طاول الجميع. يمكن القول إنه قد طاول الدراما بشقيها. لم يعد هناك داخل أو خارج بالمعنى المتعارف عليه. تبدو الحالة هلامية أكثر إن تم النظر اليها من باب الديكورات السهلة التي وفرتها الحرب في الداخل، لكن الخارج أيضاً يحظى بالمهجرين والمنفيين طوعاً أو إجباراً، وهم يشكلون مادة طيعة لأي دراما محتملة. في بعض الديكورات السهلة، تتوالد ذائقة تفتقد للحس والمعاناة من طريق استخدامها بوصفها خلفيات لقصص أعيدت كتابتها على عجل. ينقصها تبصر في ما يحدث. على الأقل لجهة قراءته ونعيه. أما في الخارج، فلا يبدو أن هناك ما يفيد في إعلاء شأن البصيرة التي تقاتل من أجلها الطرفان وتبادلا التخوينات والاتهامات التي أخذت في طريقها كل شيء، وصار من المحال إعادة ترميمها، لولا الاندحار الكلي الجماعي نحو العزاء في الداخل والخارج السوريين. دراما سورية في اتجاه واحد. هكذا تبدو الصورة. لم تعد تحتمل أكثر من تأجيل نصب المزيد من خيام العزاء التي فرضت نفسها على الجميع. الحريق يمتد أيضاً في اتجاه واحد. والعزاء أكبر من أن يحتمله المعزون في الاتجاهين. تبدو الخيمة الأم هي الحضن الرئيس في هذه الدراما المشتعلة، وما ينصب حواليها من خيام لن يكون بالمستوى المأمول.

مشاركة :