كرر رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل إعطاء أبعاد للحركة الاحتجاجية التي يخوضها التيار، تتعلق برئاسة الجمهورية وانتخاب العماد ميشال عون، ولا تقف عند حدود الخلاف على التعيينات العسكرية الذي أطلق الأزمة الحكومية وعلق الحوار. وتلفت أوساط مراقبة إلى أن باسيل حين قال «ترفضون رئيسنا نرفض رئيسكم»، شمل رئاستي البرلمان والحكومة مع الرئاسة الأولى في رفض من يتولى أي منها إذا كان غير ميثاقي في نظر «التيار الحر»، قاصداً الشريك الإسلامي عموماً، ولا سيما السنة والشيعة، بعد أن كان شمل المكون الدرزي في مقارنته بين مراعاة الأخير مقابل عدم مراعاة مطالب «التيار». وتقول مصادر قيادية في «التيار» لـ «الحياة» إنه سيبلور تحركه الضاغط في اجتماعات متلاحقة بدءاً باجتماع «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي اليوم، وسط توقعات قيادات مسيحية تواكب ما ينويه أن السقف الذي قد يصل إليه هو التظاهر في 13 تشرين الأول المقبل، ذكرى إزاحة عون من قصر بعبدا عام 1990. وهذا يتم في ظل حصر رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع الميثاقية بقانون الانتخاب العادل لا بتوسيع عناوينها، كما فعل باسيل. ويطرح تصاعد نبرة باسيل و «التيار» مزيداً من التحديات على حليفه «حزب الله» الذي أخذ على عاتقه بذل جهود لمعالجة التأزم، سواء في العلاقة مع رئيس البرلمان نبيه بري أو مع حليفه الآخر سليمان فرنجية ثم مع الحكومة، للعودة إلى تفعيل اجتماعاتها، لحرصه على أن تواصل عملها في الإدارة الموقتة للبلاد. وتقول مصادر مواكبة لتحرك الحزب، أن الرئيس بري لا يمكن أن يتساهل في شأن تفعيل المجلس النيابي من جهة وعودة عون إلى هيئة الحوار من جهة ثانية، وبالتالي يفترض بوساطة الحزب بينه وبين عون أن تشمل هاتين المسألتين الجوهريتين، فهما الموقعان اللذان يوفران له دوره وحركته السياسية. بري وتفعيل الحكومة والبرلمان والحوار... وتؤكد المصادر المقربة من بري أن الأولوية في جهود التهدئة هي لحل المشكلة في الحكومة قبل معالجة الإشكال الذي وقع في هيئة الحوار، لأن بري يعتبر أن تصعيد «التيار الحر» كان تورية للمشكلة في الحكومة، على خلفية ما اعتبره باسيل إخلالاً في الشراكة والميثاقية فيها جراء الخلاف على التمديد في المناصب العسكرية. وتشير هذه المصادر إلى أن بري يتعامل مع مساعي الحزب انطلاقاً من التفاهم معه ومعظم المكونات الأخرى على استمرار عمل الحكومة والبرلمان والحوار. ويقول المتصلون ببري إنه قصد القول «إني كنت في السابق أفتش عن الأطراف كي يأتوا إلى الحوار والآن عليهم أن يفتشوا هم عني»، لأنه أبدى امتعاضه أمام بعض من التقاهم من أن عدداً من الفرقاء «هادنوا» باسيل في طرحه عن الميثاقية والذي اعتبره طائفياً، ومنهم «حزب الله» والرئيس فؤاد السنيورة والحزب السوري القومي الاجتماعي. ولم يرد على باسيل إلا النائب سليمان فرنجية والوزير بطرس حرب والنائب غازي العريضي. وهو يشمل «المستقبل» في ذلك، على رغم أن السنيورة اعتبر في رده أن الميثاقية موجودة في الدستور، داعياً إلى تطبيقه. في المقابل يرى تيار «المستقبل» أن الحملة التي يخوضها «حزب الله» ضده نتيجة امتناعه عن انتخاب العماد عون رئيساً، تؤدي عملياً إلى جعل المشكلة مسيحية– سنية بدلاً من أن تكون مشكلة التيار الحر مع «حزب الله» الذي يتهمه أركان التيار العوني ضمناً بأنه لا يقوم بالخطوات المطلوبة من أجل ضمان وصول «الجنرال» إلى الرئاسة الأولى، ومع بري الرافض بوضوح رئاسة عون. وفي اعتقاد «المستقبل» أن حملة الحزب ضده هدفها تحويل الأنظار عن كون مشكلة الرئاسة «مسيحية- شيعية»، نظراً إلى حرصه على تحصين التحالف مع عون من العثرات. وتنطلق أوساط «المستقبل» مما تعتبره مسلّمة بأن إيران ترهن الرئاسة بالأزمة السورية، بانتظار ضمان مصالحها في بلاد الشام، فإذا اطمأنت إلى المعادلة التي سترسو عليها تفرج عن الرئاسة اللبنانية التي قد تكون ثمناً صغيراً مقابل مكاسبها السورية. وإذا جاءت الحلول في غير مصلحتها، تتشدد أكثر في لبنان في وجه الغرب والدول العربية المعنية، وربما تقلب الطاولة للحصول على ثمن بديل إذا تراجع دورها السوري. وترى أوساط «المستقبل» أن العونيين «ليسوا غافلين، عن أن الحزب يؤخر الرئاسة، لكنه مضطر أيضاً للملاءمة بين هذا الهدف وبين حاجته إلى استمرار غطاء عون له بتكرار دعمه في الرئاسة، وتحويل الأنظار عن عدم بذله الجهد المطلوب لضمان وصوله من طريق الضغط على حلفائه ولا سيما الرئيس نبيه بري والنائب فرنجية، باتجاه اتهام «المستقبل» والضغط عليه». «المستقبل» وعون وفرنجية إلا أن ما يحصل وفق «المستقبل»، هو أن «أوساط عون تتنبه، بين الفينة والأخرى، إلى أن الحزب ينقل المشكلة إلى غيره، فترفع الصوت ويتأزم الوضع مثلما حصل في الأزمة الحكومية الأخيرة ما يضع الحزب في موقع محرج بين ضرورة التمديد للقادة العسكريين والحفاظ على الحكومة، وبين الحفاظ على التحالف مع الجنرال»... وتعتبر أوساط «المستقبل» أن الحزب يمعن في اتهام الرئيس سعد الحريري بالتراجع عن دعم الجنرال، وينسب تردد «المستقبل» تارة إلى رئيسه وأخرى إلى الرئيس فؤاد السنيورة، ثم يتهم السعودية حين يشعر بأن تحريض رئيس حزب «القوات اللبنانية سمير جعجع عليه يأخذ رواجاً في الوسط المسيحي، لاعتقاده أنه يتفادى المشكلة الشيعية– المسيحية. وثمة من يصنف بعض المواقف المراعية لعون في «المستقبل» بأن هدفها إما تجنب تصوير المشكلة على أنها مسيحية– سنية، وربما هذا ما يفسر تغيب وزير الداخلية نهاد المشنوق عن جلسة الحكومة في 25 آب الماضي التي قاطعها وزراء التيار العوني وحزب «الطاشناق»، احتجاجاً على عدم الأخذ برأي عون ضرورة تعيين بديل للأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد خير. أو لأن هناك من يعتقد في تيار الحريري أنه بات يحتاج إلى تحسين مواقفه في الوسط المسيحي، بعد تأييد جعجع لعون في الرئاسة، أو إلى مهادنة هذا الوسط بتأييد عون، لاستعادة العلاقة مع شريحة كبيرة من المسيحيين. لكن مصادر «المستقبل» تعتبر أن الفارق بين فرنجية وبين عون يكمن في أن هناك اتفاقاً من 3 نقاط مع الأول: الحفاظ على اتفاق الطائف، أن تباين الموقف من نظام بشار الأسد يقود إلى التسليم من الجانبين بأن «المستقبل» ليس قادراً على إسقاطه وفرنجية ليس قادراً على إبقائه في السلطة لأن المسألة أكبر من الطرفين، وبالتالي أن كلاً من الفريقين تعهد بحماية الآخر إذا انتصر حلفاؤه في سورية، أن سلاح «حزب الله» ودوره في سورية ولبنان مسألة تفوق قدرة أي منهما على معالجته وبالتالي يجب وضع هذا الأمر جانباً. وتضيف: «أما العماد عون، فتعذر الاتفاق معه على أي من العناوين الثلاثة، فهو ضد الطائف أساساً، ومراعاته إيران و «حزب الله» في ما يخص سورية وتوجهات طهران الإقليمية لا يسمح بالمراهنة على تمايزه. ويعتمد قادة تيار الحريري إعلامياً سياسة رفض منطق باسيل بأنه إذا لم توافقوني الرأي فأنتم غير ميثاقيين، من أجل عدم الانجرار إلى سجال يفرضه جزء من طائفة على الآخرين». ويعتبر أحد نواب «المستقبل» أن باسيل عاد فاختصر الميثاقية بما طرحه الأحد الماضي عن أننا نريد أن نستفيد من التنقيب عن النفط وبتمرير المبلغ المختلف عليه في ملف الكهرباء... إلخ، متهماً إياه بتغطية طموحاته في المنافع بشعارات الأزمة «الوجودية» للمسيحيين. مادة التسوية وتضيف أوساط «المستقبل» أنه إذا كان مفتاح الحل ما ستحصده إيران في سورية، فإن ما سينجم عن الاتفاق الأميركي الروسي الأخير يلفه الغموض، فتارة هدنة وأخرى تصعيد عسكري وكر وفر، مع تشاؤم باقتراب الحل السياسي، لأن الدول المعنية بالحرب فيها تنتظر قيام الإدارة الأميركية الجديدة، ولذلك يمارس الحزب سياسة الغموض حيال الرئاسة اللبنانية، و «المستقبل» بدوره يواكب الغموض بسياسة الغموض في انتظار عوامل جديدة. لكن العماد عون لا يستطيع انتظار الرئاسة الأميركية، خشية قيام معادلة خارجية جديدة تستبعد ترشيحه، فيستعجل الضغط لئلا تتراجع حظوظه. ما مدى قدرة الحزب على ابتداع تسوية تخفف من حدة الصراع الطائفي وتعيد النشاط إلى الحكومة؟ يراهن خصوم عون، وحتى بعض المتفهمين تصعيده، على أن خياراته ليست مفتوحة، وإذا كان هدفه الضغط لاستعجال الرئاسة فإنه يعمق أكثر معارضة بري ومعه رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط وفرنجية لتوليه المنصب، فضلاً عن «المستقبل»، كما أن الافتراق عن الحزب بقلب الطاولة وتهديد بقاء الحكومة، والتعاطي مع بري فوق ما يحتمله حليفه، يحمل مخاطر دفع «حزب الله» نحو تأييد خيار فرنجية الذي سلّفه التغيّب عن جلسة الحكومة الأسبوع الماضي. لكن مصادر سياسية تسأل عما إذا كانت العناوين التي طرحها باسيل عن النفط والكهرباء ومديرية أمن الدولة... مادة لصفقة أو تسوية تعيد تفعيل الحكومة.
مشاركة :