احموا الناس من الطاعون - مقالات

  • 9/15/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

اشتهر الكاتب الروائي المبدع سعود السنعوسي من خلال روايته «ساق البامبو» التي تطورت إلى مسلسل درامي بعد نيلها «جائزة البوكر» للرواية العربية لعام 2013. هذه الرواية هي الثانية ضمن ثلاثة مؤلفات، كانت الأولى بعنوان «سجين المرايا»، التي فازت بجائزة الروائية ليلى العثمان لإبداع الشباب في القصة والرواية، اما العمل الروائي الثالث للسنعوسي هو «فئران أمي حصة» الذي نشر في العام 2015، ويتناول - بشفافية غير معهودة - قضية الفتنة الطائفية في الكويت وتحولاتها ابتداء من 1985 - حين كان عمر بطل الرواية «كتكوت» 7 سنوات - وانتهاءً بالمرحلة الاستشرافية التي امتدت لغاية سنة 2020. صور السنعوسي في روايته، بعض أحداث الحرب الأهلية - لا سمح الله - التي ستتمخض من الفتنة الطائفية وستدور رحاها في سنة 2020. وربط بين ما ستؤول إليه الأمور وبين أحداث استخرجها من تاريخنا القريب واستمدها من واقعنا الأليم. وشكل في مخيلته الروائية «جماعة أولاد فؤادة» التي تبنت فكرة الوطن رغم اختلاف الانتماءات العقدية لأعضائها. ولكنها فشلت في التصدي للفتنة لأنها كانت أصغر من أن توقف أعاصير الكراهية الطائفية، وأضعف من أن تتصدى لحمم الحقد العنصري. فكان القتل والدمار والتهجير. كأن الكاتب يقول أن جهودنا الحالية لترسيخ مفهوم المواطنة دون المطلوب. فالكاتب سعى من خلال روايته، إلى بناء سور ثقافي يتصدى لتوغل المزيد من آفات وشرر الفتنة الطائفية الاقليمية إلى المجتمع. وحرص على تحذير من يؤوي مبادئ التباغض الطائفي في عقله وقلبه، ومن يستورد بذور الأحقاد العنصرية إلى أرض الوطن، ومن ينقل عدوى الفئوية إلى نفوس من حوله، بأن تلك النار إن اشتعلت فستحرق الأخضر واليابس وليسوا بمأمن منها. فجاء بروايته لينتشلنا أو ليدعونا إلى الخروج من بيئتنا الموبوءة بفيروسات التطرف، والملوثة بسموم الكراهية، إلى فضاء حب الوطن. وخاطب المعنيين قائلا «احموا الناس من الطاعون» قبل فوات الأوان لأن «الفئران قادمة». هذه الرواية وجدتها مناسبة كمدخل لطرح وجهة نظري تجاه مقطع فيديو انتشر أخيراً، تعترض مواطنة من خلاله على تسمية شارع في منطقة الشعب. للأسف المقطع احتوى على إساءة وتجريح لعضو مجلس أمة أسبق - خلال أول ثلاثة فصول تشريعية - ولعائلتين كريمتين، وتضمن أيضا تهكماً على طائفة بأكملها وتشكيكاً في وطنية أبنائها، بل اتهاماً صريحاً لهم بأنهم يسعون للإضرار بالكويت واحتلالها. لست بصدد بيان مكانة المرحوم والعوائل، فتاريخهم أسطع من أن يشار إليه في مقال. ولن أسرد تضحيات تلك الطائفة دفاعاً عن وطننا وإن كان ذلك شرفاً يستحق التباهي به. وسأكتفي بتسليط الضوء على موقع خطورة هذا المقطع على الكويت، لما يمثله من تحول نوعي في مشاريع إذكاء الفتنة الطائفية في المجتمع. لقد اعتدنا في الكويت أن نسمع ونقرأ ونرى مهاترات طائفية وعنصرية خلال فترة الانتخابات أو أثناء أزمات سياسية كأزمة التأبين، ومن قبل نشطاء سياسيين وكوادر مرتبطة بمشاريع سياسية ومنها الانتخابية. أي أن الأزمات الفئوية غالبا دوافعها سياسية. إلا أن الثابت الاجتماعي السائد في الكويت أن «المواطن العادي» يتجنب المجاهرة، ابتداء بخطاب طائفي أو عنصري وإن كان متجذرا في نفسه. وهذا الواقع تعزز بعدما شاهدنا من ويلات نزلت من غيوم الطائفية والعنصرية على المجتمعات المجاورة. ولذلك سن المشرع الكويتي قانون حماية الوحدة الوطنية بعد أن تكررت محاولات نقل الأفكار الطائفية والعنصرية إلى طور فتنة تزعزع أمن الوطن وأمان المواطن. ولكن هذا الثابت الاجتماعي هتك في المقطع الطائفي العنصري، فالشواهد تشير إلى أن المتحدثة مواطنة ليست لها توجهات سياسية. ومن بين تلك الشواهد عدم استقرارها في سبب انزعاجها من التسمية الحالية للشارع. ففي بداية المقطع، تبدي انزعاجها من تغيير اسم الشارع الرقم 80 بعد ما اعتاد الناس على تسميته منذ عام 1980، ثم تحول الانزعاج إلى اعتراض على الانتماء الطائفي والعنصري لمن سميت الشوارع بأسمائهم، وتطور الاعتراض ليصبح تحذيراً من أن تسمية الشوارع مرتبطة بمؤامرة لاحتلال الكويت! أنا لا استبعد أن يكون تجاوز المواطنة للخط الأحمر - الذي رسمه الثابت الاجتماعي وقانون حماية الوحدة الوطنية - بسبب غضبها على من رفض مقترحها بتسمية شارع باسم شخصية عزيزة عليها. ولكنني في الوقت ذاته، أرجح سوء نوايا من أنتج المقطع، ولا أستبعد أن يكون انتاجه لأجل إشعال فتنة قاعدة انطلاقها المجتمع وهدفها سياسي بنطاق أوسع. فالمقطع - من غير شك - لم يعد من قبل مصور هاو بل هو نتاج عملية مونتاج تصعب على «المواطن العادي»! لست بصدد تقييم المقطع فنياً ولكنني حريص على تقويم أنفسنا - كشعب انتخب برلماناً ليراقب ويصحح أداء حكومة - تجاه الأفكار والأفعال والأقوال التي تهدد الوحدة الوطنية. ولأنني مطمئن بأن السنعوسي - الذي تصدى للطائفية كروائي - سيكافحها كناخب، أتساءل: هل سنقتدي به ونلتزم دورنا الوطني فنقاطع الطائفيين و«الساكتين عنهم» في الانتخابات المقبلة؟... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه» abdnakhi@yahoo.com

مشاركة :