د. هشام بشير* حذر جان إيف لودريان، وزير الدفاع الفرنسي في الخامس من سبتمبر/أيلول الجاري - على هامش مؤتمر خاص بشؤون الدفاع بالعاصمة الفرنسية باريس - من خطر انتقال عناصر من تنظيم داعش إلى تونس أو مصر، عندما يتم طردهم من المناطق التي يحتلونها في ليبيا، قائلاً يتعين علينا أن نضع في الحسبان بشكل جدي انتشار الإرهابيين بعد استعادة سرت وربما بنغازي من أيديهم مما سيسهم بشكل غير مباشر في مخاطر جديدة لتونس ومصر. رغم الاهتمام والزخم الدولي الكبير لتحذيرات وزير الدفاع الفرنسي من امتداد خطر داعش في ليبيا إلى الدول المجاورة، إلا أن الواقع يكشف عن أن تلك التحذيرات لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، حيث حذر بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة منذ قرابة الشهر - في تقرير سري إلى مجلس الأمن - من هروب مجموعة من عناصر من أعضاء تنظيم داعش من مدينة سرت إلى عدد من المناطق الأخرى في ليبيا وفي شمال إفريقيا، مؤكداً على أن استمرار الضغوط التي تمارس على عناصر التنظيم خاصة على المقاتلين الأجانب في ليبيا قد تجبر عناصر التنظيم الإرهابي على إعادة التجمع في خلية قليلة العدد مع نقل مواقعهم إلى مناطق أخرى في الدولة الليبية المترامية الأطراف، وأيضاً إلى عدد من دول الجوار الليبي، وذكر التقرير السري أن هناك 2000 إلى 5000 من مقاتلي التنظيم من ليبيا وتونس والجزائر ومصر، وكذلك من مالي والمغرب وموريتانيا، يحاربون في مدن سرت وطرابلس ودرنة، كما أشار نفس التقرير إلى أن عشرات المقاتلين التونسيين عادوا إلى بلادهم وبنيتهم تنفيذ اعتداءات إرهابية على عدد من المنشآت والأفراد في تونس، كما أكد التقرير السري إلى مجلس الأمن على إرسال أموال من أعضاء تنظيم داعش الإرهابي في ليبيا إلى تنظيم ما يعرف بولاية سيناء التي أعلنت مبايعتها تنظيم داعش الإرهابي من اجل الاستمرار في الأعمال الإرهابية في سيناء. وفي الإطار ذاته أشارت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية في منتصف أغسطس/آب 2016 - من خلال مصادر أمنية ليبية - إلى أن نجاح عملية البنيان المرصوص من جانب قوات المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبي بدعم جوي أمريكي أسفر عن فرار المئات من مقاتلي داعش من المدينة باتجاه الجنوب وتحديداً نحو الحدود مع الجزائر والنيجر، وهو ما قد ينذر بمخاطر جمة أبرزها إمكانية نجاح التنظيم الإرهابي في إقامة معقل جديد له في الصحراء الإفريقية التي تعد بيئة مثالية لتنامي الأنشطة الإرهابية. كما نشرت صحيفة كوريير ديلا سيرا الإيطالية مؤخراً تحقيقاً موسعاً أكدت فيه أن هناك ما يقدر بالمئات من عناصر تنظيم داعش من سرت قد فروا مؤخراً متخفين إلى إيطاليا في قوارب المهاجرين غير الشرعيين، بل إن هناك بعضاً من أصحاب هذه الأسماء يتواجدون على الأراضي الأوروبية وخاصة في عدد من المدن الإيطالية وأبرزها ميلانو. عموماً فإن تحذير وزير الدفاع الفرنسي والأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، والصحيفتين الأمريكية والإيطالية جاء كاشفاً وليس منشئاً لحقيقة خطر داعش على دول الجوار الليبي، خاصة مصر وتونس والجزائر وأيضا الجوار الأوروبي خاصة إيطاليا وفرنسا، في ظل النجاحات المتوالية في استهداف عناصر التنظيم الإرهابي سواء من خلال قوات البنيان المرصوص التابعة للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في سرت، أو قوات الجيش الليبي التابعة للفريق أول خليفة حفتر الذي يقود عملية الكرامة في عدد من المناطق شرق ليبيا خاصة في مدينة بنغازي. أما عن ردود الأفعال من جانب دول الجوار الجغرافي على تصريحات وزير الدفاع الفرنسي، فقد جاءت في مصر وتونس بشكل سريع وإن كانت متشابهة من خلال قيام الدولتين بزيادة عدد الدوريات العسكرية والأمنية على حدودهما مع ليبيا، كما تمت زيادة عدد الطلعات الجوية لمراقبة الحدود، وزادت التحصينات الأمنية والعسكرية، ووضعت قوات حرس الحدود للبلدين على أهبة الاستعداد، أما رد الفعل الجزائري حيال تصريحات الوزير الفرنسي، فقد جاء من خلال تنفيذ عدد من الإجراءات العسكرية، حيث سيرت القوات المسلحة الجزائرية طائرات مراقبة ومروحيات عسكرية في المناطق الحدودية، كما أكدت أجهزتها الأمنية على أنها رفعت أقصى درجات الحيطة والحذر مؤكدة أنها تتداول- منذ فترة ليست بالقصيرة - أسماء وصور 470 مقاتلاً من دول عربية يقاتلون في صفوف داعش وما زالوا في الأراضي الليبية. هذا مع العلم بأن هناك إجراءات سابقة اتخذتها دول الجوار الليبي قبل التصريحات الأخيرة لوزير الدفاع الفرنسي، حيث شرعت تونس - منذ فترة قصيرة بدعم أمريكي - في بناء جدار عازل على الحدود مع ليبيا، كما تقوم الجزائر - على حسب ما ورد في الصحف الجزائرية- ببناء سياج على الحدود مع ليبيا منذ فترة أيضا، وكذلك مصر التي لم تألُ جهداً في تأمين حدودها الطويلة مع الجارة الليبية من خلال تكثيف دوريات المراقبة من جانب الجيش والشرطة. أما عن دول الجوار الأوروبي فمن الملاحظ استمرار تزايد التخوفات من تمدد ووصول عناصر تنظيم داعش الإرهابي إلى أراضيها، ولذا لم يكن غريباً أن يصرح توماس دي ميزير، وزير الداخلية الألماني، يوم السبت 10 سبتمبر/أيلول - في مقابلة مع صحيفة بيلد الألمانية - بأن هناك 520 مهاجماً محتملاً على الأقل حالياً في البلاد يعتنق فكر تنظيم داعش، مؤكداً أن التهديد الإرهابي الأكبر لألمانيا ينبع الآن من مجموعات أجنبية، إضافة إلى مهاجمين منفردين متعصبين أو ما يعرف بظاهرة الذئاب المنفردة. وأخيراً فيمكن القول بأن المعضلة الأكبر في مواجهة خطر داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية في ليبيا استمرار حالة الانقسام حول مستقبل الدولة، سواء بين القوى الدولية والإقليمية - الباحثة عن مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية - أو بين القوى السياسية والعسكرية في الداخل الليبي - الطامعة في تحقيق مآربها القبلية - خاصة بين المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني المدعوم أممياً في غرب ليبيا ومجلس النواب الداعم للفريق خليفة حفتر في شرق ليبيا، فضلاً عن تنامي النعرات القبلية وتباين مصالح وولاء فرقاء الداخل بما قد يعوق جهود القضاء على تنظيم داعش، ويسمح باستمرار تدفق الآلاف منهم إلى دول الجوار الجغرافي، خاصة مصر وتونس والجزائر، بل وأيضاً إلى دول الجوار الأوروبي خاصة الواقعة جنوب أوروبا في ظل التقديرات الأمريكية والغربية بتواجد ما بين خمسة آلاف إلى سبعة آلاف من أعضاء تنظيم داعش الإرهابي، فضلاً عن الآلاف من أعضاء التنظيمات الإرهابية الأخرى. *مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والاقتصادية بجامعة بني سويف
مشاركة :