بددت أسعار النفط مكاسبها أمس بعد انخفاضها بنحو 3 في المائة في الجلسة السابقة وسط مخاوف من أن عودة التوازن إلى سوق الخام قد تستغرق وقتا أطول مما كان متوقعا من قبل. وفاجأت وكالة الطاقة الدولية الأسواق في تقريرها الجديد بالحديث عن تفوق السعودية على الولايات المتحدة في سوق النفط الخام، حيث أكدت أن ثورة النفط الصخري الزيتي التي قادتها الولايات المتحدة تراجعت كثيرا في مقابل عودة تفوق النفط التقليدي وزيادة إنتاجه بقيادة السعودية. وأفادت وكالة الطاقة الدولية، في أحدث تقرير صادر عنها، بأن الولايات المتحدة تخسر مكانتها في سوق النفط، وأكدت الوكالة أن الولايات المتحدة التي كانت قد أحدثت سابقا ثورة في أسواق النفط من خلال إنتاجها النفط الصخري، قد خسرت مكانتها أمام السعودية، بعد أن كان من الممكن أن تصبح رائدة في إنتاج النفط الخام في العالم. وزادت السعودية من إنتاجها بنحو 400 ألف برميل يوميا في الشهر الماضي "بلغ إنتاج النفط في السعودية 10.6 مليون برميل يوميا"، بينما انخفض في الولايات المتحدة إلى 460 ألف برميل يوميا. وتجاهلت السوق الخطط الأوروبية لخفض استهلاك الطاقة بنحو 30 في المائة بحلول عام 2030 في إطار القناعة بأن مركز الطلب في السنوات المقبلة سيكون في الدول ذات الكثافة والنمو السكاني المرتفع خاصة في وسط آسيا، إلا أن جميع دول العالم على قناعة بضرورة التركيز على برامج كفاءة الطاقة والعمل حثيثا على الحد من الانبعاثات الضارة. وفي سياق متصل، أكد محمد باركيندو الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، أن المنظمة كانت وستظل دائما قادرة على مواجهة التحديات المختلفة التي تواجهها، وستعمل جديا من أجل تحقيق الاستقرار في السوق وتحسين مستوى الشفافية من خلال العمل المشترك والتنسيق المستمر مع كافة أطراف الصناعة. وقال باركيندو – عقب لقاءات مع مسؤولين نفطيين - "إن الاستقرار في سوق النفط ليس فقط مهمة ومسؤولية الدول الأعضاء في "أوبك"، لكن الأمر أيضا شديد الأهمية بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي بشكل عام". وأضاف باركيندو أن "الانخفاض الحاد في الاستثمارات وإلغاء وتأخير بعض المشاريع يعد من النتائج المؤسفة لدورة السوق المتقلبة الحالية، ولكن من المهم العمل على مواصلة الاستثمار لتأمين الإمدادات والحفاظ على مستويات ملائمة في الإنتاج مع تجنب تراجعه في المستقبل". وأشار باركيندو إلى أن النفط سيظل المصدر الرئيسي والمفضل للطاقة والوقود لفترة قادمة طويلة جدا – بحسب تقديره – لافتا إلى أن برامج التعاون مع كل الدول الأعضاء ستستمر على قدم وساق خاصة دول الخليج، منوها بأن الطبعة العاشرة لتوقعات "أوبك" بشأن سوق النفط ستطلق لأول مرة هذا العام خارج مقر المنظمة في فيينا حيث سيتم إطلاقها في الإمارات قريبا. من جانبه، أوضح لـ "الاقتصادية"، ماركوس كروج كبير محللي شركة "إيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، أن مستوى المخزونات سيظل العنصر الأقوى تأثيرا على مستوى الأسعار، لافتا إلى أن فائض المخزونات ما زال يمثل عبئا على السوق وأن تراجعها ولو مؤقتا يدفع نحو تعافي الأسعار على نحو جيد. وأشار كروج إلى عدم وجود رؤية دقيقة لتطور مستوى الأسعار في المستقبل نتيجة تداخل تأثير عديد من العوامل المتغيرة والقوية في السوق، منوها بأن روسيا ستعد ميزانيتها الجديدة وفق توقعات سعر البرميل حول 30 دولارا ما يؤكد قناعتها بأن تخمة المعروض سيستمر تأثيرها للعام المقبل كما أن "أوبك" توقعت نمو الإنتاج من خارجها خلال العام المقبل. وقال كروج "إن الخطط الأوروبية لتقليل استهلاك الطاقة بنحو 30 في المائة يعكس توجها عالميا نحو تقليل الاستهلاك ورفع مستوى كفاءة الطاقة، كما أننا نجد في الصين وهي أكبر مستهلك للطاقة في العالم توسعا في الصناعات قليلة الاستهلاك للطاقة"، مشيرا إلى أن تعافي الطلب سيحتاج إلى بعض الوقت إلى حين تسارع التنمية في الدول النامية التي تتسم بالنمو السكاني المرتفع وزيادة جهود الحداثة والتحضر. من جانبه، يقول مايكل تورنتون المحلل في مبادرة الطاقة الأوروبية، "إن بيانات أمريكية أكدت تراجع إنتاج النفط الصخري الامريكي في شهر تشرين الأول (أكتوبر) المقبل إلى أدنى مستوى له منذ آذار (مارس) 2014"، مشيرا إلى أن هذا يتوافق مع ما ذكرته وكالة الطاقة الدولية عن تفوق سعودي واسع على الولايات المتحدة في سوق النفط الخام. ونوه تورنتون بأن ما أطلق عليه ثورة النفط الصخري الزيتي قبل عامين في الولايات المتحدة لم يكتب لها النجاح في تغيير معالم سوق الطاقة في العالم حيث نلاحظ تراجع الإنتاج الأمريكي واستمرار تعطل الاستثمارات على الرغم من بعض المحاولات الحالية للتغلب على الأزمة بالتأقلم مع الأسعار المنخفضة وزيادة الحفارات النفطية، لكن الجميع أدرك أن الطوفان القادم من إنتاج النفط التقليدي يحقق مكاسب سوقية متزايدة ويؤكد رسوخ دوره في قيادة سوق الطاقة في العالم. ويقول لـ "الاقتصادية"، أوسكار آنديسنر مدير إدارة الشرق الأوسط في الغرفة الفيدرالية النمساوية، "إن التغلب على التوترات السياسية في المنطقة كفيل بدفع الشرق الأوسط إلى صدارة المشهد في سوق الطاقة العالمية، نظرا لما تتمتع به المنطقة من طاقات إنتاجية وتصديرية عالية إلى جانب الاحتياطات الضخمة القابلة للاستغلال". وشدد آنديسنر على أهمية استعادة الاستقرار في ليبيا ونيجيريا وحماية المنشآت النفطية وتأمين الصادرات النفطية، مشيرا إلى أن حديث وكالة الطاقة الدولية عن تفوق سعودي في السوق النفطية على حساب الولايات المتحدة وانحسار تدفقات النفط الصخري كان أمرا متوقعا لأن إنتاج النفط في دول "أوبك" ما زال يتمتع بقدرات تنافسية عالية نتيجة سهولة ورخص تكلفة استخراجه. من ناحية أخرى وفيما يخص الأسعار، فقد بددت أسعار النفط مكاسبها أمس بعد انخفاضها بنحو 3 في المائة في الجلسة السابقة وسط مخاوف من أن عودة التوازن إلى سوق الخام قد تستغرق وقتا أطول مما كان متوقعا من قبل. وتلقت الأسعار دعما في وقت سابق من الجلسة من البيانات التي أصدرها معهد البترول الأمريكي التي أظهرت زيادة في المخزونات بلغت 1.4 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في التاسع من أيلول (سبتمبر) مقارنة بارتفاع قدره 3.8 مليون برميل في توقعات المحللين. وأوضحت بيانات المعهد الأمريكي أيضاً أن مخزونات البنزين هبطت بمقدار 2.4 مليون برميل الأسبوع الماضي، بينما أظهرت البيانات ارتفاع مخزونات نواتج التقطير – التي تشمل وقود التدفئة والديزل – بنحو 5.3 مليون برميل. وكانت البيانات الرسمية قد أظهرت انخفاض مخزونات الخام في أمريكا في الأسبوع الأسبق بمقدار 14.5 مليون برميل، وهو التراجع الأسبوعي الأكبر منذ عام 1999. وبحسب "رويترز"، فقد جرى تداول العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت بسعر 47.07 دولار للبرميل بانخفاض قدره ثلاثة سنتات عن سعر آخر تسوية، وانخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط بمقدار سنتين إلى 44.88 دولار للبرميل. وقال "كوميرتس بنك" في مذكرة "إن تأخر عودة التوزان يرجع إلى أسباب أبرزها زيادة إنتاج الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، وإن السوق ستستعيد توازنها بالفعل إذا أبقت المنظمة إنتاجها عند مستويات أيار (مايو)". ومن المقرر أن يعقد أعضاء "أوبك" اجتماعا غير رسمي في الجزائر هذا الشهر على هامش منتدى الطاقة الدولي، ومن المتوقع أيضا أن تحضر روسيا المنتدى. وقالت وكالة الطاقة الدولية "إنها تتوقع أن يتجاوز الطلب على النفط المعروض في الربع الثالث من 2016 وهو ما يعني أن مستويات المخزون العالمي القياسية قد تبدأ في الانخفاض". لكن محللين من "مورجان ستانلي" أشاروا في مذكرة نشرت أمس إلى أن هناك احتمالات بأن تتأخر استعادة السوق توازنها عن ذلك التوقيت، مضيفين أنهم "يرون مرة أخرى احتمالا متزايدا لحدوث تطورات غير متوقعة ذات تأثير سلبي وهو ما قد يؤخر إعادة التوازن ليتجاوز الطلب المعدل موسميا المعروض إلى أواخر 2017 أو حتى 2018". وذكر "بنك أوف أمريكا ميريل لينش" أنه يتوقع ارتفاع أسعار النفط بنهاية العام مع وصول سعر خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي إلى 54 دولارا للبرميل، مشيرا إلى أن أي تراجع في الأسعار سيكون فرصة للشراء. وإذا اتفق أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" والمنتجون من خارج المنظمة على تنفيذ إجراءات للحد من المعروض عندما يجتمعون في الجزائر فإن هذا سيساعد على إعادة توازن الأسواق. وتشير سوق الخيارات النفطية إلى أن المتعاملين لا يراهنون كثيرا على أن "أوبك" ومنافستها روسيا ستتوصلان إلى اتفاق فعال هذا الشهر، واستبعد "بنك أوف أمريكا ميريل لينش" أن تتخذ "أوبك" خلال اجتماعها في الجزائر أي قرارات. وأظهرت بيانات جديدة أن النمو الحاد في إنتاج إيران من النفط توقف في الأشهر الثلاثة الأخيرة بما يشير إلى أن طهران قد تواجه صعوبة في تحقيق خطتها الرامية إلى رفع الإنتاج إلى مستويات جديدة.
مشاركة :