دعا جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية أمس في خطابه السنوي حول حالة الاتحاد الأوروبي إلى الوحدة مؤكدا أمام النواب أن التكتل سيتجاوز صدمة قرار بريطانيا الخروج من صفوفه. وبحسب "الفرنسية"، فقد قال يونكر أمام البرلمان الأوروبي الملتئم في جلسة عامة في ستراسبورج: "نحترم قرار بريطانيا مع إبداء الأسف في الوقت نفسه، لكن الاتحاد الأوروبي ليس مهددا بوجوده من جراء هذا القرار". وكشف يونكر عن سلسلة إجراءات اقتصادية مرتبطة بأمن أوروبا يريدها أن تكون "ملموسة" وتهدف إلى توحيد القارة المنقسمة على نفسها، وذلك قبل يومين من قمة لرؤساء دول وحكومات أعضاء الاتحاد الأوروبي الـ27، دون بريطانيا في براتيسلافا. واعتبر يونكر أن هناك انقسامات وخلافات تظهر في بعض الأحيان ما يعطي مجالا لصعود الشعبوية، لكن الشعبوية لا تحل المشكلات بل على العكس تأتي بمشكلات. من جانب آخر، طالب يونكر بريطانيا بتسريع آلية الخروج من الاتحاد الأوروبي "لوقف الشائعات والشكوك"، داعيا إلى "علاقة ودية" في المستقبل مع لندن مؤكدا أنه لا يمكن أن تترك السوق الداخلية وحرية التنقل خاضعتين للانتقائية، بمعنى أن بريطانيا لا يمكنها أن تنتقي مكاسب معينة من الاتحاد تقتصر على الأعضاء. وقال رئيس المفوضية الأوروبية إن بريطانيا لن تحصل على الدخول غير المحدود إلى سوق الاتحاد الأوروبي المربحة إذا لم تسمح لباقي الأوروبيين بدخول أراضيها بشكل حر. وتحرص بريطانيا على استمرار دخولها إلى سوق الاتحاد الأوروبي الذي يضم 440 مليون نسمة بعد خروجها من التكتل طبقا للقرار الصادم الذي اتخذه ناخبوها في استفتاء بهذا الشأن في حزيران (يونيو). وأطلق المؤيدون لخروج بريطانيا حملة ضد دخول عمالة من دول الاتحاد الأوروبي إلى سوق العمل البريطانية، ولكن يونكر قال :"فقط أولئك الذين يشعرون أنهم ملتزمون بمنح حرية التنقل للأشخاص والعمال يمكنهم التمتع بالدخول دون قيود للسوق الداخلية في الاتحاد الأوروبي، ولن تكون هناك سوق داخلية حسب الطلب. وحاول نايجل فاراج البريطاني المؤيد بشدة لخروج بلاده وعضو البرلمان الأوروبي أن يقنع الحضور بأن مثل هذا الموقف سيضر بالدول الأوروبية المصدرة أكثر من الإضرار ببريطانيا. وأشار فاراج إلى أن ذلك سيقودنا لا محالة إلى عدم التوصل لاتفاق، لافتا إلى أن الأمر بالنسبة لمئات الآلاف من العاملين بمجال صناعة السيارات الألمانية والفرنسية، ربما يمثل أنباء سيئة للغاية لأن بريطانيا أكبر سوق لهم. ويهدف خطاب حالة الاتحاد للمساعدة في تحديد توجه الاتحاد الأوروبي خلال عام مقبل، وكان دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي نبه إلى أن تجاهل العبرة من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون "خطأ قاتلا" بالنسبة للاتحاد، في وقت يستعد فيه القادة الأوروبيون باستثناء رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي في براتيسلافا بسلوفاكيا لتخطيط مسار التكتل بعد خروج بريطانيا. وقال يونكر إن على أوروبا أن تثبت نفسها بشكل أكبر، وهذا الأمر ينطبق بشكل خاص على سياستنا الدفاعية، مضيفا أن الاتحاد الأوروبي يجب أن ينشئ مقر قيادة لتنسيق الجهود من أجل تشكيل قوة عسكرية مشتركة، فليست لدينا هيكلية دائمة، وبدون هذا الأمر، نحن غير قادرين على العمل بفاعلية، ويجب أن ننشئ مقر قيادة أوروبيا. وأشار يونكر إلى أنه يجب أن نعمل على إقامة قوة عسكرية مشتركة، لأنه لم يعد بإمكاننا الاعتماد على قوة كل من الدول الأعضاء، ومعا يجب أن نتأكد أننا نحمي مصالحنا. وتنتمي 22 دولة من أعضاء الاتحاد الأوروبي الـ28، أيضا إلى حلف شمال الأطلسي الذي يتخذ من بروكسل مقرا، وشدد يونكر على أن طموحات الاتحاد الأوروبي العسكرية لن تؤثر في هذه العلاقة المهمة، وهذا الأمر يجب أن يكمل عمل الحلف الأطلسي، لأن تعزيز الدفاع الأوروبي لا يعني التقليل من التضامن بين ضفتي الأطلسي. في الشق الاقتصادي، اقترح يونكر مضاعفة مدة خطة الاستثمار الأوروبية وقدرتها لتصل إلى 630 مليار يورو اعتبارا من عام 2022، وكانت خطة يونكر حددت 315 مليار يورو على ثلاث سنوات عند إطلاقها في عام 2015. ودعا يونكر إلى أن تعطي أوروبا أهمية أكبر للشق الاجتماعي، ووعد بمواصلة مكافحة البطالة، وأعلن يونكر إصلاحا في قطاع الاتصالات ستقدم المفوضية الأوروبية تفاصيله في وقت لاحق، وتطرق إلى مشروع جديد موجه نحو الدول النامية خصوصا الإفريقية بهدف العمل على استئصال جذور الهجرة. من جانب آخر، ينتظر النواب ما ستتخذه المفوضية في قضية تثير اهتماما كبيرا وهي التهرب الضريبي إثر قرارها المدوي الذي أرغم العملاق الأمريكي "أبل" على تسديد 13 مليار يورو لإيرلندا كانت تعتبر ضمن "امتيازات ضريبية" منحت للشركة. وعلق فيليب لامبرت أحد رؤساء كتلة الخضر في البرلمان على خطاب يونكر قائلا: "رأينا المفوضية الأوروبية في أبهى حلتها"، فيما قال جياني بيتيلا البرلماني الاشتراكي إنها أوروبا التي يريدها المواطنون التي يمكن أن تعيد لهم ثقتهم في أنفسهم. وإزاء رسائل الوحدة التي تريد المفوضية إطلاقها، لا تزال الانقسامات الأوروبية قائمة وتجلت أول أمس عبر دعوة جان أسيلبورن وزير خارجية لوكسمبورج إلى طرد المجر من الاتحاد الأوروبي بسبب انتهاكها قيما أساسية في الاتحاد، على حد قوله.
مشاركة :