قبل بضعة أعوام، أجريت محاولة فاشلة لإقناع دبلوماسي صيني بأنه ينبغي السماح لتايوان بإعلان الاستقلال – إذا كان هذا ما يريده شعبها. جادلت على النحو التالي: "إذا صوّتت اسكتلندا بالتصويت لتكون أمة منفصلة، فلن تحول إنجلترا دون ذلك". حينها ابتسم الدبلوماسي بشكل متشكك، كرجل يدرك كذبة صريحة بشكل خاص، وقال "أنا أعرف أنا هذا ليس صحيحاً، فإنجلترا لن تقبل أبداً باستقلال اسكتلندا، إنها ستشن عليها عملية اجتياح". تذكرت تلك المحادثة في أدنبرة الأسبوع الماضي، عندما شاهدت التحضيرات في اسكتلندا لاستفتاء الاستقلال المقرر عقده في أيلول (سبتمبر) المقبل. كان جورج أوزبورن، وزير المالية البريطاني، قد سافر إلى العاصمة الأسكتلندية لتقديم خطاب يحذّر فيه، من أنه لن يُسمح لأسكتلندا المستقلة بالاحتفاظ بالجنيه الاسترليني، كعملة لها. بعد بضعة أيام، قال خوسيه مانويل باروسو، رئيس المفوضية الأوروبية، "إن انضمام اسكتلندا إلى الاتحاد الأوروبي سيكون صعباً للغاية، إلّم يكُن مستحيلاً". تعتبر هذه حركات ومكايد سياسة قاسية، حتى إنها وحشية - حيث أثارت شكاوى بلطجة، من قِبل أصحاب الحملات المؤيدة للاستقلال. حين نرجع عدة خطوات إلى الوراء – ونضع استفتاء اسكتلندا في سياق تاريخي ودولي – نجد أن الجدير بالملاحظة هو مدى الإجماع والسلمية في الموضوع. الصينيون ليسوا الوحيدين الذين يعتبرون أمر استعداد الحكومة البريطانية للسماح بانفصال البلاد بدون قتال، استثنائياً. أخبرتني أليف شفق، وهي روائية تركية تعيش في لندن، أنها فوجئت بسرور من خطاب ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، الذي ناشد فيه الأسكتلنديين للتصويت ضد الاستقلال. وعلى حد تعبيرها "بما أنني أتيت من تركيا، حيث قُتل أكثر من 35 ألف شخص في الصراع التركي-الكردي، ومع ذلك لا تزال الدولة التركية ترفض الاعتراف بحق الأكراد في التعليم بلغتهم الأم، فقد فوجئتُ بشكل إيجابي لسماع كاميرون يتحدث بشكل سلمي جداً، حول إمكانية استقلال اسكتلندا". رد الفعل الدولي لنقاش اسكتلندا يجعلني أعتقد أن رئيس الوزراء قد أخطأ في شيء ما في خطابه في 7 شباط (فبراير)، إذ جادل بأننا "إذا فقدنا اسكتلندا، فسنعرّض سمعتنا للخطر". على العكس من ذلك، أنا أعتقد أن استعداد الحكومة البريطانية للسماح بحلّ الاتحاد الموجود منذ قرون سلمياً، يعتبر تعزيزاً لسمعة البلاد. اعتماداً على خطاب كاميرون التسويقي، فإن شعار بريطانيا مبني على التسامح، وسيادة القانون والديموقراطية. وليس هناك إثبات لتلك القيم، أفضل من الاستفتاء الأسكتلندي. هناك أمثلة قليلة بشكل استثنائي على انفصال أمم بطريقة متحضرة، أكثرها شهرة هو الانفصال السلمي (أو ما يسمى الطلاق المخملي) بين التشيك وسلوفاكيا 1993. وقد يكون أفضل تشبيه لوضع اسكتلندا هو استفتاء النرويج لإعلان استقلالها عن السويد عام 1905، فبعد التفكير في حرب لفترة وجيزة، محَّص السويديون الأمر ملياً، واختاروا التفاوض على انفصال. بالنظر إلى تاريخ الاتحاد السوفيتي الوحشي، نجد أن عملية الانفصال عام 1991 كانت سلمية بشكل مفاجئ – لكن منذ ذلك الوقت خاض الروس حرباً عنيفة لمنع انفصال الشيشان. حتى في أوروبا الديموقراطية، فإن إسبانيا ترفض التفكير في فكرة استفتاء لتحديد استقلال كاتالونيا. وبطبيعة الحال، خاضت الولايات المتحدة حرباً أهلية لإنقاذ اتحادها. وإذا قررت ولاية تكساس في العصر الحديث الانفصال عن الولايات المتحدة – حيث لمّح المحافظ ريك بيري في إحدى المرات بأنها قد تفعل – حينها أفترض أن واشنطن ستقاتل مرة أخرى، للحفاظ على تماسك البلاد. إذن لماذا تتصرف الحكومة البريطانية بشكل مختلف؟ لماذا قررت تقليد كندا، التي سمحت لكيبيك بإجراء استفتاء الاستقلال، بدلاً من تقليد الصين أو الولايات المتحدة اللتين تتخذان موقفاً أكثر تشدداً مع تايوان وتكساس؟ ربما لأن الحكومة في البريطانية تدرك أن المملكة المتحدة عبارة عن اتحاد بلدان منفصلة، بهويّات مميزة تاريخياً: أخلاقياً وعملياً لا يمكن إبقاؤها معاً إلا على أساس القبول. بيد أن بريطانيا خاضت بالفعل معركة لمنع استقلال إيرلندا، قبل قرن تقريباً، ومن الواضح أن ذلك كان خطأ. إن إنهاء الاضطرابات المستمرة منذ فترة طويلة في إيرلندا الشمالية، كان يشمل أيضاً التوضيح بأن مصير المقاطعة متروك، أساساً، للأشخاص الذين يعيشون فيها. في حين إن استقلال اسكتلندا قد يتم بسلام، إلا أنه لا يوجد ما يضمن أن الانفصال سيكون ودياً. إن ردة فعل خطاب أوزبورن الذي يُبطل فيه الاتحاد النقدي، أعطى إحساساً عن مدى السوء الذي قد تصبح عليه الأمور. ورداً على ذلك، قال القوميون "إنه إذا تم رفض منح اسكتلندا المستقلة حق استخدام الجنيه، فإنها سترفض الالتزام بحصة من ديون المملكة المتحدة". كلا الجانبين يصرّ على أن الآخر يخادع، لكن ماذا لو لم يكونا كذلك؟ إذا فاجأ الأسكتلنديون استطلاعات الرأي وصوتوا لمصلحة الاستقلال، فإن المفاوضات اللاحقة قد تصبح فوضوية وقاسية جداً بشكل سريع. وإذا رفضت اسكتلندا حقاً الالتزام بحصة من ديون المملكة المتحدة، فمن المحتمل التصوّر أن البرلمان في ويستمنستر، قد يرفض شروط الانفصال، عن طريق رفض إلغاء قانون الاتحاد بين اسكتلندا وإنجلترا عام 1707. ربما لن تكون هناك حرب، لكنها ستكون أزمة دستورية هائلة. في ظل هذه الظروف، فإن البريطانيين قد يناضلون ليرقوا إلى مستوى صورتهم الذاتية من الهدوء، والشرعية، واللامبالاة والإنصاف. ومع ذلك، ما زلت أعتقد أن القناعة التي أعطيتها لصديقي الدبلوماسي الصيني صحيحة. في نهاية المطاف، ستعثر كل من اسكتلندا وإنجلترا على طريقة لإنجاح الانفصال سلمياً، إن حدث، فهذا فسيكون أفضل لـ "أطفال" المملكة المتحدة، لكنه أيضاً سيقدم درساً عالمياً في الطريقة المتحضرة للتعامل مع الانفصال.
مشاركة :