مقهى بشارع الحمرا في بيروت (غيتي) بيروت: هلا أحمد يدفعنا ما يسمى «حزب الله» بعد خمس سنوات من مشاركته في الحرب في سوريا إلى التساؤل، هل أنهكت قوى الحزب أم أنه ما زال قادرًا على إعادة ترتيب أوراقه الداخلية خاصة. ويفرض سؤالا أهم: ماذا أنجز ما يسمى «حزب الله» داخل لبنان خلال فترة مشاركته في القتال إلى جانب بشار الأسد؟ لم ولن يهدأ توسع ما يسمى «حزب الله» في لبنان عبر الاستثمارات والمشاريع العمرانية. وهو مخطط أطلقه بعد أحداث «7 أيار» 2008 عندما توغل عسكريًا في العاصمة بيروت بالتعاون مع أحزاب لبنانية على رأسها الحزب السوري القومي الاجتماعي. بعد أحداث «7 أيار» تأكد ما يسمى «حزب الله» من إمكانية اندلاع حرب مذهبية بين الطائفة السنية والشيعية في أي لحظة، وبطبيعة الحال فإن المناطق التي تشكل خطورة محورية على وجوده وكيانه ليست مناطق البقاع الغربي والجنوب إنما تلك التي تتداخل فيها الطائفتان السنية والشيعية بشكل كبير. وقدمت «7 أيار» نموذجا مصغرا للحرب الأهلية وكانت امتحانا واضحا له، فصبت قيادة الحزب جميع جهودها بعد انتهاء «7 أيار» للبحث في الثغرات والصعوبات التي واجهتها خلال عملية حسم معارك بيروت والجبل وسمحت الإمكانيات المالية المقدمة لها من الجمهورية الإيرانية بتنفيذ مشاريع استثمارية قابلة للتحول إلى مراكز أمنية وعسكرية. عام 2008 شهد شارع بعلبك في الحمرا مواجهة عسكرية بين الحزب القومي السوري ومسلحين منضوين في تيار المستقبل، وإذا عدنا إلى نتائج معركة 2008 في بيروت، فإن ما يسمى «حزب الله» وثق بشكل كبير في قيادة حزب السوري التي خاضت أغلب معارك شارع الحمرا. من هنا، فإن الثقة القوية بين الحزبين تأسست أولاً بعد مساندة القوميين للحزب الشيعي في «حرب تموز» وثانيًا بعد مبادرة مجموعة «نسور الزوبعة» الجناح العسكري للحزب القومي بزج عدد كبير من مقاتليه للقتال إلى جانب ما يسمى «حزب الله» في سوريا. ويتلقى الحزب القومي دعمه العسكري من إيران ومن الجيش العربي السوري، وفي سياق تبادل المصالح سمح القوميين للحزب بالاستثمار في شارع الحمرا، خصوصًا في الأحياء التي يسيطر عليها كـ«شارع مقدسي» عبر استثمار حانات ومقاه تستقبل فئات مختلفة من الزائرين. وعند النظر إلى موقع شارع مقدسي الموصول بمنطقة «عين المريسة» فإن الحزب يكون عبر هذه الاستثمارات التي ستحول في لحظات الخطر الحقيقية إلى نقاط عسكرية قد قطع الطريق على أي محاولة لضربه مرة أخرى انطلاقًا من أحياء بيروت المجاورة. كذلك، يوجد رأسماليون تابعون للحزب أنجزوا مشاريع في مجال البناء كمشروع «مديار السكني»، ويأتي المشروع على شكل مدينة سكنية تقع على رأس جبل في منطقة الدرهمية المجاورة لمنطقة الدامور ويطل «مديار» على مشارف الشوف وعدد من القرى السنية. ولم تتضح حتى الآن أسباب إنشاء مشروع ضخم في هذا الحجم في منطقة تتمتع بسمة استراتيجية، ولكن ما هو مؤكد منه أن «مديار» يمتلكه رجل من آل تاج الدين المقرب جدًا للحزب. عبر هذه المشاريع الاستثمارية، يخلق ما يسمى «حزب الله» خريطة استراتيجية تجعل الخط الساحلي الممتد من بيروت إلى المناطق الواقعة قبل مدينة صيدا في عداد «الساقطة عسكريًا» في حال أراد أي طرف لبناني أو مجموعة مسلحة تفجير نزاع مسلح معه انطلاقًا من هذه المناطق. شارع الحمرا بعد «حرب تموز» تهافت عدد كبير من غير الشيعة للانضواء في «حزب الله» من أجل محاربة إسرائيل، غير أن تركيبة الحزب الصارمة تمنع غير الشيعة من الانتساب للحزب، فأسس عماد مغنية القائد العسكري في الحزب والذي اغتالته إسرائيل عام 2008 في دمشق، كيانا عسكريا حمل اسم «سراي المقاومة اللبنانية»، وتفرغ عدد من المسيحيين والدروز والسنة في السراي. واستثمر «حزب الله» شبان الكيان العسكري الجديد في عمليات استطلاعية يقومون بها داخل الحانات والمقاهي المختلطة، ذلك أن شبان السرايا لا يخضعون لتدريبات دينية وليس من شروط انتسابهم أن يتلقوا دروسا دينية كما شبان «حزب الله»، وبالتالي لا يوجد محرمات دينية عليهم عند دخول الحانات والملاهي الليلية والمقاهي المختلطة. ولأن شارع الحمرا يكتظ بالسوريين اللاجئين الذين ينتمي بعضهم إلى الثورة السورية التي يتهمها «حزب الله» بالتكفير، جند الحزب أولئك الشبان غير الملتزمين في مهام مراقبة استخباراتية. والجدير ذكره أن عددا من الإشكالات حصلت بين شبان سراي المقاومة في مناطق إقليم الخروب والسعديات وبربور والطريق الجديدة في بيروت. توتر الأجواء المذهبية ورغم تهديد إسرائيل المستمر بتوجيه ضربة عسكرية تطال جميع مراكزه ومعاقله المنتشرة على الأراضي اللبنانية فإن شيئا من هذا لم يحدث بعد اتفاق الـ1701 عدا عدد قليل من الغارات نفذها الطيران الإسرائيلي على معاقله المستحدثة القنيطرة والجولان. بعد توتر الأجواء المذهبية بين السنية الشيعية على خلفية انغماس الحزب في الحرب السورية ومساندة الحزب لنظام أوغل يديه في دم الطائفة السنية من جهة، وغير عابئ بأثمان قيامه على مرأى السنة في العالم بحملات التهجير الجماعية للعائلات السنية في محافظة حمص والزبداني ومؤخرًا مدينة داريا من جهة أخرى، فإن ارتداد الحرب الطائفية المشتعلة في سوريا قد تجد متنفسًا لها في المجتمع اللبناني المنقسم أساسًا وهو ما يعتبره حاليًا ما يسمى «حزب الله» تهديدًا رئيسيًا له. في تجربة سابقة، حاول الشيخ أحمد الأسير التصدي وقطع الطريق بوجه توسع ما يسمى «حزب الله» داخل وفي محيط مدينة صيدا. فقام الأسير بتسليح شبان من مدينة عبرة، وكذلك فضح الأسير أسماء عدة مراكز أمنية تحمل أسماء وهمية وتتخفى أحيانًا بمشاريع استثمارية. وبتاريخ 2013 حصلت «معارك عبرة» بين الجيش اللبناني ومجموعة الأسير، وفي أقل من 24 ساعة سقط حلم الأسير الهادف إلى تحرير المنطقة من الحزب، وتقدم الجيش اللبناني مشهد الانتصارات على الأسير، بعد أن كان الأخير قد جاهر أكثر من مرة بعدائه للمؤسسة العسكرية الأولى في لبنان، وألمحت بعض التقارير الأمنية إلى وجود «غطاء ناري» أمنه ما يسمى «حزب الله» خلال عملية الهجوم على الأسير انطلاقًا من العقارات التي امتلكها، ورأى الحزب في انتصار الجيش على مجموعة الأسير انتصارا له بوجه المجموعات الإسلامية المعارضة له. واليوم، وفي انتظار تداعيات حرب سوريا على لبنان، يستمر ما يسمى «حزب الله» في إغلاق نقاط حساسة في بيروت وأطراف الجنوب عبر مشاريع متعددة الأوجه، وبكل الأحوال حتى لو لم يحصل نزاع داخلي في لبنان، فإن ما يتوجب فهمه هو أن وضع ما يسمى «حزب الله» في لبنان أفضل بكثير من وضعه في سوريا. مشروع سكني لحزب الله وسط بيروت
مشاركة :