بالنسبة إلى مسؤولي وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الذين عاشوا الحرب الباردة في بداية مشوارهم العملي، فإن احتمال التعاون الميداني بين الولايات المتحدة وروسيا في سورية لا يسبب عدم ارتياح فحسب بل إنه لم يسبق له مثيل. وسط هذه الخلفية، فإن ردود أفعال المسؤولين العسكريين الأميركيين تتراوح بين الحذر والتشكك الصريح إزاء إنشاء مركز مشترك مقره جنيف ربما يجمع قريباً الجيشين الأميركي والروسي لبحث الأهداف المشتركة للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية. وقال الجنرال جوزيف فوتيل رئيس القيادة المركزية الأميركية: «ينطوي الأمر على تحديات. هناك نقص في الثقة مع الروس». وجاءت هذه التصريحات بينما عبّر فوتيل عن تأييده للمبادرة خلال منتدى أول من أمس الأربعاء. وعبّر مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون عن مخاوف في شأن المبادرة ولفتوا إلى انتقادات «البنتاغون» العلنية التي استمرت لفترة طويلة لأسلوب روسيا في إدارة الحرب دعماً للرئيس السوري بشار الأسد وضم موسكو للقرم من أوكرانيا عام 2014. وحذّرت إيفلين فاركاس النائب السابقة لمساعد وزير الدفاع التي تخصصت في الشأن الروسي من أخطار مقبلة. وقالت: «القيام بعمليات مشتركة مع الجيش الروسي محفوف بالأخطار السياسية والعسكرية وربما القانونية». وتهدف الولايات المتحدة وروسيا بموجب الاتفاق إلى خفض العنف على مدار سبعة أيام متتالية قبل الانتقال إلى المرحلة التالية وهي تنسيق الضربات العسكرية ضد «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» اللذين لا تشملهما الهدنة. وإذا صمدت الهدنة، فإن التنسيق ربما يبدأ يوم الاثنين. ومن الناحية النظرية، فإن روسيا والولايات المتحدة قد تبدآن في تلك المرحلة استخدام المركز المشترك لتبادل المعلومات عن استهداف المقاتلين. ويؤكد مسؤولون أن المركز المشترك الذي سيتخذ من جنيف مقراً لن يكون مماثلاً للمراكز المقامة في مناطق حرب مثل العراق التي تزخر بأنظمة الكمبيوتر السرية وشاشات التلفزيون العملاقة وتعرض بثاً حيّاً من الطائرات من دون طيار المسلحة التي تنفذ الضربات. وعبّر مسؤولو مخابرات أميركيون عن قلقهم من إطلاع موسكو على معلومات دقيقة عن مواقع جماعات المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة نظراً إلى أن روسيا استهدفتها في ما سبق. وقال مسؤول أميركي طلب عدم نشر اسمه: «الروس لا يستخدمون ذخيرة دقيقة التوجيه في سورية وهو ما يوفّر لهم عذراً مثالياً ليقولوا: نعتذر لم نكن نستهدفكم». خسائر بين المدنيين ويجازف التعاون مع روسيا في الاستهداف بالربط بين واشنطن وأي سوء تصرف يبدر من الروس. وسعى مسؤولون أميركيون آخرون إلى التهوين من شأن هذه المخاوف في الأسبوع الحالي. وقال مسؤول في إدارة أوباما: «في حين أننا قد نتبادل المعلومات في شأن هذا التهديد، فإن روسيا تظل مسؤولة بالكامل عن سير عملياتها». كما أن هناك عقبة قانونية. يقول مسؤولون أميركيون أن وزير الدفاع آشتون كارتر سيحتاج إلى إصدار أمر بوقف العمل بقانون أميركي يضع قيوداً صارمة على التعاون العسكري الأميركي مع روسيا. وكارتر من أشد منتقدي موسكو وقد عبّر عن تشككه إزاء التنسيق العسكري مع روسيا خلال مناقشات داخلية لإدارة أوباما. لكنه أيّد الاتفاق في العلن، وقال الأربعاء أن وقف إطلاق النار إذا طبق فسيخفف المعاناة. وقال: «نحن في وزارة الدفاع سنلعب أي دور نضطلع به (خلال العملية) ببراعتنا المعتادة». ويقول مدافعون عن المبادرة أن المجتمع الدولي لم تعد أمامه خيارات جيدة في حرب سورية التي قتل فيها أكثر من 400 ألف شخص وتشرد أكثر من 11 مليوناً. وقال أنتوني كوردزمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: «هذه الحرب برمتها هي البحث عن أقل الخيارات سوءاً». وأيّد الأميرال المتقاعد جيمس ستافريديس القائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسي الجهود، لكنه قال أنه غير متفائل. وقال لـ «رويترز»: «احتمالات نجاح هذا محدودة في ظل (الأجندات) المتنافسة إن لم تكن متعارضة. لكن الأمر يستحق التجربة بالنظر إلى الوضع الإنساني الأليم».
مشاركة :