أضحى من المخجل الآن متابعة جزء كبير من المشهد الإعلامي الرياضي الحالي، بما يشكله ضمن مكوناته وأدواته من صورة عبثية، لا علاقة لها بمهنية الصحافة أو الإعلام، ظل هدفه الأول استثارة المشاعر، ودغدغة العواطف، وإشعال الفتن بين الجماهير في الوسط الرياضي، خصوصاً مع تنامي وتنوع وسائل التواصل الاجتماعي الإلكتروني، أو بما عرف بمصطلح الإعلام الجديد، إذ نشأت حالة جديدة من العك والانفلات الإعلامي لم تشهدها الرياضة السعودية من قبل، شملت معها بعض الإعلام الفضائي، بما يتضمنه من بعض البرامج الفارغة كمضمون ومحتوى، يقدمها أشخاص لا علاقة لهم بأبسط قواعد المهنة، من قريب أو بعيد. ما نلاحظه بسهولة يعبر بصورة حقيقية مؤسفة عن حالة متعمدة من الانفلات الإعلامي دون حسيب أو رقيب، بعد أن تخطت بعض قنوات الإعلام وبعض الإعلاميين المبادئ والقيم، وفقدوا أبسط أخلاقيات المهنة، فلم يملّوا من اللهث وراء زيادة نسبة المشاهدة، وجذب الإعلانات والمتابعين، من دون النظر إلى طبيعة المحتوى المقدم للجمهور، فمَن يتابع أيضاً بعض الصحف والمواقع الإلكترونية، والبرامج الحوارية في الفضائيات الرسمية والخاصة، سيكتشف بسهولة أن أغلب ما يتابعه ويشاهده، هو تضليل وتشويه للحقائق، ولا مجال فيه للرأي الآخر أو الحياد والموضوعية. ولعل الراصد أيضًا لما يجري على الساحة الإعلامية، لن يجد صعوبة في اكتشاف قاموس جديد، ومفردات غريبة، واستضافة شخصيات ووجوه مكررة بشكل يومي، إضافة إلى التشويش المستمر على أصحاب الرأي الحر أو المختلف، واستبعاد هؤلاء الذين قد يتمتعون بالمصداقية والواقعية، وأمانة نقل الحدث، وبث الأخبار مالم يظهروا جانباً يتعصب بشدة لأحد الأطراف، لإذكاء روح الإثارة السلبية، ورفع مستوى الصراخ فوق الصوت الهادئ المتزن. لقد أمسى من الضروري سن قوانين وضوابط للسيطرة على الانفلات الإعلامي الآني، أو على الأقل العودة للأخلاقيات والأساسيات المهنية المتعارف عليها، وتعميمها على منتسبي الإعلام، فالإعلام الرياضي المحايد سيظل العنصر الثابت للارتقاء بأي لعبة رياضية، وخلاف ذلك سيتتطاول التأجيج والتعصب الرياضي، وحينها سيكون من الصعوبة توفير حلول متاحة لظاهرة الانفلات الإعلامي الرياضي، مالم يصاحب ذلك تعاون من هيئة الرياضة ووزارة الإعلام، ووضع أنظمة وشروط ملزمة، وفرض عقوبات إدارية ومالية، ضد كل من يثير فتنة التعصب في أي وسيلة إعلامية. وفي حديث سابق للمشرف على الإعلام والنشر بهيئة الرياضة رجاء الله السلمي يقول: يرتفع التعصب الرياضي بتطور وسائل الإعلام وتنوع مواقعه، ومتابعي الرياضة في مجتمعنا تجاوزوا هدفها السامي، كونها تسلية وترفيهاً لإخراج الفرد من محيطه المليء بالهموم والمشاكل، بل باتت تسيطر على مشاعرهم، وتؤثر في مسار حياتهم اليومية، إضافة إلى ذلك تحولت الرياضة إلى نشاط تجاري صرف بعيد تماماً عن الروح الرياضية، وتغذية التعصب الرياضي تبدأ من بعض الصحف التي تختار عبارات ملحمية تدل على القتال والمعارك، حتى تشعر بأنك ستشاهد معركة وليس مباراة كرة قدم، من دون تحري المصداقية والموضوعية، ولذا من الأهمية والمسؤولية الاجتماعية ضبط مثل هذا السلوك، ومن ذلك اشتراط رخصة مزاولة لمهنة الإعلام الرياضي، لمحاولة الحيلولة من دون ظهور مَن يسعى لتغذية التعصب عبر البرامج الرياضية ومختلف وسائل الإعلام. ويضيف المدرب الوطني د. عبدالعزيز الخالد: التعصب ناتج عن الإعلام بشكل رئيس، من خلال المبالغة في الطرح، وعدم الإلمام بمعاني التنافس الرياضي، وحب الذات المتمثل في الأنانية، والتي تجسدت في أن فريقي هو الموجود وهو الصحيح وباقي الفرق يشكلون خطأ في خطأ، وبالتالي لا مجال لقبول الآخر، إضافةً إلى أن هناك لغة استفزازية من أجل الكسب الجماهيري الشخصي، لينصب نفسه محامياً عن ناديه وعن جمهوره وليكسب شهرة جماهيرية، ونجد في الإعلام الرياضي تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، وقد شاهدنا ذلك على مستوى المنتخب عندما يلعب المباريات والناس يتحدثون عن الأندية وليس عن المكاسب الوطنية، الأمر الذي أثّر على الناشئين، وجعلهم يتجاوبون مع هذا الاتجاه، بل ويحرصون على متابعة لاعبيهم المفضلين، ما أدى إلى تلاشي الإحساس الوطني بشكل واضح بسبب تأثير الطرح الإعلامي المتعصب. رجاء الله السلمي عبدالعزيز الخالد
مشاركة :