د. عارف الشيخ هناك من يسرف في استخدام جملة إن شاء الله تعالى، لدرجة أنه يقول إن شاء الله تعالى كلما تكلم بكلام، ولا يفرق بين الفعل الماضي والفعل المضارع الذي يفيد المستقبل. وهناك من لا يؤمن بجملة إن شاء الله تعالى نهائياً، فيثق بنفسه وقراراته، لدرجة أنه لا يذكر إن شاء الله تعالى أبداً، ويعد ذكرها من التخلف والرجعي. وقبل أن أتناول إن شاء الله تعالى من منظور ديني، أذكر هذه الطرفة التي ذكرها المؤلفون في باب نوادر جحا فقالوا: كان جحا ذاهباً إلى السوق يوماً، فقيل له: إلى أين يا جحا؟ قال: أريد أن أشتري حماراً، قيل له: قل إذن سأذهب إلى السوق لأشتري حماراً إن شاء الله. قال جحا: ولماذا أقول إن شاء الله، طالما أن الحمار في السوق موجود، والدراهم في جيبي؟ فذهب جحا إلى السوق، وقبل أن يشتري الحمار سُرقت دراهمه، فقفل راجعاً إلى منزله، فالتقى بمن مر به أولاً، فقال له: هل اشتريت الحمار؟ قال جحا: سرقت دراهمي إن شاء الله، فضحك الرجل وقال: كان الواجب أن تقول إن شاء الله وأنت ذاهب لتشتري. أقول هذه النادرة، فحتى لو لم تكن واقعية، إلا أن المعنى صحيح، لأن المؤمن لا يتحرك إلا بأمر الله تعالى، ولا يفعل شيئاً إلا بإرادة الله تعالى، ولا يتحقق في هذا الكون شيء إلا بإذن الله تعالى. إذن فإن من باب الأدب مع الله تعالى، ألا يجزم الإنسان، لأنه لا يملك في هذا الكون إلا ما أراده الله تعالى، وليس ما أراده هو، ففي الحديث القدسي عبدي يريد وأنا أريد، والله يفعل ما يريد. من أجل ذلك فإن العلماء قالوا بأن لفظة إن شاء الله تكون واجبة مرة، ومرة لا تجوز، ومرة أخرى لا تكون في خانة الجواز ولا في خانة الوجوب، بل تعد من اللغو تماماً. نعم.. إذا أراد الإنسان أن يستحدث عملاً في المستقبل، وجب عليه من باب الأدب مع الله تعالى أن يذكر إن شاء الله تعالى، فيقول مثلاً: سأزورك يوم السبت المقبل إن شاء الله تعالى. لماذا يجب ذكر إن شاء الله تعالى هنا؟ لأنه لا يدري هل هو يعيش إلى ذلك الوقت، أو هل هو يتمكن من ذلك الفعل أم لا؟، فالقرآن الكريم قال: وما تشاؤون إلا أن شاء الله رب العالمين (الآية 29 (الأخيرة) من سورة التكوير). وقال أيضاً: ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً، إلا أن يشاء الله. (الآيتان، 23 ،24 من سورة الكهف). أما المواقع التي لا يجوز فيها ذكر إن شاء الله تعالى، فهي مثل: أن يقول لصاحبه الذي صنع له معروفاً: الله يجزيك الخير إن شاء الله تعالى. لماذا لا يجوز مثل هذا؟ لأنه كأنه يكره الله تعالى أو يخرجه والعياذ بالله على أن يفعل ذلك الشيء لعبده، وفي هذا قلة أدب مع الله تعالى، وورد النهي عن ذلك، ففي الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت، وارحمني إن شئت، وارزقني إن شئت، وليعزم مسألته، أنه يفعل ما يشاء ولا مكره له. (رواه البخاري). ومن اللغو قول بعض الناس: اعتمرت في الشهر الماضي إن شاء الله تعالى، أو: صليت ركعتي الضحى إن شاء الله تعالى، أو يقول: هل تريد أن تتغدى الآن إن شاء الله تعالى؟. فما يذكره بصيغة الماضي أو بصيغة الاستفهام بمثل هذه العبادات يعد من لغو الكلام، لأنه لا يفيد شيئاً.
مشاركة :