بعد طرح محاور علمية ومداخلات؛ خرج مؤتمر «الإسلام رسالة سلام واعتدال» الذي أقيم مؤخراً في مكة المكرمة بحِزَم خلاصاتٍ وتوصياتٍ ركَّزت على وجوب عدم شغل المسلمين بتصنيفاتٍ وتكتلاتٍ ومناهج وصفية. ودعا المشاركون في المؤتمر، الذي عقده كبار الشخصيات في رابطة العالم الإسلامي بمشاركة الهيئة العالمية لعلماء المسلمين، إلى عدم الانشغال بالجدليات المتكلِّفة في الدين والسجالات العقيمة التي أفرزت أسماءً وأوصافاً وشعاراتٍ مُحدَثة باسم الشريعة. وحذَّرت الخُلاصات من التحريش بين المسلمين والتنابذ بالتبديع والتضليل والتكفير. واعتبرت أصحابَ هذا التوجُّه وقود الفتنة والفرقة. في شأنٍ آخر؛ أثنى المؤتمِرون على الخدمات المقدَّمة من المملكة إلى الحجاج. ووصفوها بالمتميزة، ما سهَّل أداء مناسك الحج في يسر، رافعين الشكر إلى خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، على ما يسَّر الله على يديه من خدمةٍ إسلاميةٍ جليلةٍ للحرمين الشريفين. فيما استنكر المؤتمَر ما صدر عن بعض المسؤولين الإيرانيين من تصريحات تمثِّل تدخلاً سافراً في شؤون الحج. واعتبرَ هذه التصريحات محاولاتٍ يائسةٍ لاختراق وحدة كلمة المسلمين والنيل من شعارهم وصرفهم إلى تبعية شعاراتٍ ونداءاتٍ دخيلةٍ تفرِّق ولا تجمع وتوجِّج ولا تؤلِّف. وتحدَّث أمين عام رابطة العالم الإسلامي رئيس مجلس إدارة الهيئة العالمية للعلماء المسلمين، الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، عن أهمية تعزيز أسباب التلاقي والتآخي. وشدد، في كلمةٍ افتتح بها المؤتمر، على ضرورة ترجمة الرسالة العالمية والسلمية للإسلام في بُعدها الوسطي واعتدالها المنهجي على سلوك الجميع من أفرادٍ ومؤسسات. ولاحظ الأمين العام حمل فريضة الحج دروساً عديدةً في مضامينها، في طليعتها التنبيه على أهمية اتفاق الكلمة ووحدة الصف تحت شعار واسم ووصف واحد هو الإسلام. وأشار إلى وجوب نبذ الفرقة والخلاف المذموم، وتجاوز الشعارات والمفاهيم والأسماء والأوصاف الضيقة التي تفرِّق ولا تجمع وتُباعد ولا تُقرِّب، لأن مناعة الأمة تَقوَى بتماسك لُحمتها، داعياً علماء الإسلام إلى الحذر من مخاطر التصنيف والإقصاء؛ لأن فيهما مادة للتطرف وبيئة للتكفير. خلاصات المؤتمر الالتزام بالراية الجامعة التحذير من أيّ تكتُّلٍ يخرج بالمسلمين عن رايتهم الجامعة ليُفرِّق كلمتهم ويخترق صفَّهم وينافي رسالتهم في سِلمها واعتدالها. تاريخُ الإسلام لم يُسجِّل أي تجمعٍ للمسلمين لإقصاء أيٍّ منهم عن سُنَّتهم وجماعتهم، والانجرار إلى مثل هذه المزالق يمثل سوابق وخيمة على الإسلام وأهله. محاولة تصنيف الإسلام لها لوازم خطيرة هي شرارة التطرف في خطاب التكفيريين، وحكمة الإسلام ورسوخ علمائه ووعي دعاته ومفكريه فوق هذا وعلى حذرٍ من تبعاته. من جرى التقوُّل عليهم بأنهم أقصوا المدارس والمذاهب العلمية الإسلامية عن دائرة سنّة الإسلام وجماعة المسلمين هم من حفلوا قديماً وحديثاً بروَّاد تلك المدارس والمذاهب في مؤسَّساتهم الأكاديمية ليسهموا في تعليم مناهجها الشرعية ويناقشوا أطروحاتها العلمية. الخروج عن هذا الأفق الواسع لا يعدو أن يكون محصوراً في أفراد أو مؤسسات محسوبة على نفسها لا سواها، يحصل منها مثلما يحصل من غيرها. أي خطاب يخرج عن أصول الأدب العلمي أو يحمل مضامين إقصائية إنما يُمثِّل من صدر عنه، ولا يرتد سلباً على أصحاب الأفق الواسع ورابطتهم المؤسسية (رابطة العالم الإسلامي). الخطاب المضاد متى استعار صيغة التطرف وإقصائه؛ فإنه في عداده وحُكمه. وجوب تحلّي العلماء والدعاة والمفكرين بالرحابة والسعة، ما يجعلهم أكثر تقبلاً وانتفاعاً لما يصدر عن غيرهم من ثراء الحوار والنقاش في إطاره المحمود. بعض الكتابات التاريخية ربما سجلتها أقلام لا رسوخ لها في علوم الشريعة ولا أدبها، فتصوغُ مدوناتِها بأخطاء وتقوُّلات ومصطلحات تخالف الشريعة والحقيقة، ولا يتحملها سوى من دوَّنها. الأسماء المتداولة لبعض المدارس العلمية إنما هي مناهج وصفية فحسب، وليست بديلاً عن اسم الإسلام ومظلته الجامعة. التوسع في تلك الأسماء من قِبَلِ أهلها أو غيرهم يُرَسِّخُ المفهوم الخاطئ حولها، فضلاً عن مُزاحمتها لاسم الإسلام. لا حاجة إلى الجدليات المتكلفة لا حاجة لأفراد الأمة بالتوسُّعات المتكلفة في شؤون الدين التي لا يحيط بجدلياتها إلا من تعمَّق في سجالاتها. أهل الإسلام على دينهم الحق دون أن يكونوا مكلَّفين بمعرفة تلك الاستطرادات والأسماء المحدثة، فضلاً عما فيها من تعكير صفو الدين في نفوسهم والتأثير على نقاء فطرتهم وتآلفهم فيما بينهم. الجدليات المُتكلَّفةَ في الدين وسجالاتها العقيمة أفرزت الأسماء والأوصاف والشعارات المحدثة باسم الشريعة. التحذير من مخالفة المنهج الحق في أدب الدعوة والحوار والنصح. الإشارة إلى خطورة مُرتَجَلِ المقالات والبيانات والعبارات التي تصِمُ أبناء الإسلام في سَدَاد مذاهبهم ومناهجهم بكلمة السوء بما لا طائل من ورائه سوى التحريش بين المسلمين والتنابز بينهم بالتبديع والتضليل والتكفير. المُتعيَّن هو الأخذ على أيدي أصحاب هذه البيانات والعبارات بوصفهم وقود الفتنة والفرقة ومحرضي السفهاء والجهلة على سلوك جادة التطرف بذلكم التعدي والارتجال. الحريات التي أقرتها الشريعة لها نظام يحمي من التطاول والفرية وزرع الشر والفتنة. التحذير من خطورة خطاب الكراهية والتحريض، والتأكيد على أن المسلم يسعد بالخير للناس أجمعين، فما انتشر الإسلام وسرى في العالمين إلا بالعدل والإحسان، والكلمة الطيبة، والقدوة الحسنة، وتحرير العقول، وتأليف القلوب. أهل العلم والإيمان هم أكثر الناس فهماً واستيعاباً لسنّة الله تعالى في خلقه حيث الاختلاف والتنوع والتعدد، مع إيمانهم بضرورة التعايش مع الجميع، ولا يضيق ذرعاً بهذه السنة الكونية إلا من قلَّ علمه وضلَّ فهمه. الإرهاب لا دين له الإرهاب لا دين له ولا وطن، وهو مُنبَتُّ الصلة عن مدارسِ ومناهج أهل الإسلام كافة على تنوعها وتعددها بموافقاتها ومخالفاتها المحمودة، فهو نِحلة فاسدة كفَّرت من سواها امتداداً لمنهج أسلافها. الإشادة بالأصوات المنصفة من غير المسلمين التي أكدت أن الإرهاب نزعة إجرامية لا صلة لها بدين ولا وطن، وأن الإسلام منه بريء، وأن التطرف سياق عارض يصْدُر عن بعض المنتسبين للأديان كافة. التنويه على وجه الخصوص بما صدر في هذا المعنى من تعليق منصِف عن المرجعية الفاتيكانية على خلفية الأحداث الإرهابية الأخيرة في بعض البلدان الأوروبية. أهمية أن يكون الدعاة على يقظةٍ من إلهاب المشاعر المتسرعة، فمعالجة ما يطرأ من قضايا وأحداثٍ تكون بالعلم والحكمة لا بالجهل والعجلة، وهي محكومة بفقه الأولويات والموازنات والنظر في المآلات، كما أنها لمن ولَّاهم الله أمرها لا لغيرهم. التأكيد على الأهمية الكبيرة للملاحقة العسكرية للإرهاب والخسائر المتلاحقة التي مُنِيَ بها. التأكيد على أهمية التصدي الفكري للإرهاب، والتنويه بما استشرفته المملكة العربية السعودية من إنشاء مركز عالمي لمحاربة الفكر الإرهابي، ودعوة تاريخية تكلَّلت بإنشاء تحالف عسكري إسلامي للتنسيق بين دوله لمحاربة الإرهاب عملياتياً وفكرياً وإعلامياً، مع توحيد الجهود لقطع سبل إمداده وتمويله. التنويه بالتحالف الدولي لمحاربة بؤر التطرف والإرهاب؛ وبالإسهام الإسلامي الفاعل فيه من قِبَل المملكة العربية السعودية بوصفها مرجعيةَ العالم الإسلامي ومحور قيادته وحاضنةَ مقدساته خدمةً ورعاية. الحرب إنما هي على الإرهاب لا سواه، وهو عدوٌّ طال شرره الجميع، فوجب الوقوف ضدَّه بكل سبيل تُوصل إلى دفع شره. الإشادة بنجاح موسم الحج رفعُ الشكر إلى خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز، على ما يسَّر الله على يديه من خدمةٍ إسلاميةٍ جليلةٍ للحرمين الشريفين. الإشادة بالخدمات المتميزة المقدَّمة إلى حجاج بيت الله الحرام، ما سهَّل عليهم أداء نسكهم في أجواءٍ مفعمةٍ بالأمن والسكينة والطمأنينة. التأكيد على أن رسالة الإسلام عالمية تدعو إلى السلم والتعايش والتعاون الإنساني مع الجميع، وتحمل في طياتها معاني التسامح والوسطية والاعتدال. التأكيد على ما تضمَّنته كلمة رابطة العالم الإسلامي في حفل الاستقبال السنوي الذي أقيم بالديوان الملكي في مشعر منى، من أن مفاهيم الإسلام حذَّرت من أي شعار أو اسم أو وصف غير الإسلام، وأننا عندما نختصر سنَّةَ الإسلام وجماعةَ المسلمين في أوصافٍ لأشخاصٍ أو انتماءاتٍ أو مدارس معينة؛ فإننا نختزل الإسلام الجامع، الحاضن، إسلام السعة والامتداد والتاريخ، في مفاهيم محدودة وأفكارٍ ضيقة تفتح على الدين ثغرةً تتسللُ منها المصالح والأهواء. تبِعات خطيرة للتشريع الأمريكي الأخير التأييد الكامل للبيان الصادر عن رابطة العالم الإسلامي والهيئة العالمية للعلماء المسلمين؛ المتضمن التعبير عن بالغ القلق لإصدار الكونغرس الأمريكي تشريعاً باسم «قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب». التشريع الصادر عن الكونغرس يخالف بوضوح ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وأسس العلاقات الدولية القائمة على مبادئ المساواة في السيادة، وحصانة الدولة، والاحترام المتبادل، وعدم فرض القوانين الداخلية لأي دولة على الدولة الأخرى. إصدار مثل هذا القانون سيُهَدِّدُ استقرارَ النظام الدولي، وسيُلقي بظلال الشكوك على التعاملات الدولية، إضافةً إلى ما قد يُحدثه من أضرار اقتصادية عالمية، وستكون له تبعاتٌ سلبيةٌ كثيرةٌ، وسيُشكِّل سابقةً خطيرة في علاقات الأمم. التطلع إلى عدم اعتماد السلطات التشريعية الأمريكية هذا التشريع الذي سوف يفتح الباب على مصراعيه للدول الأخرى، لإصدار قوانين مشابهة، ما سيؤثر سلباً على الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب، ويُخل إخلالاً جسيماً بمبادئ دولية راسخة قائمة على أسس المساواة السيادية والحصانة السيادية للدول. هذا القانون يحمل في طيَّاته بواعث للفوضى، وعدم الاستقرار في العلاقات الدولية، وسيعيد النظام الدولي للوراء، وسيجد فيه التطرف المُحاصَر فكرياً ذريعةً جديدةً للتغرير بأهدافه. التنديد بالتصرفات الإيرانية استنكار ما صدر عن بعض المسؤولين الإيرانيين من تدخلٍ سافرٍ في شُؤون الحج في سياق معتادهم السنوي الذي قَصُر عن السمو بنفسه إلى أهداف الإسلام العليا، ليكرِّر من حين لآخر هزائمه المتتالية في تفريق صف المسلمين، ومحاولاته اليائسة اختراق وحدة كلمتهم، والنيل من شعارهم، لصرفهم إلى تبعية شعارات ونداءات دخيلة تفرِّق ولا تجمع وتؤجِّج ولا تؤلف لتعميق الكراهية وإثارة الفتنة. إيران لم تجنِ من هذه التصرفات سوى أنها أصبحت شؤماً على كل من اخترقته سياستها الطائفية، حيث ارتبط اسمها بمناطق الصراع وبؤر التأجيج والإرهاب، كما لم تزدها عظة التاريخ فيها وفي غيرها إلا ارتكاساً في ضلالها وتمادياً في مجازفاتها.
مشاركة :