صحيفة المرصد- هافينغتون بوست عربي: تشير إحدى الدراسات الحديثة إلى أن ظهور الحياة على الأرض ربما نتج عن اصطدامها الهائل بكوكب آخر قبل 4.4 مليار عام. فيما يعتقد الباحثون أن هذا الاصطدام الكوكبي بإمكانه تفسير وجود الكربون، وهو العنصر الضروري لوجود أشكال الحياة المعتمدة على الكوكب سواء في باطن الأرض وعلى سطحها، مُقدماً حل للغز التطوري القائم منذ أمد بعيد. إذ كانت الأرض شديدة الحرارة عند بدء تكوينها بسبب النشاط البركاني الهائل الذي جعل من الكوكب كتلة ضخمة منصهرة، بينما ترى دراسات وأبحاث نقلها موقع Science Alert أنه بفرض وجود الكربون على الكوكب وقتها لاختفى خلال هذه الفترة المستعرة بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وكانت تلك هي إحدى المشكلات التي تقف أمام تفسير كيفية تطور الحياة على الأرض حينها. إلا أن علماء الجيولوجيا في جامعة رايس اقترحوا فرضية جديدة حول الكيفية التي تمكن بها الكربون، ومن ثم نحن البشر من تخطي تلك الفترة، وذلك بحسب نتائج الدراسات التي نشرت في مجلة Nature Geoscience العلمية. إذ يرون أن درجات الحرارة الباردة الناتجة عن الاصطدام بكوكب غامض شبيه بعطارد وُجد بعد الأرض لا قبلها جعلت كوكب الأرض قادرًا على امتصاص حمولة هذا الكوكب الغامض من الكربون، مستحوذاً على الكربون الضروري لتطور الحياة على سطح الكوكب مستقبلاً. إلا أن هذه الفرضية لا تفسر كيفية وجود الكربون على سطح الأرض بعد بدايات الأرض المنصهرة فقط، بل تفسر أيضاً عدم اندماجه مع نواة الأرض، وهو ما لم يكن ليسمح للحياة بالتطور أيضاً. وهنا يقول عالم الجيولوجيا راجديب داسجوبتا: يتمثل التحدي في شرح أصل العناصر المتطايرة مثل الكربون التي لم تنصهر وتندمج مع نواة الأرض، وبقت على سطح كوكبنا، ويضيف: حتى لو لم يتبخر الكربون في الفضاء أثناء انصهار الأرض، كان سينتهي في النواة المعدنية للكوكب، إذ إن السبائك الغنية بالحديد لديها قابلية قوية لجذب الكربون. فكرة قدوم الكربون الذي وهب الحياة للأرض من مكان آخر ليست جديدة، فيقول داسجوبتا: إذ اقترحت فرضية أن العناصر الكيميائية الموجودة في القشرة الخارجية المتأخرة التكوين نشأت في مكان آخر في الفضاء، وربما وصلت إلى كوكبنا عبر النيازك. بينما يشرح عالم الجيولوجيا الكيميائية السابق في رايس، يوان لي، والعالم الحالي في الأكاديمية الصينية للعلوم: اشتهرت فكرة إضافة المواد المتطايرة، مثل الكربون والنيتروجين والهيدروجين، إلى الأرض بعدما تشكلت نواتها. وتابع: كل تلك العناصر التي سقطت على الأرض من النيازك والمذنبات قبل ما يزيد على 100 مليون عام بعد تشكل النظام الشمسي، كان بإمكانها أن تجنب الحرارة الشديدة لمحيط الحمم البركانية الذائبة (الصهارة) الذي غطى الأرض حتى ذلك الوقت، لكن بينما بدت فرضية قشرة الأرض المتأخرة معقولة، إلا أن لها بعض أوجه القصور، مثل فشلها في تفسير الكيفية التي استطاعت بها حوادث اصطدام النيازك العشوائية والمتفرقة إنتاج هذا العدد من العناصر المتنوعة مثل الكربون عبر سطح الأرض، الذي يمثل ثلثي كتلة الكوكب. إذ يقول لي: المشكلة في هذه الفكرة هي أنه على الرغم من تفسيرها لوفرة العديد من هذه العناصر، إلا أنه ما من نيازك معروفة بإمكانها إنتاج هذا النسبة من العناصر المتطايرة في جزء السيليكات في كوكبنا. وأجرى الباحثون العديد من تجارب الضغط المرتفع والحرارة المرتفعة في المختبر باستخدام معدات هيدروليكية، لاكتشاف أي الظروف وأنواع المواد الكيميائية قد تؤدي إلى نسبة العناصر الموجودة على سطح الأرض. وقال داسجوبتا: أعتقدنا أن علينا الابتعاد عن النواة التقليدية المركبة من الحديد والكربون والنيكل، لذا بدأنا في استكشاف السبائك الغنية بالكبريت وبالحديد، وهو ما يعود جزئياً إلى الاعتقاد بأن نواة المريخ مليئة بالكبريت، بينما تمتلئ نواة عطارد بالسليكون بشكل نسبي. وقد وجد الفريق أنه في حالة وقوع الاصطدام المُفترض بين الأرض وجسم آخر، يمكن للكربون البقاء في وشاح الأرض، دون أن يُمتَص إلى داخل نواتها الحديدية، إذا احتوى الجسم الآخر على سبائك حديدية، غنية بالسيليكون أو الكبريت، في نواته. ويقول داسجوبتا: أحد التصورات التي تفسر نسبة الكربون إلى الكبريت ووفرة الكربون هي اصطدام الأرض بكوكب جنيني شبيه بعطارد، كانت نواته الغنية بالسيليكون قد تشكلت بالفعل، متمكنةً من الاستحواذ عليه، وأنه بسبب ضخامة الجسم، يمكن للديناميكا أن تتسبب في اتجاه نواة هذا الكوكب مباشرة إلى نواة كوكبنا، وامتزاج الوشاح المليء بالكربون مع وشاح الأرض. بعبارة أخرى، يمكن تفسير البنية الكيميائية لجيولوجيا الأرض والتي سمحت بظهور الحياة إذا قلنا إن كوكبنا قد التهم كوكب أصغر، شبيه بعطارد قبل مليارات السنين، إنها فرضية مذهلة، وما من شك أنها ستتلقى قدراً من التمحيص من العلماء الآخرين. وفيما يتعلق بدروهم، يعترف الباحثون بأنه مازال أمامهم الكثير من العمل لاكتشاف أصول باقي العناصر المتطايرة والتوفيق بينها، إذ إن بحثهم دار حول الكربون والكبريت حتى الآن، إلا أن هذه الأفكار قد تساعدنا أيضاً على فهم سبب ندرة الحياة على الكواكب الأخرى. فقد لا يتعلق الأمر فقط بالموضع الصحيح للكوكب ومناسبة درجة حرارته لدعم الحياة، بل ربما يحتاج للمزيد من المساعدة الممثلة في اصطدام عشوائي في الفضاء، لإضافة بعض المكونات التي تسمح ببدء التفاعل.
مشاركة :