في أخفض بقعة في العالم تحت سطح البحر، يقع وادي الأردن ليشكل مشهداً طبيعياً لا مثيل له، وعلى حافة الوادي تأخذ الأرض بالارتفاع غرباً مكونة سلسلة مرتفعات جبلية، من أبرزها مرتفعات القدس. ما بين السلسلتين الجبليتين عند وادي الأردن من الشمال إلى الجنوب، يخترقه نهر الأردن الذي ينشر الحياة والجمال بما يمتاز به من مناخ دافئ في فصل الشتاء، فلا يوجد في العالم سطح مائي يشبه البحر الميت من حيث انخفاضه عن سطح البحر، بالإضافة إلى مياهه شديدة الملوحة رغم أنها تتغذى على مياه نهر الأردن العذبة. انهيارات يكشف أستاذ علم الزلازل والجيوفيزياء في الجامعة الأردنية، نجيب أبوكركي، عن ظهور متزايد لانهيارات خسفية في مناطق متعددة تحاذي شواطئ البحر الميت كانت قبل سنوات جزءاً من البحر. ويقول أبوكركي لـ«الإمارات اليوم»: «إن هذه الانهيارات ظهرت في المناطق التي انحسر عنها البحر في العقود الأخيرة، لكن ظهورها أصبح أكثر تسارعاً وانهياراتها أكثر اتساعاً منذ عام 2007». والظاهرة الجديدة التي توضحها أبحاث أبوكركي وزميله داميان كلوسون من بلجيكا، هي العلاقة والتوافق بين توزيع الصدوع الزلزالية في منطقة البحر الميت، وتوزيع هذه الانهيارات الخسفية التي أدت الى زوال شوارع ومنازل سكنية واستراحة سياحية. «منذ ستينات القرن الماضي فقد البحر الميت نحو ثلث مساحته، وفيما كانت هذه المساحة تقترب من 1000 كيلومتر مربع، فإنها لا تتجاوز الآن 630 كيلومتراً مربعاً، وفقاً لأحدث الدراسات». «إسرائيل حاولت في عام 2009 تحويل هذه الأراضي لملكيتها، لكنها عدلت عن ذلك وجمّدت مخططها عقب الضغوط الدولية». وإذا كانت تسمية هذا البحر بالميت لتعذر وجود الكائنات الحية فيه، فإنه بحر حي وغني بالأملاح والمعادن، التي تشكل ثروة هائلة يمكن الاستفادة منها في مجالات متعددة، سواء في الصناعة أو مجالي الطب والعلاج. وتعد مياه البحر الميت الغنية بالأملاح، والطين المستخرج منه، علاجاً ناجحاً للعديد من الأمراض الجلدية، إلى جانب سهولة السباحة فيه نظراً لارتفاع نسبة الملوحة في مياهه، إذ يستلقي الإنسان على ظهره ويترك مياه البحر الميت تحمله دون عناء. طبيعة خلابة «الإمارات اليوم» زارت البحر الميت في مدينة أريحا الفلسطينية، لوصف الهدوء والجمال الذي يكتنف البحر على حافتيه في فلسطين والأردن، فهو يجذب سنوياً آلاف الأفواج من الزائرين المحليين والأجانب الباحثين عن العلاج والطبيعة المعتدلة، إلى جانب اكتساب الدفء، حيث إن مياهه دافئة وغنية بأملاح الصوديوم والبوتاسيوم والبرومين والمنغنيز. وما إن يصل الزائر البحر الميت، حتى يستمتع بالشمس دون الخوف من التعرض لحروق شمسية في أكبر المنتجعات الطبيعية في العالم، فجميع مكوناته تجذب السائحين للاستمتاع والعلاج، لما يوفره من مساجات وعلاجات طبيعية للجسم والوجه، حيث إن طين البحر والمشهور بلونه الأسود يغذي البشرة بالمعادن العلاجية، التي تجدد الحيوية في جسم الشخص الزائر. ويعد البحر الميت من أكثر مناطق الأرض غرابة لما يحتويه من عجائب، وهو أخفض مكان على مستوى الأرض، ويبلغ طوله نحو 67 كيلومتراً (نحو 42 ميلاً)، ويبلغ اتساعه 18 كيلومتراً (نحو 11 ميلاً)، فيما يبلغ عمقه نحو 377 متراً، ما يجعله أعمق بحيرة مالحة في العالم، فنسبة ملوحة مياهه تبلغ نحو 33%، وهي أشد بثماني مرات من ملوحة المحيط أو أي بحر آخر، ما أدى إلى استحالة تكيف الكائنات الحية والعيش بداخله. وتمتاز مياه البحر الميت بميزة عظيمة، حيث إنها تخرج مادة الإسفلت من مركباتها، وقد استورده قدماء المصريين لعمليات تحنيط الموتى لديهم، بالاضافة إلى استعمال المادة في البناء. مصادرة وأطماع هذه الطبيعة الخلابة والفريدة من نوعها لم تسلم من تشويه إسرائيل لملامحها، فالبحر الميت مثله كمثل أي منطقة فلسطينية تتعرض لأطماع الاحتلال، الذي صادر 140 ألف دونم من أراضي البحر الميت، وذلك في إطار تكثيف الاستيطان الإسرائيلي بالمنطقة، واستقدام المستثمرين اليهود لفرض أمر واقع، لتكون المنطقة جزءاً لا يتجزأ من حدود إسرائيل. وقال رئيس وحدة الجدار والاستيطان في السلطة الفلسطينية، محمد إلياس، لـ«الإمارات اليوم»: «إن إسرائيل تسعى للسيطرة على مقدرات الفلسطينيين بالبحر الميت وغور الأردن، ووضع اليد على أكبر مساحة من الأرض بالضفة الغربية بغية خصخصتها وبيعها بالمزاد العلني لشركات استيطانية». ويضيف «إن المناطق الفلسطينية تشهد موجة شرسة من قبل الاحتلال الذي يحاول السيطرة على أكبر مساحة من الأرض لتوظيفها للاستيطان، وفي المقابل استصدار إخطارات هدم غير مسبوقة بحق المنازل الفلسطينية، وتحديداً بقرى غور الأردن». وكان الحاكم العسكري في «بيت إيل» قد قدم 12 طلباً للإدارة المدنية التابعة لسلطة جيش الاحتلال لتسجيل الأراضي على طول 40 كيلومتراً من البحر الميت في الجانب الفلسطيني، وتحويلها لملكية «دولة إسرائيل». وتتبع ملكية هذه الأراضي لسكان 12 قرية فلسطينية، ولكنها صنفت بعد اتفاق أوسلو بالمنطقة «C»، التي تخضع لسيطرة جيش الاحتلال. وسوغت سلطات الاحتلال خطواتها، بحسب إلياس، بأن الأراضي المحاذية للبحر الميت جفت منذ عام 1946، وعليه فإنها ليست بملكية خاصة للفلسطينيين، بل ملك لـ«دولة إسرائيل»، دون توفير مستندات ووثائق بذلك، فيما تتجه أطماع الاحتلال لتسجيل الأراضي التي تغمرها المياه بذريعة إمكانية جفافها في السنوات المقبلة. يذكر أن إسرائيل حاولت في عام 2009 تحويل هذه الأراضي لملكيتها، لكنها عدلت عن ذلك وجمّدت مخططها عقب الضغوط الدولية. خطورة وتهديد وأمام هذه الأطماع يحاول سياسيون من الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، بمساعدة البنك الدولي، البدء في مشروع قناة تصل البحر الأحمر بالميت، سعياً لإنقاذه من الزوال، فيما يحذر خبراء من ظواهر تنطوي على خطورة نتجت عن الانحسار في مستواه. ويكشف خبراء في علوم الأرض عن ظواهر خطيرة تشكلت على الشواطئ والمناطق القريبة من البحر الميت، نتيجة الانحسار المتسارع في مستوى البحر الذي يفقد سنوياً أكثر من متر من مستواه. ومنذ ستينات القرن الماضي فقد البحر الميت نحو ثلث مساحته، وفيما كانت هذه المساحة تقترب من 1000 كيلومتر مربع، فإنها لا تتجاوز الآن 630 كيلومتراً مربعاً، وفقاً لأحدث الدراسات.
مشاركة :