أكد الشيخ الدكتور خالد الغامدي إمام وخطيب المسجد الحرام، أن اجتماع المسلمين في هذه الأيام في عبادة الحج ووحدتهم وتآلفهم ورعاية السعودية للحجاج واحتضانهم وحرصها على أمنهم ونجاحها الباهر في إدارة هذه الحشود المباركة لهو رسالة واضحة قوية تخترق الحجب، بأنه مهما كاد الكائدون والحاقدون وتنادوا وتآمروا وائتمروا على المسلمين وبلاد الحرمين فإنّا لهم بالمرصاد، ولن يجعل الله لهم على المؤمنين سبيلاً، وسيهيئ الله من عنده رجالاً وأحداثاً يحفظ بهم الإسلام وأهله ويعلي شأن سنة نبيه، والمتمسكين بها السالكين منهج الصحابة وطريقهم، الذي هو المنهج الحق والصراط المستقيم. وقال في خطبة الجمعة في المسجد الحرام أمس، "إن من أجل المقاصد الشرعية والحكم المرعية التي من أجلها شرع الله الحج وتكرر في كل عام ترسيخ مبدأ وحدة المسلمين واجتماع كلمتهم وتآلفهم، وتأكيد معاني الأخوة الإيمانية وإشاعتها بين المسلمين، بحيث تنعدم الفوارق بين المؤمنين في الحج، وتختفي مظاهر التمايز بينهم، فلا شعارات سياسية حزبية، ولا رايات مذهبية طائفية، ومنذ أن وضع النبي أمور الجاهلية كلها تحت قدميه في حجة الوداع إلى اليوم والمسلمون يحجون بيت الله الحرام تشيع بينهم روح المحبة والمودة واجتماع الكلمة وتوحيد الصف، وتلك نعمة من أجل النعم التي امتن الله بها على عباده وجعلها من أعظم مقاصد الشريعة وأفخم غايات البعثة النبوية. وأوضح أن وحدة المسلمين واتحاد كلمتهم واجتماع صفهم على منهج واحد وسنة واحدة من أهم المعالم المنجية من الفتن المدلهمة والأخطار المحدقة بالمسلمين في هذا العصر الذي كثر فيه قطاع الطريق والمرجفون والمفتونون من شياطين الإنس، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا. وأشار إلى أن الاعتصام بالكتاب والسنة ومنهج الصحابة - رضي الله عنهم - من محكمات الشريعة التي لا يمكن التنازل عنها أبدا، بل هي ضرورة ملحة في عصرنا هذا أكثر من ذي قبل لأن المسلمين اليوم يواجهون تحدياً عالمياً وحرباً ضروساً ضد عقائدهم وسنة نبيهم ووحدة كلمتهم، وأصول شريعتهم وثوابتها وأهلها، خصوصاً ضد هذه البلاد المباركة التي هي حامية الحرمين وراعية الشريعة والسنة النبوية. وأضاف "هذا الهجوم المأفون يتشكل في أشكال مختلفة وأساليب متنوعة واجتماعات متعددة ويسعى إلى إلصاق تهمة الإرهاب والتطرف بالمسلمين عموماً وببلاد الحرمين خصوصاً، ما كان له أثر سيئ في محاولة إضعاف المسلمين وتفريقهم وتمزيق وحدتهم لتحقيق توجهات سياسية وتقوية انتماءات فكرية ومذهبية، وإثارة نعرات طائفية حزبية، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى اجتماع الكلمة وتوحيد الصفوف ونبذ الخلافات والنزاعات، لا أن يكون البعض وقوداً وحطباً يزيد النار حريقاً واشتعالاً ليخدم توجهات الأعداء وخططهم ضد عقائد المسلمين وسنة نبيهم، التي تربى عليها المسلمون منذ عهد الصحابة - رضي الله عنهم - ونادى بها كل علماء السلف الراسخين إلى يومنا هذا". وقال "أبشروا يا حجاج بيت الله وأملوا خيراً فإنكم قد قدمتم على الرب العظيم العفو والغفران، الكثير البر والإكرام، الواسع الرحمة والفضل والإحسان، وأنتم وفد الله وضيوفه وزواره، فأكرم بكم وافدين وزواراً وأضيافاً، وأنعم به - سبحانه - ربا كريما رحيما يجازي الحسنة بعشر أمثالها وأضعاف كثيرة، ولم يرض جزاء للحج المبرور إلا الجنة، فهنيئاً لكم يا حجاج بيت الله الحرام، هنيئاً لكم عفو الله ومغفرته ورضوانه، وعوداً حميداً إلى دياركم سالمين غانمين وأنتم مشكور سعيكم، موفور أجركم، تستأنفون صفحة العمر بيضاء نقية، وتستقبلون حياة جديدة استلهمتم صفاءها ونقاءها وروحانيتها من بين جنبات البيت الحرام وزمزم والحطيم والمشاعر المقدسة ونفحات المدينة المنورة، فلتفرحوا بهذا الفضل العظيم الذي خصكم الله به وأكرمكم ببلوغه والانتهاء منه". وأكد الشيخ الغامدي أن الله - تعالى - هو صاحب الفضل والنعمة ابتداء وانتهاء، إيجادا وتوفيقا وإمدادا، فهو الذي حرك قلوبكم وأعانكم على أداء مناسك الحج والوقوف بهذه المشاعر التي هي إرث من إرث الخليلين الكريمين إبراهيم ومحمد - عليهما الصلاة والسلام-، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فاشكروا له - سبحانه - وأحمدوه على النعم الدينية والدنيوية الظاهرة والباطنة، وعلى أن وفقكم وأعانكم على أداء مناسككم في سابغة من الأمن والأمان واليسر والراحة. وقال "إن من شكر الله - تعالى - شكر من كان سببا - بعون الله وقدرته - في تيسير مناسك الحج للحجاج والقيام بخدمتهم ورعايتهم والحفاظ على أمنهم وسلامتهم من ولاة الأمر، وفقهم الله وسددهم، ورجال الأمن الأوفياء والمسؤولين، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله - تعالى -". وفي المدينة المنورة تحدث الشيخ عبدالباري الثبيتي إمام وخطيب المسجد النبوي في خطبة الجمعة أمس، عن مكفرات الذنوب، مضيفا "لقد من الله علينا بمواسم الطاعات التي تترادف خيراتها وتغمرنا فيها رحمات الرب - سبحانه - بالمغفرة، فمن الموفقين من رجع كيوم ولدته أمه، ومنهم من غفر الله له ذنوب سنتين، تلك المرتبة السنية التي بلغها الموفقون والصفحة البيضاء النقية التي نال شرفها المشمرون، تلفت نظر العاقل وتجعله يسعى إلى المحافظة على هذا السمو والبقاء ثابتا في هذا العلو، الذين ينالون به جلال المغفرة ونقاء الرحمة، سلوك الأتقياء في كل وقت وحين، مدافعة السيئات بالحسنات". وأوضح أن التنقية المستمرة من لوثات الحياة والتطهير الدائم لصحيفة العمل لا ينقطعان بانتهاء المواسم ولا يقتصر أمرهما على مكان محدد أو زمان معلوم، ذلك أن شؤم الذنوب يورث الحرمان ويعقب الخذلان، وأن قيد الذنوب يمنع من المشي إلى طاعة الله والمسارعة إلى خدمته، ولهذا يتلمس المسلم الأعمال التي تكفر الذنوب وترفع الدرجات على مدار العام، تزكية لنفس تنشد النقاء والارتقاء. وبارك إمام وخطيب المسجد النبوي الجهود التي تعاضدت فيها كل القطاعات، التي بذلت عملا دؤوبا وطورت فكرا حديثا لخدمة الحجاج والزوار، سائلا الله أن يجزي ولاة أمر هذه البلاد الذين أنفقوا بسخاء وأشرفوا بوفاء خير الجزاء. وبين أن من أجل أسباب المغفرة توحيد الله وإفراده بالعبادة، فمن حقق كلمة التوحيد في قلبه أخرجت منه كل ما سوى الله محبة وتعظيما وإجلالا ومهابة، وحين إذ تحرق ذنوبه كلها ولو كانت مثل زبد البحر وربما قلبتها حسنات، وتكفر الذنوب بالتزود بالتقوى خير زاد، وكل فضائل الأعمال مكفرات للذنوب، وميدان فسيح لتطهير النفس من أدران المعاصي، وجلاء القلوب من لوثات الغفلة.
مشاركة :