انفجار آخر، هو الأخير حتى لحظة كتابة هذه السطور، استهدف الضاحية الجنوبية في 19 فبراير 2014. توقيت الانفجار، تلا بثمان وأربعين ساعة كلمة السيد حسن نصرالله (أمين عام حزب الله) التي قال فيها خطر الارهاب التكفيري يهدد المنطقة، المشكلة ليست في التكفير بل انهم عندما يكفرون لا يقبلون هذا الاخر الذي يختلف عقائديا او سياسيا معهم او فكريا، بل يذهبون الى الاستباحة والالغاء والشطب، وحذر أمين عام (حزب الله) من ان انتصار التكفيريين في سوريا سيضعف تيار (المستقبل) والجماعة الإسلامية في لبنان!. ما يفهم من كلام (نصرالله) أن حزبه عدو للتكفيريين، وأنه يختلف عنهم شكلا وموضوعا لدرجة حرصه على بقاء خصومه في مسرح السياسة اللبنانية وعلى رأسهم (تيار المستقبل) بزعامة سعد الدين الحريري، فهل هذا صحيح؟!. بطرابلس، في مايو 2007، انفجرت أولى قنابل الإسلام السياسي في لبنان بالصراع بين تنظيم (فتح الإسلام) والجيش اللبناني. أسس التنظيم الضابط الفلسطيني شاكر العبسي الذي كان محكوما في سجون البعث بدمشق، أطلق سراحه بشار الأسد بعفو خاص ليأتي إلى لبنان مأسسا تنظيمه التكفيري الذي انشق عن تنظيم (فتح الانتفاضة). في ذلك الظرف كان سعد الدين الحريري مسيطرا تماما على زعامته السنية، أراد بشار الأسد ان يضعفه باجتذاب سنة الشمال إلى تنظيم تكفيري يستقوي بالظروف الاقتصادية – والاجتماعية – الصعبة في تلك المناطق. منذ انتصار الجيش اللبناني، عناصر التنظيم محتجزة في سجن (رومية) شرق بيروت، لم يحاكموا إلى الآن، ولن يحاكموا حتى يسقط نظام بشار الأسد. ما يهمنا من هذه القصة، أن الذي أصدر قرار تصفية التنظيم التكفيري هو رئيس الوزراء – ورئيس كتلة تيار المستقبل الآن – فؤاد السنيورة ومن اعترض على ذلك في خطاب تلفزيوني هو السيد حسن نصرالله يوم قال: النهر البارد خط أحمر!. في أغسطس 2008، وقع (حزب الله) وثيقة تفاهم مع التيار السلفي – على غرار وثيقته مع التيار العوني – أرادت بناء تحالف يستهدف إضعاف تيار المستقبل وزعيمه سعد الدين الحريري سنيا لصالح أسماء لها توجهات إقصائية معروفة كالشيخ صفوان الزعبي ود. حسن الشهال، لكن تلك المحاولة لم يكتب لها النجاح أيضا. إن الجهات التي وقع معها (حزب الله) بالأمس كحلفاء مخلصين ومستقلين أصبح يراها اليوم خطرا يهدد المنطقة بتمويل من السعودية وتيار المستقبل!. العلاقة بين (حزب الله) والجماعات التكفيرية لا يمكن فهمها من دون الإشارة إلى الدور القطري في لبنان. بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان لـ (قطر) دونا عن دول الخليج والعرب رأي منفرد: دعم قوى الإسلام السياسي (وهو نفس ما جرى على هامش الثورة السورية مؤخرا: اتجهت دول الخليج لدعم الجيش الحر واتجهت قطر لدعم جبهة النصرة وجماعة الإخوان). أدى ذلك إلى ان تصطف (قطر) مع المحور السوري – الإيراني في لبنان والمنطقة. كانت نهاية معركة النهر البارد إشارة الانطلاق بالنسبة لقطر للتغلغل في النسيج السني شمال لبنان عبر السلفيين وفصائل الاسلام السياسي، انهالت الأموال ودعوات الزيارة إلى الدوحة لتلك الشخصيات والمؤسسات التي بنت تحالفها مع (حزب الله) – فيما بعد – ضد تيار المستقبل. في تلك الفترة تعاظم حضور شخصية إشكالية شمال لبنان، هو الشيخ عمر بكري فستق الذي عاد من لندن بعد تصريحات تعاطفت مع منفذي تفجيرات لندن عام 2005. صرح (فستق) بعد اغتيال الحريري الأب قائلا: اغتيال رفيق الحريري في خدمة الإسلام والمسلمين لأنه لم يحكم بما أنزل الله. لم تبق مؤسسة سلفية شمال لبنان إلا وانتسب (فستق) لها، كان يجول بين مجالس السلفيين المتخاصمين والمتحالفين نجما تسلط عليه الأضواء وتستمد منه النصائح. لم تنقطع زيارات عمر بكري للدوحة، ولم تتوقف مباهاته بالدعم القطري (الشامل) له معنويا وماديا، تكفلت قطر بجيش من المحامين مهمته الدفاع عن (فستق) في ظل الاعتقالات المتعددة التي تطاله والقضايا التي لا تنتهي ضده من المؤسسات الأمنية. بوصلة (فستق) متناغمة تماما مع الرادار القطري في لبنان والمنطقة، حين وصل إلى لبنان كان يعتبر (حزب الله) كافرا، وحين تحالف الحزب مع قطر اعتبرهم مسلمين من أهل القبلة، وحين انقلبت سياسة قطر على بشار الأسد – بعد الثورة السورية – عاد مصنفا الحزب من الكفار!. ما جرى باختصار، ان تحالف (حزب الله) مع قطر كان واسطة للتحالف بين الحزب والتيارات التكفيرية التي تنتمي للإسلام السياسي، (حزب الله) أراد استهداف تيار المستقبل وزعيمه سعد الحريري، وقطر أرادت مناكفة السعودية في المنطقة وإضعاف نفوذها في لبنان. انتهت العلاقة بين قطر والحزب، فاندلعت الخصومة بين التكفيريين و(حزب الله). في المرحلة القريبة، قامت قطر بإنتاج نسخة أخرى من الإسلام السياسي تناسب توجهاتها الجديدة، إنه الشيخ أحمد الأسير في صيدا جنوب لبنان. قبل اختباء الأسير لم تلتفت له أي دولة عربية إلا قطر عبر دعوة رسمية لزيارة الدوحة. الرئيس اللبناني السابق إميل لحود رغم خصومته مع السعودية صرح: أحمد الأسير مشروع قطري هدفه تخريب لبنان. (لحود) يعرف جيدا ان السعودية استبعدت الإسلام السياسي من أدوات حركتها الدولية منذ أحداث سبتمبر 2001. خطابات حسن نصرالله، وقرار مشاركته ضد الثورة السورية، مؤشرات تثبت أن السيد وحزبه الإلهي يعرفون سوريا وإيران جيدا، لكنهم لا يعرفون أي شيء عن لبنان. عمامة السيد حسن نصرالله – في مجتمع طائفي – حفزت التيارات الدينية والتكفيرية في الطوائف الأخرى للانقضاض على الزعامات المدنية وإضعافها. تبع ذلك أن الحزب نفسه سبق التكفيريين – الذين يتهمهم اليوم بالإقصاء – واتهم خصومه جميعا بأنهم خونة وعملاء لإسرائيل. لم يتوان الحزب عن استغلال أي فرصة لإذلال وإضعاف سعد الدين الحريري إلى درجة إسقاطه من رئاسة الحكومة ومنعه من العودة إلى لبنان بتهديد صريح بالقتل كما جرى مع والده. هكذا دعم الحزب – بشكل مباشر في زمن التحالف وبشكل غير مباشر في زمن الخصومة – السلفيين الذين يكفرون الجميع ضد سعد الحريري وضد لبنان كله!. إن الجهات التي تستهدف الضاحية الجنوبية وحزبها اليوم، هي نفس الجهات التي تحالفت مع (حزب الله) بالأمس لاستهداف سعد الحريري وتيار المستقبل. مدت قطر تلك الجهات بالاموال كما مدها (حزب الله) بالسلاح، أرادها الحزب معركة بين السلفيين وتيار المستقبل، فانتهت بانفجارات تدمي الضاحية ورصاصات تغتال رجاله في لبنان وسوريا. وهكذا أصبح الحزب شريكا في ضرب مناطقه وجمهوره. بالتزامن مع صحيفة (العرب) اللندنية
مشاركة :