في معنى أن تكون فناناً

  • 2/22/2014
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

ما هي طبيعة عمل الفنان؟ أن يبدع في مجاله؟ أن يرسم أو يؤلف أو ينحت طرقاً جديدة للتعبير عن الانفعالات والمشاعر؟ أن يشعرنا بالدهشة والسعادة والفضول والرغبة في ممارسة الحياة؟ لا شك أن كل تلك صفات الفنان مهما كان مجال إبداعه، سواء كان كتابة أو رسماً أو تصويراً أو تمثيلاً أو تلحيناً أو ما وراء ذلك. لكن هل هذه هي الوظيفة الفعلية للفنان؟ أن يتحول إلى صاحب حانوت ماهر يعرض بضاعته الجميلة المبهرة فحسب؟ كيف تتشكل علاقة الفنان/ المبدع بجمهوره؟ وهل تقتضي تلك العلاقة شيئاً أبعد أو أعمق من أن يقدم لهم فنه الجميل ويمضي؟ والسؤال الأكثر حساسية، ما هي علاقة المبدع بالمؤسسة أو السلطة؟ وهل يفرض عليه فنه أن يبقى على مسافة ما من تلك السلطة كي لا يفقد استقلاله أو تتلوث رؤيته؟ أم أن في كل ذلك تحميلاً للفن أكثر مما يحتمل وأنه ليس مطلوباً من الفنان أكثر من أن يبدع بغض النظر عن موقفه السياسي أو الاجتماعي. بمعنى آخر هل يكفي الفنان أن يكون صادقاً في فنه ومداهناً أو غير نزيه في حياته العامة؟ أم أن الصدق الفني لابد أن ينبع عن صدق ونزاهة شاملة يطبقها المبدع على أرض الواقع؟ للكاتب والمؤرخ الأمريكي «هوارد زن» رأي جدير بالتأمل في طبيعة دور الفنان في الحياة، فهو يرى أن الفن والفنانين يمثلون كفة الميزان المناوئة والموازنة للسلطة والإعلام وأن المبدع تقع عليه مسؤولية أن يكشف ويبين الحقيقة عبر فنه، تلك الحقيقة التي تجاهد السلطة وآلتها الإعلامية لتزييفها خصوصاً في زمن الحروب. على الفنان -حسب زن- أن يتجاوز المؤسسات المسيطرة وأن يخالف الرأي السائد ويفر مما تفرضه السلطات أو يقوله الإعلام للناس الذين هم جمهوره. ويستشهد بقول بيكاسيو «الفن هو كذبة تجعلنا ندرك الحقيقة» ويضيف «الفن يبتعد عن الواقع ويخترع شيئاً قد يكون في النهاية أكثر دقة عن العالم مما تصفه أو تظهره صورة!». ويستعرض زن في كتابه «فنانون في زمن الحرب» الذي ترجم للعربية مواقف «مشرفة» لكتاب وشعراء ومغنين تجرأوا على الوقوف في وجه السلطة والجماهير في ذات الوقت، وغامروا بسمعتهم وحريتهم في مقابل الدفاع عن رأيهم، فيذكر موقف الكاتب الشهير «مارك توين 1835 1910» الذي عارض غزو بلاده للفلبين في ذلك الوقت واستنكر أعمال الإبادة الجماعية ضد السكان العزل فتعرض لحملة إعلامية شديدة اتهمته بالخيانة وانتفاء الوطنية ولكنه ازداد تمسكاً برأيه وقال في إحدى كتاباته «إن الولاء الحقيقي الذي أؤمن به هو الولاء لبلد الشخص وليس للسلطة أو أصحاب المناصب في السلطة، البلد هو الشيء الحقيقي، الشيء المهم، الشيء السرمدي، الشيء الذي يجب أن نحرسه ونكن له الولاء، المؤسسات تعتبر ثانوية، إنها تعتبر مجرد ملابس والملابس يمكن أن تتلف وتصبح بالية!». دعونا نتساءل قليلاً ماذا لو طبقنا مقاييس هوارد زن على المبدعين في عالمنا العربي؟ كم مبدعاً سيصمد في القائمة؟ وقبل ذلك هل يستطيع المبدع أن يمارس استقلاليته على طريقة مارك توين ويجد وقتاً ليعيش ويكتب وينشر ما كتب؟

مشاركة :