لانس جونسون: نواجه مشكلة كبيرة في التعامل مع شعوب تختلف ثقافاتها عن ثقافتنا

  • 2/22/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

واشنطن: محمد علي صالح عرف عن لانس جونسون افتتانه بثقافات وطنه أميركا والدول الأخرى، واختلافاتها، وتشابهاتها. وتدور معظم كتبه حول هذا المحور، وخاصة المشكلات التي يواجهها الأجانب في الولايات المتحدة. وقد تخرج جونسون في جامعة أكسفورد، ثم عمل محاضرا في الكثير من الجامعات والمعاهد والمؤسسات الأميركية. وتولى إدارة مؤسسة استشارية عالمية لمدة 26 سنة. ثم تقاعد، وتفرغ للرحلات والكتابة. زار 49 ولاية أميركية، و81 دولة، ليخرج لنا بآخر كتبه: «ما يجب أن يعرف الأجانب عن الأميركيين». هنا مقابلة معه عن الاختلافات الثقافية التي تشكل أحيانا أرضية للالتقاء بين الشعوب، وأحيانا أخرى عداء وبغضا قد يصلان لحد العنصرية. * من هو «الأميركي»؟ - أولا: ما هي أميركا؟ أميركا هي «تدفق هائل من الناس.. أنواع مختلفة من البشر، وعقائد مختلفة، وتطلعات مختلفة، وآمال مختلفة، وأحلام مختلفة». هذه ليست كلماتي، بل كلمات جيمي كارتر، رئيسنا خلال السنوات 1977 - 1981. استثناء عن أي دولة أخرى في العالم، تسمح الولايات المتحدة بأكبر هجرة سنوية إلى أراضيها. وتساوي هذه الهجرة الهجرات التي تسمح بها كل دول العالم الأخرى مجتمعة. في عام 1970، كان واحد من كل 20 أميركي مهاجرا من بلد أجنبي. اليوم، صارت النسبة واحدا في كل تسعة. من هو «الأميركي»؟ إنه صاحب «أميركان سبيرت» (الروح الأميركية) المنافسة، منذ أكثر من أربعمائة سنة. روح آبائنا الذين نفروا من الكبت والظلم. الروح التي تقول لنا بأننا يجب أن نكون الأوائل. ليس هذا عن الادعاء والاستعلاء، ولكن عن الإنجازات، التي يراها الأميركي والأجنبي معا. * ومن هو «الأجنبي»؟ - يقول القاموس إنه هو «الشخص الذي ليس مواطنا في وطن ليس وطنه». لكن، أنا أقول، ببساطة، إن الأجنبي هنا، في الولايات المتحدة، هو الذي ليس على دراية كفاية بثقافتنا. ويمكن أن يكون مواطنا أميركيا هاجر من دول أجنبية، لكن، لا يفهم ثقافتنا فهما كثيرا كما يريد. يشمل هذا التعريف أصدقائي المتجنسين المولودين في الخارج، الذين عاشوا هنا 20 عاما، ولا يزالون يصارعون ثقافتنا، وطريقة حياتنا، ولغتنا، وتصرفاتنا، ويريدون أن يكونوا مثلنا. وحسب تعريفي هذا، يمكن أن يكون الأجنبي من الجيل الأول من الأميركيين (الذين ولدوا في أميركا)، لكن، لا يسمح والداه له بأن ينغمس في ثقافتنا انغماسا كاملا. عادة، يفعل هؤلاء الآباء هذا بحسن نية. يرسلانه إلى مدارس خاصة بلغتهما وثقافتهما. لكنه يدفع الثمن عندما يكبر ويدخل معترك الحياة الأميركية الحقيقية. * بعد سفراتك في دول أجنبية كثيرة، ومقابلاتك لأجانب كثيرين هنا في أميركا، ما رأي الأجانب في الأميركيين؟ - عندما أسافر إلى دول أجنبية، أو ألقي محاضرات هناك، تصيبني الدهشة بسبب غرام الناس بكل ما هو أميركي. لغتنا، حكومتنا،، أفلامنا، أغانينا، حتى سلوكنا الشخصي. بل حتى صورتنا السلبية على الساحة العالمية. يريد الأجانب أن يعرفوا لماذا لغتنا الإنجليزية «مجنونة»؟ ولماذا نريد أن نكون شرطة العالم؟ ولماذا نشعر أننا أفضل من أي شعب آخر؟ ولماذا لا نحب الأجانب، لكننا نحب الحروب؟ ولماذا لا نشارك ثروتنا مع شعوب العالم الفقيرة؟ ولماذا نأكل ونشرب كثيرا، وبكميات كبيرة، حتى صرنا أسمن شعوب العالم؟ ولماذا نفضل السيارات الكبيرة؟ وهل هناك علاقة بين السيارات والسمنة؟ عادة، أبتسم عندما يقول لي الأجانب إننا، الأميركيين، نردد كلمة «إكسكيوز مي» (عفوا) أكثر مما يجب، ولأي سبب بسيط. ابتسم لأني أعتقد أننا نقولها أقل مما يجب. * هذا عن رأي الأجانب في الأميركيين. ما رأي الأميركيين في الأجانب؟ - قبل سنوات قليلة، كنت في رحلة بحرية. مررنا بموانئ آسيوية. وشعرت بالقلق لأن السفينة ستزور مدينتين في فيتنام (هانوي، ومدينة هوشي منه). وبدأت أسأل نفسي: هل لا يزال الفيتناميون يعتبروننا أعداء بسب التدخل العسكري الأميركي في حرب فيتنام، خلال السنوات 1963 - 1975؟ لكن، وجدت غير ذلك. عندما اقتربت البنات منا، ابتسمن، ولوحن لنا بأيديهن، وكن يتضاحكن مع بعضهن في سعادة. في تلك اللحظة، وأنا أجلس في تلك الحديقة، سألت نفسي عن المفاهيم الخاطئة الأخرى التي في ذهني، عن الفيتناميين، وعن فيتنام البعيدة عن الولايات المتحدة بمقدار 14 منطقة زمنية. تعلمت درسا آخر من تلك الزيارة. كنت أعتقد أن الفيتناميين لا يزالون يكرهوننا بسبب الدمار الذي تركناه في بلدهم قبل أربعين سنة تقريبا. مثلما فعل الفرنسيون قبلنا. فقدنا نحن هناك قرابة ستين ألف جندي. وفقد الفيتناميون الملايين. لكن، رغم ذلك، كان الفيتناميون وديين حقا معنا، نحن الأميركيين. وقال لنا الدليل السياحي الفيتنامي: «انتهت الحرب منذ فترة بعيدة. وفتحنا، جميعا، صفحة جديدة». وقلت لنفسي: «كم كان الحال سيكون أحسن إذا استطعنا أن نكون مثل هؤلاء الناس. وإذا استطعنا أن نحذو حذوهم». في تلك الليلة، بعد أن عدنا إلى السفينة، قررت أن أكتب كتابي عن الأجانب، وعن العلاقات بيننا. * كأميركي، كيف تتعامل مع تصرفات الأجانب هنا في أميركا، وهي تصرفات يمكن أن توصف أحيانا بالتخبط، إن لم يكن بالجهل؟ - بالقرب من منزلي، يوجد مطعم «ماكدونالدز»، حيث أكل من وقت لآخر. ولاحظت أن أغلبية الشبان والشابات الذين يعملون في المطعم من الجيل الأول من الأميركيين المكسيكيين، الذين لا يجيدون اللغة الإنجليزية. لهذا، عندما كنت أتناول قهوة الصباح في المطعم، ووجدت أن القهوة بردت، أخذت الكأس إلى عاملة في المطعم، وقلت لها: «من فضلك سخني القهوة». قصدت أن تضيف إليها قهوة ساخنة. لكنها نظرت إلي نظرة استغراب، واعتقدت أني أريد منها أن تسخن الكأس نفسها. وما كان منها إلا أن وضعت الكأس في المايكروويف. تزيدني تنويرا مثل هذه الاختلافات الثقافية. لكنها، أيضا، تجعلني أتأكد من الصعوبات التي يواجهها الأجنبي في بلدنا. وأن الحياة في بلدنا، حقيقة، معقدة. أو، كما قال لي بعض الأجانب، «أميركا بلد مجنون». ولا يقتصر الأمر على شعوب العالم الثالث. واجهت مشكلات مماثلة مع أوروبيين. * تعكس استطلاعات الرأي في الدول الأجنبية عدم ارتياح للسياسة الخارجية الأميركية، وللسيطرة الاقتصادية الأميركية، وللتدخلات العسكرية الأميركية. مثل حرب العراق. كيف تفسرون ذلك؟ - ما قلته صحيح. وأنا ذكرت ذلك في كتابي. وهذا يكشف أننا نواجه مشكلة كبيرة في التعامل مع الشعوب التي تختلف ثقافاتها عن ثقافتنا. خاصة ثقافاتهم الأعرق قدما، وأعمق جذورا، وأكثر محافظة. لكن، أوضحت نفس الاستطلاعات أن الأجانب الذين زاروا بلدنا، أو لهم علاقات معنا في مجالات مثل الاستثمارات والتجارة والتعليم، هم أكثر إيجابية نحونا. يوضح هذا أن المعرفة المباشرة تساعدنا، كلنا، على فهم أفضل لبعضنا البعض. ولكن، رغم هذا الانخفاض في الجاذبية الأميركية الشاملة، تظهر الدراسات أن ثقافتنا وقيمنا وحضارتنا تظل منارات العالم. * مثل ماذا؟ - لدينا أربع فضائل رئيسة: الامتنان، والصدق، والنزاهة، واللطف. وهي ليس فقط نظريات، ولكنها أعمال نعملها، ونمارسها في حياتنا اليومية، ومع أي شخص، أميركي أو أجنبي. وأعتقد أن فهم الأجانب لهذه الأشياء فهما صحيحا، ومن دون انحياز، يساعدهم على فهمنا على حقيقتنا. بل، يساعد على انتشار هذه العوامل، ويساعد على انتشار ثقافتنا. * إذن، لماذا صار الأميركيون هدفا للانتقادات عالميا؟ - نحن ندرك ذلك. كل عام، يسألنا مركز «غالوب» في استطلاعاته الشهيرة عن رأينا في نظرة العالم إلينا. في عام 2012، عندما سئلنا إذا كنا راضين عن نظرة العالم لنا كانت نسبة الذين قالوا «نعم» 53 في المائة. هذه نسبة عالية جدا بالمقارنة مع نسبة عام 2008، آخر أعوام الرئيس السابق بوش في البيت الأبيض. في ذلك الوقت، كانت نسبة الذين قالوا «نعم» 30 في المائة فقط. * لماذا هذه الصورة السلبية في جميع أنحاء العالم؟ - خلال مقابلاتي مع أجانب، هنا وفي الخارج، سمعت أسبابا كثيرة. سمعت شكوى متكررة من الأوروبيين بأننا لا نعرف الكثير عن أي شعب، ولكن عن أنفسنا. إلى حد ما، هذا صحيح. نحن نتكلم لغة واحدة فقط. ولا نسافر إلى الخارج كثيرا. ونميل إلى التركيز على الأخبار المحلية. ونحب العمل (حسب إحصائيات عالمية، نحن نعمل ساعات في الأسبوع أكثر من أي شعب آخر). لهذا، يقول الأجانب بأننا لا نهتم بالشعوب الأخرى. لكن، ببساطة، ليس هذا صحيحا بالنسبة للأميركي العادي. * لا بد أن تكون عند الأجانب، وعند الأميركيين، أفكار وتصورات ثقافية خاطئة عن بعضهم البعض؟ - هناك كثير من الأفكار الخاطئة. وعندي عشرات الأمثلة. منها: أولا: قبل أن أزور المغرب، كنت ضحية الصورة المشوهة للثقافة الإسلامية، بسبب تركيز إعلامنا على المتطرفين الإسلاميين، وعلى الإرهاب. وفي المغرب، سألت الدليل السياحي المغربي عن ملاحظة لاحظتها في كثير من المساجد الإسلامية، وهي وجود ثلاث كرات معدنية في أعلى المآذن والقباب، فأجابني أنها رمز بأن اليهود والمسيحيين والمسلمين إخوان، ويجب أن يتعايشوا مع بعضهم البعض. ثانيا: في المكسيك، سألني المرشد السياحي المكسيكي عن سبب تسمية أنفسنا «أميركيين» بينما كل شعوب أميركا الشمالية والوسطى والجنوبية أيضا «أميركية»؟ وفي رأيه هذا يدل على أننا أنانيون، ونحب أنفسنا، ونسيء إلى جيراننا. فشرحت له بأن «الولايات المتحدة الأميركية» هي الدولة الوحيدة التي في اسمها الرسمي كلمة «أميركا». هذا من الناحية الرسمية. ومن الناحية العملية، وجدنا أن استعمال كلمة واحدة، بدلا عن كلمات كثيرة، أسهل نطقا، وأقرب فهما، وأكثر توفيرا للوقت، وأكثر ودا. ثالثا: تؤثر الاختلافات الثقافية حتى في المعاملات التجارية في جميع أنحاء العالم. مثلا: شركة «وول مارت» الأميركية، صاحبة أكبر متاجر في العالم، فوجئت بأنها ليست ناجحة كما توقعت في دول مثل: كوريا الجنوبية، واليابان، وألمانيا. ثم اكتشفت أن عوامل النجاح في الولايات المتحدة تختلف عنها في تلك الدول. مثلا: هنا تركز على الأسعار المنخفضة (بسبب المنافسة مع شركات أخرى). وتركز على مراقبة المخزون مراقبة دقيقة (حتى لا تنفد البضائع، وتصاب بحرج، وتفقد زبائن). وتركز على التودد نحو الزبائن (لإضافة نكهة إنسانية للمعاملات التجارية). وتركز على توفير مجموعات كبيرة من الخيارات، لأن ذلك يعطي الأميركي إحساسا بحرية أكثر (جزء من الإحساس والفخر بالحرية الأميركية، في كل شيء، وفي كل مجال). لكن وجدت الشركة أن شعوبا أخرى لا تحس نفس هذه الأحاسيس، أو، على الأقل، لا تركز عليها. وبعد دراسات كثيرة، أجرت الشركة عدة تغييرات. مثلا أن لا يبتسم العاملون والعاملات للزبائن، وأن لا تقول العاملات عبارات مثل «كيف أنت اليوم؟»، لأن كثيرا من الرجال في الدول الأجنبية يعتبرون ذلك نوعا من الغزل! * يقول بعض الأجانب إن الأميركيين مصابون بـ«عقدة الاستعلاء»؟ - أبدا، ليست هناك عقدة استعلاء. لكن، لا أنفي أننا نحب أن نتنافس، وطبعا، نحب أن نفوز. بداية من الرياضة، ونحب أن نتفوق على غيرنا في كل المجالات. أما عن سر نجاحاتنا، خاصة في الاختراعات، فهذا ينبع من تراثنا.. من أجدادنا الذين جاءوا إلى هنا قبل أربعمائة سنة تقريبا، لتحسين حياتهم، وأسسوا هذا الصرح القوي، الحر، المبدع، حيث يستطيع الشخص أن ينجح من دون تدخل من الحكومة، ومن دون اعتماد عليها. * في الجانب الآخر، يقول بعض الأميركيين إن الأجانب يحسدونهم، لأنهم غير متطورين، وغير متقدمين مثلهم. ولهذا، عند الأجانب «عقدة النقص»؟ - ليس هذا صحيحا بالنسبة للغالبية العظمى من الأميركيين. إذا بحثت، ستجد أن مدارسنا، ومدننا، وحكوماتنا المحلية والفيدرالية، تعمل، ليلا ونهارا، للتقرب إلى «الأجانب»، ولمساعدتهم على تحسين حياتهم في الوطن الجديد الذي اختاروه. وإذا نظرت إلى ما يحدث في واشنطن العاصمة، في الكونغرس مثلا، ستجد مشروع قانون ضخم وعملاق لحل مشكلة الذين جاءوا إلى هنا بطرق غير قانونية. يوضح هذا أننا لسنا مثل شعوب أخرى في نظرتنا نحو الأجانب. وذلك لأن جذورنا، نحن الأميركيين، أجنبية. عندما كنت صغيرا، أتذكر أن عائلتي كانت ترسل بعض ملابسي التي لم أعد أحتاج لها إلى الدول الأوروبية الفقيرة، وذلك بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. لهذا، إذا نظرت وبحثت، ستجد أن تقاليد «مساعدة الجيران» مغروسة في ثقافتنا، وتنعكس في أعمالنا. * مع الانتشار السريع للثقافة الأميركية، خاصة خلال الأفلام والبرامج التلفزيونية، ينتقد كثير من الأجانب مناظر التعري والإباحية والجنس. ويسألون: هل هكذا الحياة اليومية في أميركا؟ أليست أميركا هي الدولة الغربية الأكثر تدينا؟ - بالإضافة إلى «التعري» و«الإباحية» و«الجنس»، تقدر على أن تضيف «الألفاظ النابية» و«العنف». لا أنكر ذلك. لكن، ألاحظ أن هذه الأشياء موجودة في الأفلام الأجنبية التي تعرض هنا. أنا أعتقد أن هذه الظواهر مرحلة تاريخية نمر بها. وربما تعكس تراجع دور الدين في المجتمع الأميركي. لكن، لا ينبغي أن يقود ذلك إلى تدخل الحكومة في حياتنا. نحن لا نريد من الحكومة أن تتدخل في هذه الأمور وغيرها من المواضيع الفردية.

مشاركة :