تعد منطقة العين بما تضمه من واحات، مفردات جمالية ومعمارية لا يدرك جمالها ولا يعرف قدرها إلا من اضطر إلى ركوب الرمال المتحركة وسط الصحراء. ولا تتفق المصادر والأدلة التاريخية على تاريخ نشأة الواحات في منطقة العين، أو كيفية تطورها ومتى بدأ استيطانها، لذا من الصعب القول إن واحة بعينها هي أولى الواحات. ومع ذلك ليس هناك ما يجعلنا نستبعد فرضية أن واحات مدينة العين، وخصوصاً واحة الهيلي كانت مأهولة بالسكان منذ 5000 عام، إذ إن المؤكد أن هذه المنطقة كانت مهداً لحضارة زاهرة، والمعروف أن الحضارات لا تنشأ إلا في الأماكن التي تتوافر فيها مقومات الاستيطان، وفي مقدمتها المياه. وبشكل عام، تشير الشواهد التاريخية إلى أن أغلبية واحات العين كانت مأهولة بالسكان منذ نحو 3000 عام، ورغم أنه لا توجد أرقام محددة عن عدد السكان؛ فإن المقابر الموجودة والمباني الأثرية تدل على نوع من التمركز السكاني والحياة المزدهرة. عرفت مدينة العين على مر العصور، بأنها مهد الحضارة ومدينة التاريخ، وتميزت كواحات مزدهرة تجذب إليها الأهالي والرحالة والتجار والمسافرين للاستراحة، وهو ما أكدته التنقيبات والمكتشفات الأثرية، التي دلت على أن العين منطقة تنبض بالحياة منذ أكثر من 5000 عام. وقد حظيت واحات العين بشهرة واسعة منذ أكثر من 200 عام؛ لذا زارها العديد من الرحالة الأجانب الذين كتبوا عنها، وجذبهم إليها صيتها كجنان بعبق التاريخ، وواحات وارفة الظلال وسط صحراء قاحلة جرداء، تعدّ امتداداً جغرافياً طبيعياً لصحراء الربع الخالي الأسطورية المهيبة، التي كانت مغامرة عبورها تجتذب الكثير من الرحالة المغامرين. إن صفحات التاريخ توثيق وبرهان لما تتمتع به العين من جو مميز، وملجأ لسكان الإمارات، كما تضم عدداً من الشواهد المعمارية الراسخة، منها قلعة المريجب الشهيرة واحدة من أقدم القلاع الست في مدينة العين، التي يتفق الباحثون على أن الشيخ شخبوط بن ذياب آل نهيان شيدها في بدايات القرن التاسع عشر، لتكون حصناً للدفاع عن المنطقة ومكاناً لإقامته واستضافة من يفد إليه، وحماية موارد المياه المحلية. وفي عهد حكم الشيخ زايد الأول شرع في بناء قلعة الجاهلي في العام 1891، وانتهى بناؤها في العام 1898، وشكلت مكاناً مناسباً للاستخدام كمأوى في فصل الصيف وفي بعض الحالات الطارئة. وتذكر مصادر تاريخية أخرى أن الشيخ سلطان بن زايد الذي حكم ما بين 1922 - 1926، ابتنى له قصراً شرقي العين، بعد وفاة والده زايد الكبير، ومازال هذا القصر قائماً حتى الآن. وقد أبدى الشيخ سلطان اهتماماً واسعاً بأمور الزراعة والري، وأمر بحفر فلج المويجعي، واستغرق ذلك عامين كاملين ما أدى إلى ازدهار قرية المويجعي. وفي الجهة الغربية من الواحة يوجد قصر العين، الذي يعود بناؤه إلى العام 1937، وكان محل إقامة المؤسس الراحل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في العين بين عامي 1937 و1966، وتم افتتاحه كمتحف في العام 2001. جنان بعبق التاريخ واحات العين جنان بعبق التاريخ، منذ القدم يشعر فيها المقيم والمسافر بطيب الهواء ويتذوق عذب الماء ويستظل بالأشجار. وعند الوصول إلى واحة العين فلا بد أن يستولي على الإنسان الإحساس بعظمة هذا المكان، القائم وسط صحراء شاسعة تحيطه من ثلاث جهات، وفي الجهة الرابعة جبال عالية يستعصي عبورها. ويوضح المواطن عبدالله الدرمكي أن واحات العين تشكلت عن طريق نقل المياه من العيون، عبر قنوات الأفلاج، حيث يتم تجميع المياه تحت السفوح، ومن هناك تبدأ القنوات بتجميع المياه وتقسيمها على الواحات. ويضيف أن أهل الواحات لا يزالون يمارسون الزراعة كما مارسها آباؤهم وأجدادهم، ويمكن مشاهدة آثار سدود في هذه المناطق شيدت للتحكم في الأمطار، وقد وجدت في المكان كتابات دونها أصحابها للإشارة إلى الغلة الوافرة والحصاد الغزير، أرض خصبة أو لحفر بئر تزود بماء للسقي والزرع، ووجود هذه الكتابات دليل على وجود حضارة قديمة في هذا المكان. ويقول الدرمكي: بمرور الوقت أضحت واحات العين، وما بها من العيون والآبار مستوطنات لإمداد المسافرين بالماء والتمر وبالحبوب والخضراوات، حيث رسم الماء وسط الصحراء لأصحاب القوافل خطوط سيرهم إلى المواضع التي يريدون الوصول إليها، وحدد لهم معالم الطرق وأماكن الراحة. ويؤكد أنه قبل ظهور النفط كانت العين مصدر غذاء أساسياً لسكان الإمارات؛ فلم تكن تكتمل مائدة سمك الساحل إلا بخضراوات وتمور العين. ويتابع: كانت أيضاً مصيف الإمارات وسوق عمل وغطاء نباتياً وسط الصحاري، ومصدر غذاء لعدد كبير من أبناء القبائل الذين كانوا يفدون إليها في موسم جني التمور. إنها البقعة الأكثر اخضراراً في الإمارات قبل أن تبدأ عملية التشجير المستمرة، منذ تدفقت عوائد البترول إلى يومنا هذا. ويصفها بالقول: بلدة مياه جارية وأشجار نخيل باسقة وخضراوات وفواكه، في وقت كانت فيه المياه والخضرة في محيطها الصحراوي الممتد إلى الربع الخالي شديدة الندرة. ويتذكر زمناً كان السكان فيه يعيشون على التمر واللبن والمزروعات التي تنبتها الأرض، مثل القمح والشعير، وكانت مزارع النخيل في القطارة والجيمي تعود إلى عدد من الأفراد والأسر توارثوها من أسلافهم. ويضيف: كانت العين جنة في الأرض، وكانت تتكون من العديد من القرى المزروعة بالنخيل وأشجار الفاكهة، مثل الهمبا المانجو واللومي الليمون، والخضرة الخضراوات، وكان فيها أفلاج مشهورة، مثل الداوودي والعيني والجيمي. ولا تزال مدينة العين تعد من المراكز الزراعية الأساسية في أبوظبي. كما لا تزال هذه المدينة الواقعة على مشارف جبل حفيت، تمنح زوارها وقاطنيها على حد سواء ملجأ من حرارة الصحراء، وكثيراً من البهجة وجمالاً طبيعياً، ومعماراً يمزج بين عبق الماضي ونبض الحاضر، فتلك القصور والحصون والقلاع بنوافذها وأقواسها التي تأخذك إلى زمن آخر، تقف بشموخ بالقرب من مباني المكاتب الحديثة التي تضم الوزارات والمؤسسات الحكومية وإدارات الشركات. كما أنها المدينة التي تعددت ألقابها، بداية من المصيف الأول الذي قصده العامة والخاصة وصناع القرار والتجار والرحالة، ومروراً بالعين دار الزين، ووصولاً إلى مدينة الخضرة والنماء. وتوجت ألقابها بتحقيق إنجاز بإدراجها كأول موقع إماراتي على قائمة التراث العالمي للبشرية. (وام)
مشاركة :