دبي: الخليج في وقت تقوم العديد من دول العام باتباع سياسات تشدد مالي وتقشف، بسبب الانخفاض الكبير في أسعار النفط والتقلبات المالية والاقتصادية العالمية، تواصل دبي توسعها المبني على عوامل قوة، بفضل التنوع الذي حققته الإمارة خلال المرحلة الماضية. يستند اقتصاد دبي على قاعدة متنوعة، لا تعتمد على النفط مصدراً أساسياً للدخل، ما يعتبر مثالاً للتميز في تبني اقتصادات مرنة لا تتأثر بالتقلبات. وحقق النهج الاقتصادي للإمارة الأهداف المرجوة منه، علاوة على أن الأداء الاقتصادي في الإمارة يتوجه نحو تحقيق المزيد من النمو المستدام خلال السنوات المقبلة. ويتوقع الخبراء أن يواصل اقتصاد الإمارة نموه بنسبة 4% خلال العام الجاري، ليكون الأفضل أداءً بين اقتصادات دول الخليج. وفي الوقت الذي تشهد فيه اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي تباطؤاً في معدلات النمو، في ظل انخفاض أسعار النفط الخام، خالفت دبي هذا الاتجاه، وكشفت عن كيف يمكن للاقتصاد المتنوع، أن يساعد الدول في الحفاظ على وتيرة نموها، وصد تقلبات دورة السلع. تمكنت دبي، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي التي أُعلن عنها في مايو/أيار من العام 2016، من تسجيل معدل نمو حقيقي بنسبة 3.6% خلال العام 2015، مع توقعات بتحقيقها لمعدل نمو صحي خلال العام الحالي، ليصل إلى 3.7%. ومن المنتظر أن يسهم الأداء الاقتصادي لدبي في تعزيز معدلات النمو المتوقعة لدولة الإمارات خلال العام 2016، والتي قدرها صندوق النقد الدولي ب 2.4%، مقارنة بنسبة نمو 1.8% لدول مجلس التعاون الخليجي خلال العام الجاري. ومع اقتراب موعد معرض إكسبو 2020، من المنتظر أن تتجاوز معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي لدبي حاجز ال4%. في الواقع أن رئيس بعثة صندوق النقد الدولي لدولة الإمارات العربية المتحدة، الزين زيدان، أعلن أن الاستعدادات لمعرض إكسبو 2020 ستقود نمواً متسارعاً يتجاوز 5% بحلول العام 2020. أكثر تنوعاً على مر السنين، أصبح الناتج المحلي الإجمالي لإمارة دبي أكثر تنوعاً، حيث يشكل النفط 6% فقط من إيرادات الإمارة في العام 2016، في حين شكلت إيرادات المناجم والمحاجر 1.3% من إجمالي الناتج المحلي في العام 2014. ومن حيث الهيكل، شكل قطاع تجارة الجملة والتجزئة وأنشطة خدمات التصليح 28.0% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2014، وفقاً لدائرة التنمية الاقتصادية في دبي، في حين حلت قطاعات النقل والتخزين والاتصالات في المرتبة الثانية ب15.5%، يليها قطاع التصنيع 13.8%، ثم قطاع العقارات وخدمات الأعمال 13.3%، أما قطاع التمويل فقد أسهم بنحو 11.1% في الناتج المحلي الإجمالي لإمارة دبي. ومن الجانب المالي، تعزز دبي موقعها في هذا القطاع لتصبح مركزاً عالمياً لإصدار السندات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية (صكوك)، حيث تم إدراج 42.31 مليار دولار من الصكوك في بورصة ناسداك دبي في نهاية الربع الأول من العام 2016. نمو صحي وبعد أداء قوي لدبي في العام 2014، حقق اقتصاد الإمارة نمواً صحياً خلال العام 2015، على الرغم من تباطؤ نشاط قطاعي العقارات والبناء في نهاية العام، وتراجع نشاط بعض القطاعات بسبب انخفاض أسعار النفط. ومع نهاية العام 2014، بدأت أسعار العقارات في الارتفاع لتتجاوز المستويات التي شهدها السوق قبل الأزمة المالية العالمية في العام 2009. ومع ذلك، اتخذت السلطات في دبي بالتعاون مع الهيئة الاتحادية لدولة الإمارات خطوات احترازية سريعة لتهدئة سوق العقارات، عبر وضع حد أقصى للرهون العقارية، والحد من تقلب الأسعار، ما أسهم في استقرار الأسعار بشكل ملحوظ خلال العام 2015، من دون أن يؤثر ذلك على الاقتصاد الحقيقي. وبحسب تقرير لبنك الإمارات دبي الوطني، فإن تركز الإنفاق الحكومي على البنى التحتية للوفاء باحتياجات معرض إكسبو 2020، لم يمنع من نمو ملحوظ تسجله قطاعات تجارة الجملة والتجزئة والنقل والتخزين والاتصالات وقطاع الضيافة والعقارات والبناء. العائدات الحكومية وفيما يتعلق بالعائدات المتوقعة للإمارة في العام 2016، فإن 74% منها ستتأتى من الخدمات الحكومية في شكل رسوم وغرامات، بينما ستبلغ العائدات الضريبية 19%، إضافة إلى 6% من النفط، و1% عائدات من أرباح الشركات الحكومية. وفي منتصف العام الجاري فرضت حكومة دبي رسماً بمقدار 35 درهماً للمغادرين كافة، عبر مطاراتها، على أن يتم تضمين هذه الرسوم في تذكرة السفر، وهي الرسوم التي ستضيف نحو 1.4 مليار درهم سنوياً للعائدات، الأمر الذي سيكون بمثابة تعزيز للوضع المالي للإمارة في تمويلها لمشروعات البنى التحتية الخاصة بإكسبو 2020. وواصلت مطارات دبي نموها المطرد بأن استقبلت أعداداً متزايدة من المسافرين، وهي الحركة التي رسخت مكانة مطار دبي الدولي، أكثر المطارات الدولية ازدحاماً بالمسافرين الدوليين، للعام الثاني على التوالي، متخطية مطار هيثرو اللندني الذي طالما احتل المرتبة الأولى للعديد من السنوات. وبمقارنة تلك الأرقام، فإن دبي استقبلت في العام 2011 ما يقارب من 50.98 مليون مسافر عبر مطارها الدولي، إلى أن وصل العدد إلى 78.1 مليون مسافر، بنسبة ارتفاع بلغت أكثر من 50% خلال 5 سنوات فقط. إضافة إلى ذلك، فقد شهد العام 2016 نمواً إضافياً في أعداد المسافرين ب 6.8% مقارنةً بالعام 2015. وبهذا النمو الكبير الذي تحققه المدينة في أعداد المسافرين، فإن من المتوقع أن تشهد نمواً إضافياً بمقدار 7 ملايين راكب شهرياً قريباً، لتبتعد كثيراً عن المطارات الدولية الأخرى حول العالم. وفي الحقيقة فإن هذا الرقم الكبير من المسافرين بجانب العائدات المتوقعة من رسوم الخروج، سيؤدي إلى أن تجني دبي 2.94 مليار درهم سنوياً، ما سيمثل دعماً كبيراً في إنفاق الإمارة المتزايد على البنى التحتية قبيل حلول موعد إكسبو 2020. 36 % للرواتب والأجور ومن حيث الإنفاق الحكومي في دبي، فإن 41% ستوجه نحو السلع والخدمات التي تحتاجها القطاعات المحلية، و36% للرواتب والأجور، إضافة إلى أنه سيتم تجنيب 14% للأنشطة التطويرية، بينما سيمثل الإنفاق على السندات وسدادها 5%، ما يؤكد القوة المالية الكبيرة التي تتمتع بها الإمارة، فضلاً عن 4% ستكون مخصصة للإنفاق الرأسمالي. وقد تضمنت ميزانية العام 2016، 16.59 مليار درهم مخصصة لمشروعات البنى التحتية والمشاريع التطويرية التي ستكون جزءاً من استعدادات المدينة لاستضافة إكسبو 2020، ومن المتوقع أن تقود هذه المشروعات إلى نمو في الناتج المحلي الإجمالي لدبي على المدى المتوسط. وفضلاً عن ذلك، فقد تم تخصيص مبالغ لخلق 3000 وظيفة للمواطنين الإماراتيين، وستشهد قطاعات التنمية المجتمعية الحصة الأكبر من الإنفاق الحكومي في العام 2016 ب 16.94 مليار درهم. ومع القرار الخاص بإلزامية التأمين الصحي للوافدين إلى الدولة منذ منتصف العام الجاري، فإن رؤية الحكومة بدأت تتشكل بوضوح تام في اهتمامها بهذا القطاع. وستشهد القطاعات الأمنية والقضائية ارتفاعاً في الميزانية المخصصة لها ب 8% للعام الجاري. وقد تم تضمين العديد من العوامل الخارجية ضمن ميزانية دبي للعام 2016، بالنظر إلى سياسات التشدد المالي والتقشف الذي تشهده باقي دول المنطقة بسبب الانخفاض الكبير في أسعار النفط العالمية منذ أواسط العام 2014. وبما أن اقتصاد دبي يمتاز بتنوع كبير ولا يعتمد على الدورة الاقتصادية المتبعة لدى جيرانها من الاقتصادات، والتي يمثل النفط العنصر الرئيسي فيها، فإن هذا الأمر يعزز من نمو الأداء الاقتصادي الإجمالي في الإمارة على المدى القصير. ميزات المناطق الاقتصادية الخاصة يمتاز اقتصاد الإمارات بشكل عام بأنه الأكثر مرونة وتنوعاً في المنطقة، وقد لعبت المناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة دوراً كبيراً في تعزيز نمو اقتصاد الدولة بشكل عام، وهي مناطق يتم تصنيفها وفقاً للقطاعات العاملة فيها أو أنشطتها. وفي هذه المناطق تكاد تنعدم الإجراءات البيروقراطية التي تميز الأسواق التقليدية في أرجاء العالم كافة، ويتم فيها تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ودعمها بشكل متواصل. خطة استراتيجية شهدت دول مجلس التعاون الخليجي تباطؤاً في النمو بسبب تراجع أسعار النفط الخام، إلّا أن دبي وضعت خطة استراتيجية، ليس فقط لتحقيق توازن في ميزانيتها، بل أيضا لزيادة استثماراتها في الكوادر البشرية والبنى التحتية، من أجل المضي قدماً. وفي شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2015، أعلنت الحكومة عن ميزانيتها العمومية للعام 2016 التي تزيد بنسبة 12% على ميزانية العام الذي سبقه، والبالغة 41.18 مليار درهم (11.22 مليار دولار)، لتصل إلى مستوى 46.1 مليار دولار (12.56 مليار دولار). وأعلنت الحكومة أنها تستهدف تحقيق فائض تشغيلي ب 3.4 مليار دولار للعام الجاري 2016، مع الاحتفاظ بعدم وجود أي عجز إجمالي للعام الثاني على التوالي. وقد كان الارتفاع الكبير في العائدات سبباً مباشراً في تعزيز قوة الإنفاق في دبي. في العام 2013، بلغت عوائد الميزانية 32.62 مليار درهم، والعجز 1.5 مليار دولار، وهو الرقم الأقل من العائدات المتوقعة للعام الجاري بنحو 42%. التدابير الحكومية تعتبر التدابير المتخذة من قبل الحكومة بهدف خلق استقرار في قطاع العقارات قد آتت أُكلها. وبين نهايتي عامي 2014 و2015، سجلت شركة كوليرز إنترناشيونال تراجعاً في أسعار العقارات بلغ متوسطه 16%، ومع ذلك جاء هذا الانخفاض على خلفية ارتفاع بنسبة 50% خلال الفترة ما بين عامي 2012 و2014، ما يدل على موجة التصحيح الصحية التي يشهدها السوق. وشهد النشاط الاقتصادي في دبي تراجعاً طفيفاً خلال الربع الرابع من العام 2015، الأمر الذي استمر خلال الربع الأول من العام 2016، إلّا أن ذلك تغير بحلول شهر مايو/أيار، حيث سجل مؤشر بنك الإمارات دبي الوطني لمراقبة حركة الاقتصاد بدبي، زيادة طفيفة من 54.5 نقطة في شهر مايو/أيار إلى 54.6 نقطة في شهر يونيو/حزيران، مرتفعاً بذلك إلى أعلى مستوياته منذ شهر أغسطس/آب 2015. وبالنسبة لقطاع النقل، تشهد دبي استثمارات في القطاع البحري، من شأنها رفع قدرة الميناء، وتعزيز مكانة دبي، باعتبارها مركزاً رائداً للتجارة في الخليج وخارجه. مركز مالي شهد مركز دبي المالي العالمي نمواً في عدد الشركات المسجلة فيه بمقدار 18% في العام 2015، مقارنة بالعام الذي سبقه، بعدما كان معدل النمو السنوي في أعداد الشركات 13%. ويمتلك مركز دبي المالي العالمي قانونه المالي الخاص به، ونظاماً قضائياً خاصاً، يستند إلى القانون البريطاني. إضافة إلى ذلك، فإن المركز الآن يخطط لإجراء توسعة كبيرة تقدر تكلفتها ب 4.1 مليار دولار. وتتضمن المناطق الحرة الأخرى المنطقة الحرة بمطار دبي، والتي تضم 1300 شركة، ومدينة دبي للإعلام التي تضم 1200 شركة، ومدينة دبي للإنترنت التي تضم أكثر من 1000 شركة. سهولة أداء الأعمال صدر في الأول من يناير/كانون الثاني من العام الجاري القانون الجديد للعمل، وهو القانون المصمم من أجل تعزيز مستويات المرونة في سوق العمل، مع شفافية أكبر وحرية أكبر في حركة العمالة. كما أن القانون الجديد جعل من السهل على الموظفين والعمال الوافدين الحصول على تصاريح العمل الجديدة، شريطة أن يكمل الموظف أو العامل ستة أشهر في عمله. واحتلت دولة الإمارات المرتبة ال31 عالمياً في تقرير سهولة أداء الأعمال والذي يصدره البنك الدولي، علاوة على أنها تحتل المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هذا الجانب. 20 ألف شركة يبلغ عدد الشركات المسجلة في المناطق الحرة على مستوى دولة الإمارات نحو نحو 20 ألف شركة. وفي إمارة دبي، فإن لكل قطاع رئيسي منطقة حرة خاصة به، وأصبحت تلك المناطق بمرور الوقت جزءاً أساسياً من اقتصاد الإمارة المتنامي يوماً بعد يوم. وتعتبر المنطقة الحرة في جبل علي أول منطقة حرة على مستوى منطقة الشرق الأوسط وتأسست في العام 1985، وهي الأكبر حالياً، وتضم الكثير من شركات الشحن واللوجستيات، حيث إنها تضم أكثر من 6000 شركة، 800 منها من الهند.
مشاركة :