الشارقة: غيث خوري انطلقت، صباح أمس، في قصر الثقافة أعمال ملتقى الشارقة الثالث عشر للسرد تحت عنوان الرواية العربي في المهجر، الذي تنظمه دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة، بحضور عبد الله العويس رئيس الدائرة، ومحمد إبراهيم القصير مدير الشؤون الثقافية في الدائرة، وكوكبة من النقاد والأدباء والكتاب من الدول العربية والأجنبية. قال العويس في كلمته الافتتاحية: تسعد الشارقة في هذا الصباح بأن يجتمع في قصر ثقافتها هذا العدد من الأدباء والمثقفين والكتاب، هذا اللقاء الذي تدشن فيه الدائرة موسمها الثقافي بهذا النشاط الكبير الذي ينظم تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، هذا الملتقى الذي يحرص في كل عام على أن يتخذ مرتكزاً جديداً بندواته، وحواراته، وأوراق عمله، وتلبية دعوة صاحب السمو حاكم الشارقة للعناية بالأدباء والكتاب العرب في المهجر، الذين أجبرتهم الظروف في السنوات الأخيرة أن يغادروا بلدانهم العربية وأن يستمروا في عطائهم، لتكون الشارقة هي الحاضنة لتلك الأقلام والقامات في سبيل تعزيز ساحات التواصل والتعاطي بين المبدعين العرب أينما حلوا. وأكد محمد القصير في كلمته، أن ملتقى الشارقة للسرد في دورته الثالثة عشرة هو استمراراً في البحث عن العلم والمعرفة كما كان دوما، من خلال الدراسات والمداخلات والشهادات القيمة، والتي تشكل فاتحة لزوايا من التأمل نحو الرقي بالثقافة والإبداع والإنسان. وأضاف أن الدورة الجديدة لهذا الملتقى الذي تستضيف كوكبة مميزة من المبدعين والنقاد والأدباء من مختلف البلاد العربية والأجنبية ومنها الإمارات، والمغرب، ومصر، وسوريا، الكويت، السعودية، البحرين، عمان، تونس، السودان، ومن بعض دول المهجر: فرنسا، إيطاليا، أمريكا، بريطانيا، بولندا، حيث تثري هذه الأسماء بطرحها ونقاشاتها ومداخلاتها محاور الملتقى التي اهتمت بمستجدات الفن وموضوعات الحوار من خلال الرواية كمبتغى هام في ظل الراهن والوقع. وقال الروائي يوسف القعيد في كلمة الضيوف: أحيي إمارة الثقافة التي تستحق هذا اللقب بجدارة، لأنني لا أعرف أي إمارة، أو كيان عربي يراهن في عمله على الثقافة مثل ما تراهن هذه الإمارة عليه، وهذا الملتقى دليل على ذلك، لأن استمراره بشكل متواصل خلال ثلاث عشرة دورة هو أكبر دليل على الرهان، وأحيي صاحب السمو حاكم الشارقة الذي نعتبره في مصر صديقنا وزميلنا، أحييه على الرهان على الثقافة والعمل الدؤوب من أجل كل ما يرفع شأن الثقافة العربية، وأذكر هنا بشكل خاص مبادرته بإعادة بناء دار الوثائق القومية في مصر وحرصه على حضور افتتاحها. وأضاف هذا الملتقى ليس ترفاً لأنه ينظر في المستقبل، فالرواية العربية التي تكتب اليوم تختلف تماماً عن رواية الماضي، وإذا كان لراهن العرب من آية فهي أنه زمن الهجرة بكل تجلياتها، فأعداد العرب الذين يموتون على طريق الهجرة تفوق الذين قتلوا في كل الحروب العربية في عصرنا الحاضر. تلت كلمات الافتتاح أولى الجلسات البحثية، التي قدمها الفنان والباحث علي العبدان، وشارك فيها د. سعيد يقطين من المغرب ود. اعتدال عثمان من مصر. بين المركزية والتهميش جاءت ورقة يقطين تحت عنوان (الرواية العربية في المهجر بين المركزية والتهميش)، وأشار فيها إلى مصطلح أو مفهوم الفضاء الثالث، فبين الفضاء الذي ينتمي إليه الروائي حيث أصوله الثقافية والتاريخية، والفضاء الذي يهاجر إليه مقيماً فيه بشكل مؤقت أو دائم أو منفياً، يوجد فضاء ثالث يحاول الروائي فيه أن يجمع بين الواقع الذي بات وراءه، والواقع الذي يمثل مستقبله، حيث يحمل معه متخيله وذاكرته اللذين تشكلا في فضائه الأول، إلى الفضاء الثاني المهاجر إليه، والذي يتفاعل معه حسب الضرورات التي يفرضها عليه الواقع الجديد. وأضاف، تتعدد العلاقات التي يقيمها المبدع مع هذا الفضاء الثالث حسب أنواع العلاقات الممكنة وتختلف حسب المنظورات التي يحملها، فالمسافر، أو الرحالة الذي انتقل إلى هذا الفضاء عابراً، ليست علاقته به مثل التي يقيمها المهاجر المقيم، بسبب الهجرة القسرية أو النفي، التي لا أحد قادر على تحديد نهايتها، أو الذي ولد في المهجر من أبوين ينتميان إلى فضاء غير فضاء الإقامة، حيث تظل علاقته بفضاء أبويه قائمة من خلال اللغة والثقافة والذاكرة، إلى جانب الفضاء الذي تشكل فيه وعيه ومتخيله. وتناول يقطين في ورقته عدة مواضيع منها، المهجر اللغوي، أو الرواية المغاربية المكتوبة بالفرنسية، والرواية العربية المهاجرة أو الرواية المكتوبة بالعربية التي تسعى إلى الهجرة إلى اللغات الأخرى عن طريق الترجمة، والمهجر موضوعاً روائياً، حيث تعتبر الهجرة والمهجر من بين أهم الموضوعات في الرواية المعاصرة على الصعيد العالمي. خطاب الرواية والآخر وعقبت اعتدال عثمان على ورقة د. يقطين: بقولها: يطرح يقطين إشكالية المركزية والتهميش المرتبطة بالمهجر اللغوي من زوايا متعددة، وعبر محطات تاريخية دالة، وعبر تنظيره المنهجي الدقيق يضعنا في قلب إشكالية رواية المهجر، بينما يتبنى المنظور التفاعلي المتغير بين الفضاءات الثلاثة بما يتسع لتعدد الرؤى الروائية، وتحولات السرد وتقنياته عبر مساحة زمنية ممتدة، تعاقبت عبرها أجيال المبدعين، بما ينفي النظرة السكونية التي تكرس دواعي ثابتة لمبدعي المهجر مثل الحنين إلى الوطن، ومعاناة الغربة، ورغبة استدعاء الماضي المنقضي واستعادته والعيش في شرنقته بمعزل عن المؤثرات الخارجية، بينما أن نماذج باهرة من أدب المهجر استوعبت هذه الثيمات المتكررة، ومزجتها بجماليات فنية عالية مثل الحوارية وتعددية الأصوات، بما جعلها ترقى إلى مستوى الأدب العالمي. وجاءت ثاني الجلسات تحت عنوان التحولات الفنية والآخر في رواية المهجر، بمشاركة فهد الهندال من الكويت، ود. ريم الفواز من السعودية، ود. رشيد بو شعير من الجزائر، ود.سمر روحي الفيصل من سوريا، قدمها د.هيثم الخواجة. وأكد الفيصل ضرورة اعتماد الثقافة أساساً للحوار بين البشر، حيث إن مفهوم الصراع لم يقدم شيئاً غير تعميق الهوة، وترسيخ العداء، في حين يستطيع الحوار بين الحضارات ردم الهوة وترسيخ التواصل الإنساني، انطلاقاً من أن لكل أمة ثقافتها، ومن هنا نلحظ أن ميل الروائيين المهجريين في القرن الحادي والعشرين إلى الحوار مع الآخر في عقر داره هو التحول الفني الأساسي في رواياتهم، حيث استطاعوا تقديم صورة حقيقية للرجل والمرأة العربيين. ورصدت الفواز في ورقتها ظاهرة لافتة من مظاهر الروايات في أدب المهجر، وهي الهوية العربية وقيمها في المضمون الروائي، ومدى اتصالها بالملابسات النفسية والاجتماعية والسياسية التي أنتجت فيها الروايات من جهة، وبماهية الجنس الروائي من جهة أخرى، من خلال رواية الحب في المنفى لبهاء طاهر، التي كتبها في جنيف من خلال التجربة المعيشة مع الآخر في المهجر بذاكرة ذات هوية عربية تعاني الحيرة والإحباط والمعاناة. نماذج سردية مدهشة وأكد الهندال في ورقته أن المتابع لسيرة الرواية العربية في المهجر، يلحظ تشكل تجارب روائية متخذة طرقاً مختلفة في التعبير عن مقاصد الكتابة الروائية عند كاتبها، حيث توزعت أنماط الرواية فيها على عدة نماذج سردية، عبر معادل مكاني، حيث يشهد السرد فيه استقطاعه من ذاكرة الماضي، بما يجعله يجتر أحداثاً وشخصيات تعيد إنتاجها في فضائه الروائي في المهجر. أو معادل ذاتي، وذلك عبر الشخصيات المحركة للحدث، والمدركة للمكان باختلاف جغرافيته وثقافته، ونوعية موقع السارد هنا، لاسيما التي تعتمد على تقنيات البوح أو المونولوج أو الاعتراف. وخلص بو شعير في ورقته إلى أن الكثير من الكتاب العرب في المهجر ركبوا موجة الواقعية السحرية بسهولة مستثمرين رصيدهم التراثي العربي السردي المفعم بالعجائبية، وتحول الآخر من مستعمر مستبد، أو عنصري متعجرف إلى متلق استشراقي رومانسي، من خلال ثلاثة أعمال روائية لكتاب مهجريين، وهي ليلة قدر للطاهر بن جلون، وومائة عام من الحنين لرشيد بوجدرة، وليون الإفريقي لأمين معلوف.
مشاركة :