لندن: محمد رُضا ثمانية أيام تفصل بيننا وبين حفلة الأوسكار التي ستقام في الثاني من الشهر المقبل. لا شيء جديدا ومميزا في المناسبة الـ86 لأكبر الجوائز السينمائية في العالم عن المناسبات السابقة؛ حرارة المنافسة مرتفعة، الإعلام مستعد، الجمهور يتابع والمرشّحون يزينون احتمالاتهم، ويفكرون ماذا سيقولون لو فازوا. هناك قوائم جاهزة بالأسماء، وسوف تشمل توجيه التحية إلى الزوج أو الزوجة والبابا والماما والمحامي والوكيل، وكل من شارك في الفيلم، وعلى رأسهم المنتجون. الممثلون في هذا الخضم يبقون الأكثر عرضة للأضواء. والحديث عن فوز هذا الممثل أو تلك أكثر طرحا من الحديث عن فوز كاتب أو مخرج أو منتج. ليس فقط لأن الممثلين والممثلات أكثر تعرضا للأضواء، بل لأنهم يتواصلون على الشاشة على نحو مباشر، كما لا يفعل أي عنصر سينمائي آخر في الفيلم. بالنسبة للممثلات، قد تبدو المنافسة سهلة في الوهلة الأولى ستذهب الجائزة إلى كيت بلانشيت والسلام.. ألم تستحوذ سلفا على كل جائزة رئيسة حتى الآن عن دورها في فيلم «بلو جاسمين»؟ لكن يا ليت الأمور بهذه البساطة. والأجدر تأجيل أي نوع من التكهنات قبل محاولة تفكيك وقراءة المعطيات، التي على أساسها يتبارى الممثلون والممثلات في سباقيهما للوصول إلى الأوسكار هذا العام. * لحظات متواصلة * إنها الحياة وكيف تُعاش بالنسبة للأدوار المطروحة على بساط البحث بالنسبة للممثلات: حياة مزدوجة بالنسبة لآمي أدامز في «نصب أميركي» وحياة مضطربة لدى كيت بلانشيت في «بلو جاسمين»، ثم حياة من البحث المضني عند جودي دنش في «فيلومينا»، وأخرى من التشبّث بالمنوال نفسه بالنسبة لميريل ستريب في «أوغست: مقاطعة أوساج». وهي ليست حياة على الإطلاق عندما تفقد ساندرا بولوك الاتصال مع الأرض لمعظم الوقت المتاح في «جاذبية». دور آمي أدامز في «نصب أميركي» دور من السماء. إنها شخصية مركّبة بعناية لامرأة تعيش حياتين في جسد واحد، أو بالأحرى شخصيّتان مختلفتان، ولو أنهما مختلفتان عن قرار وليس نتيجة صدع نفسي ما. أدامز، التي بدأت حياتها على الشاشة قبل 12 سنة فقط، رُشّحت سابقا أربع مرات ولم تفز بعد. في عام 2005 عن «Junebug»، وعام 2008 عن «ريب» (الذي رُشّحت عنه أيضا ميريل ستريب) وعام 2010 عن دورها في «المقاتل»، ثم سنة 2012 عن دورها في «ذَ ماستر». في كل هذه المرّات جاء ترشيحها في قسم الممثلات المساندات. هذه المرة هي في سباق الممثلات الرئيسات. نقلة تستحقها لأنها بهذا الدور تترك وراءها الأفلام الخفيفة لتؤم بطولة فيلم من وزن «نصب أميركي». منافستها الأساسية (ومنافسة الجميع الأساسية في الواقع) هي كيت بلانشيت، ليس لأنها سبق لها وأن رُشحت خمس مرات من قبل (ونالتها مرة واحدة عن دورها المساند في «الملاح» سنة 2004) بل لأن أداءها في فيلم وودي ألن الجديد «بلو جاسمين» مؤلف من لحظات متواصلة من العمق والتجسيد، الذي لا يسقط أو يهبط. إنها المرأة التي تجد نفسها تنتقل من مستوى اجتماعي إلى وسط اجتماعي آخر فجأة. هي بين عالمين مختلفين؛ واحد من اليسر والثراء والحياة فوق مستوى معظم البشر، وآخر يتطلّب التأقلم والتخلي عن الرغد وقبول الحدود الاجتماعية الدنيا، تنحدر إليه بعدما خسرت الأول. لكن ما يحدث لها ليس ما يجعل أداء بلانشيت مميّزا، بل هو في كيفية امتلاكها القدرة على هضم ذلك الحدث والتعبير عنه سلوكا وعادات ومفاهيم. إذا لم يكن القارئ شاهد «Blue Jasmine» بعد فليفعل وينظر إلى عيني الممثلة وهي تفحص كل شيء وكل من حولها. تبدو منهكة من البحث، وفي سن لا تريد أن تخسر معه أي فرصة لكنها تفعل. إحباطها في تلك اللحظات ثروة تعبيرية أدت بها إلى الفوز بالـ«غولدن غلوبس» والبافتا وجمعية الممثلين، وأعضاء جمعية الممثلين يحتلّون معظم كراسي أعضاء أكاديمية العلوم والفنون السينمائية، لذا يبدو فوزها مضمونا أكثر من فوز الباقيات خصوصا أن أربعا من منافساتها الخمس في جوائز جمعية الممثلين ينافسونها في سباق الأوسكار، وهم ميريل ستريب وساندرا بولوك وجودي دنش. الخامسة كانت إيما تومسون (عن «إنقاذ مستر بانكس»)، وهو المكان الشاغر التي وصلت إليه آمي أدامز. * مشاعر ذنب * المشكلة أمام ميريل ستريب ليس أنها رشحت 18 مرة (بما فيها ترشيحات هذه السنة) ولا أنها فازت ثلاث مرّات آخرها سنة 2011 عن «السيّدة الحديدية» فحسب، بل في أنها تلوك الدور الذي تقوم بأدائه من دون جهد. هذه نعمة وربما نقمة معا، كونها تمثل ثانية بحضور يتجاوز العناصر الفنية كاملة. في «أوغست: مقاطعة أوساج» تلعب شخصية الأم الطاغية التي ما زالت تمارس عاداتها في التفريق والسيادة. لكن لنلاحظ أنها لا تمثّل بقدر ما تعيش الحضور المعتاد لها. تعرف الدور عن ظهر قلب. هذه موهبة لكن ما تجلبه معها على الشاشة ليس جديدا. في سياق التأكيد على ذلك، لاحظ أيضا أنها لم تفز بأي من الجوائز الرئيسة هذا العام. إذا ما ربحت الأوسكار، فستربحه بأصوات قليلة. هناك أسلوب تشخيص متشابه بينها وبين البريطانية جودي دنش. في الـ79 من العمر لكن نجاحها وشهرتها وردت متأخرة نوعا، فهي مارست التمثيل من عام 1959 حين كانت في الـ25 من العمر. في السنوات الـ16 الأخيرة برزت كواحدة من أكثر الممثلات موهبة. جودي دنش تمثّل في «فيلومينا» (الذي يضعها على سدة الترشيحات للمرة السابعة) شخصية المرأة المحمّلة بمشاعر الذنب التي تبحث عن مصير ابنها الذي خطفه الدير منها وباعه لزوجين أميركيين جاءا آيرلندا بحثا عن ولد للتبنّي. جودي تؤم الدور بقناعة تثمر إقناعا. لكنها مثل ستريب هناك سهولة أكثر مما هناك تحديا ولا عجب أنها لم تنل عنه حتى الآن جائزة رئيسة حتى في بلدها، إذ ذهبت جائزة بافتا في هذه الدورة الأخيرة إلى منافستها كيت بلانشيت. يبقى من بين الخمس المرشحات هنا لأوسكار أفضل تمثيل نسائي رئيس ساندرا بولوك عن دورها في «جاذبية» (Gravity). وسبق لها أن فازت في السباق نفسه، عن دورها في «جانب أعمى» سنة 2009. الفارق بين تلك المرة وهذه المرة هي أننا رأينا وجهها في دور درامي في السابق. هذه المرة وجهها تحت الخوذة في غالبية المشاهد. هل يمكن منح كرستيان بايل جائزة أوسكار عن تمثيله تحت قناع «باتمان» أو روبرت داوني جونيور عن دوره في «آيرون مان»؟ لكن لا بد من ملاحظة أن ساندرا بولوك لا تكتفي بالظهور تحت خوذة فضائية بل تمثّل تحت تلك الخوذة وتخترق الفاصل الزجاجي والمعدني الفاصل بينها وبين المشاهد. تتلو عليه ما تشعر به وتدرك أنها تعايشه. تمنح الدور، بل الفيلم، الجانب الإنساني بأسره. لذلك هي هنا ولو أن احتمالات فوزها محدودة. معاملة عنصرية في سباق التمثيل النسائي المساند لا بد من استذكار الأسماء أولا: سالي هوكنز عن «بلو جاسمين»، جنيفر لورنس عن «نصب أميركي»، لوبيتا نيونغ عن «12 سنة عبدا»، جوليا روبرتس عن «أوغست: مقاطعة أوساج» وتجون سكويب عن «نبراسكا». أربعة منهن دخلن أخيرا المنافسة ذاتها في سباق بافتا هن لوبيتا نيونغو وجنيفر لورنس وجوليا روبرتس وتجون سكويب. لكن سالي هوبكنز خسرت الترشيحات هناك وحلت مكانها أوبرا ونفري عن دورها المقبول في «رئيس الخدم». لوبيتا نيونغو هي اكتشاف العام بين كل الممثلات، رئيسات ومساندات. لعبت دورها كعبدة مهدورة الحقوق في فيلم ستيف ماكوين «12 سنة عبدا» (وليس «12 سنة في العبودية» ولا «12 سنة من العبودية» كما ورد في ترجمتين غير دقيقتين في مقالات آخرين) عليها أن تتعرض نفسيا وعاطفيا وجسديا لأسوأ معاملة عنصرية ممكنة. وهي تفعل ذلك بتلقائية. تتطبّع تماما وتمنح الشاشة تجسيدا كاملا يستحق الأوسكار، كما تستحقه كل الممثلات ذوات الخبرات المنافسات جنيفر وجوليا وتجون وسالي. الحصول عليه هو أمر ثانٍ. ففي العادة أن المرات الأولى لا تحسب (وهذه تجربة نيونغ الأولى في الأوسكار). لكن ما يشد من أزرها هنا، لجانب مستوى الأداء، حقيقة أنه من غير المحتمل كثيرا أن يفوز شيوتوول إجيوفور عن دوره الأول في هذا الفيلم نفسه. البعض سيوازن بين عدم التصويت له والتصويت لها كبديل، وهنا ستقوى احتمالات فوزها. الثانية في الاستحقاق تجون سكويب (84 سنة). لم يسمع بها أحد من قبل لأن معظم ما حققته من أعمال (42 عملا) تلفزيونيا (26 مسلسلا). وهي نسبيا بدأت متأخرة 1990 عندما مثلت تحت إدارة وودي ألن دورا مساندا في «أليس» (أحد الأفلام الـ13 التي لعبت ميا فارو بطولتها تحت إدارة المخرج - الممثل ألن). صحيح أن سكويب لها دور محدود في «نبراسكا» (زوجة بروس ديرن المرشح بدوره لأوسكار أفضل ممثل رئيس عن الفيلم نفسه)، لكنها تؤديه بطلاقة ملحوظة. لاحظها بين رجلي الفيلم الأساسيين ديرن وول فورت، تجدها تمنح المشاهد بعدا ثالثا تاما. سالي هوبكنز دائما جيدة، لكن عناية ألن بها كانت توظيفية. في «بلو جاسمين» لعبت دور الشقيقة (بالتبني) لكيت بلانشيت التي كانت محور الفيلم. هوبكنز كان المضاد الكامل، لكن مشاهدها (من حيث الكتابة) لم ترتفع لتكشف عمقا. هوبكنز هي مَن منحت ذلك القدر من العمق على خفوته. جنيفر لورنس لديها في «نصب أميركي» دور مركّب مثل أدوارها السابقة باستثناء الدور الذي لعبته قبل ثلاث سنوات عندما كانت لا تزال جديدة عن دورها الأول في «عظمة شتوية» Winter› Bone، الذي لا يزال أكثر أدوارها تعقيدا. إنه مساو في لحمته للدور الذي نالت عليها أوسكار أفضل ممثلة أولى (أو رئيسة) وهو «كتاب مطرّز بالفضة» (2012). نراها هنا عرضة للغضب والإحباط. آمالها في حياة أفضل مهدورة ليس اقتصاديا فقط، بل حين تكتشف أن زوجها (كرستيان بايل) لم يكن مخلصا لها. بالنسبة لجوليا روبرتس أتساءل إذا كان دورها كابنة ميريل ستريب في «أوغست: مقاطعة أوسانج»، وحيال أدوار الأخريات، كافيا لمنحها أوسكار أفضل ممثلة مساندة. نعم، هي تؤدي الدور بمصداقية، لكن حضورها في نهاية الأمر يبهت سريعا بعد كل مشهد. مميّز باسمها أكثر مما هو مميز بفنها.
مشاركة :