توقع المدير العام لهيئة الآثار والمتاحف السودانية، الدكتور عبدالرحمن علي، أن تستأنف البعثة القطرية السودانية للآثار نشاطها خلال الشهر الجاري بعد الانتهاء من إعداد المشاريع من خلال 40 بعثة عالمية تعمل في «مشروع القرن» بالولاية الشمالية ونهر النيل، لافتا أن تكلفة المرحلة الأولى للمشروع القطري بلغت 40 مليون دولار تمت بتمويل قطري خالص، منوها بأن دولة قطر وافقت على تمويل المرحلة الثانية التي يتوقع أن تبدأ بنهاية الشهر الجاري. وقال وكيل وزارة السياحة السودانية جراهام عبدالقادر إن دولة قطر كانت سباقة في تنفيذ وتطوير أكبر مشروع لاستكشاف وتأهيل الآثار السودانية بتكلفة بلغت 135 مليون دولار، لافتا إلى أن المشروع قطع شوطا كبيرا في سنواته الأولى من خلال 40 بعثة دولية عاملة في المشروع شكلت قاعدة أساسية لدعم السياحة الأثرية، فضلا عن ربط المجتمع المحلي بالمكنوزات الأثرية. وأشاد باهتمام دولة قطر المتزايد بضرورة تطوير العلاقات القطرية السودانية بما يعزز المصالح المشتركة. وأشار جراهام إلى أن المشروع القطري يهدف إلى صيانة وتطوير وتأهيل الآثار في منطقة البجرواية ومروي بشمال السودان، حيث تذخر المنطقة بالموروث الأثري الغني الذي تنعم به البلاد، مثمنا الجهود القطرية في توطين ثقافة الآثار لإحياء التراث والحضارة السودانية. لكن ما هذه الآثار التي تعمل دولة قطر على إعادة تأهيلها ونفض الغبار من عليها؟ السطور التالية تتحدث عن هذه الآثار وتميط اللثام عن تاريخها وأثرها في الحضارة الإنسانية فضلا عن ارتباطها بالحضارة المصرية القديمة. «أهرامات مروي» آثار نوبية من مملكة «كوش» تعرف هذه الأهرام اليوم باسم (أهرام البجراوية) نسبة لقرية البجراوية قرب مدينة شندي التي تبعد حوالي مئتي كيلومتر إلى الشمال الشرقي من العاصمة السودانية الخرطوم. أما اسمها العلمي فهو (أهرامات مروي) وهي من آثار مملكة نوبية عظيمة تدعى (مملكة كوش). مملكة كوش التي سيطرت على الجزء الجنوبي من حوض النيل إلى الجنوب من مصر الفرعونية نشأت قبل ألف سنة من الميلاد تقريباً، غير أنها لم تكن المملكة الأولى في هذه المنطقة وإنما هي امتداد لحضارات نوبية أعرق أقدمها حضارة نشأت قبل حوالي ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد في مدينة (كرمة) التي لا تزال آثارها الباقية قرب الحدود المعاصرة بين مصر والسودان تدهش علماء الآثار بتخطيطها المميز. قبل 1500 عام من الميلاد أمر الفرعون تحتمس الثالث ببناء مدينة نبتة (بفتح الباء) عقب احتلاله لأراضي النوبة لتكون مركزاً للإقليم الجنوبي من مصر، وبقي شمال السودان (الذي عرف بكوش فيما بعد) تابعاً للحكم الفرعوني لخمسة قرون كاملة خلفت خلالها العديد من الآثار كمعبد للإله آمون. في عام 1070 قبل الميلاد أعلن نائب الفرعون عن منطقة كوش استقلال الإقليم عن الإدارة الفرعونية واتخذ من نبتة (التي تقع جوار مدينة كريمة الحالية، 400 كيلومتر إلى الشمال من الخرطوم) عاصمة له، واحتفظ ملوك كوش بالعادة الفرعونية المتمثلة في دفن ملوكهم في مقابر ملكية فارهة على شكل أهرامات، وكان بنائهم قريباً من النموذج المصري كالأهرام الموجودة في منطقة نوري بشمال السودان. وإذا كنتم تتساءلون عما بداخل الهرم فهو يحوي غرفة أو أكثر ليرتاح فيها الملك في «العالم الآخر» حسب اعتقادهم. أيضاً ترك الكوشيون لنا العديد من الآثار الأخرى حول عاصمتهم نبتة كالمعابد والهياكل والنقوش. في القرن السادس قبل الميلاد وعقب الغزو الفارسي لمصر انهارت التجارة بينها وبين مدينة نبتة خصوصاً تجارة الذهب، وفقدت نبتة مركزها الحيوي وخسرت دورها لمصلحة مدينة أكثر فتوة في ذلك الوقت هي مدينة مروي التي أصبحت بدورها العاصمة الجديدة لمملكة كوش. في مروي الواقعة على الضفة الشرقية لنهر النيل أصبح الطراز المعماري لأهرامات مملكة كوش أكثر تميزاً من نظيره الفرعوني فهي أقصر طولاً وذات قاعدة أضيق بحيث أن نسبة ارتفاع الهرم إلى مساحة قاعدته أكبر من تلك الموجودة في الأهرامات المصرية. البجراوية من أهم المدن التاريخية في إفريقيا تعد البجراوية من أهم المدن التاريخية في إفريقيا، وشيدت على موقع سكني مقر الملوك المرويين منذ القرن السادس قبل الميلاد، وحسب ما يورد المؤرخون فقد انتقلت إليها العاصمة من نبتة عام 591 قبل الميلاد، وقد عاصرت دولة مروي البجراوية الفرس والبطالمة في مصر. وتبلغ مساحة البجراوية ما بين 30 و50 هكتارا، ويبلغ مجمل عدد الأهرامات 57 هرما من جملة أهرامات أخرى، وتشتمل المنطقة على المدينة الملكية ومجموعة من الأهرامات التي تحتوي على المدافن تعرف بالأهرامات الجنوبية والأهرامات الشمالية والأهرامات الغربية. وتقع الأهرامات الجنوبية على بعد أربعة كيلومترات إلى الشرق وعلى حافة سلسلة من تلال الحجر الرملي وهي الأقدم زمن سلالة الملوك المرويين في الفترة ما بين 720 قبل الميلاد 300 قبل الميلاد وهي تعد الأهرامات الأولى التي بُنيت في مروي متبعة بذلك تقاليد الدفن الملكي من نوري وجبل البركل وتشتمل على مقابر الملوك وملكات مملكة مروي. أما الأهرامات الشمالية فتقع إلى الشمال عبر الوادي وقد بدأت هذه المجموعة كجبانة ملكية حوالي 270 قبل الميلاد وتحتوي على مجموعة مدافن وأهرامات ملوك امتدت حتى 330 قبل الميلاد. وتقع الأهرامات الغربية في المنطقة المنبسطة من مدينة مروي بين الجبانة الأهرامات الجنوبية والأهرامات الشمالية، وهي أهرامات صغيرة الحجم لرجال البلاط الملكي والوزراء كما توجد بقايا معبد الشمس، وقد بدأ الدفن فيها بالتزامن مع الدفن في الأهرامات الجنوبية واستمر حتى نهاية مملكة العصر المروي.;
مشاركة :