ربما تكون الحرب فعلاً حالة من العبث الطويل، هذا العبث الذي لا ينتهي، يفصل بين لحظاته المتواصلة ضرب من القصف على ذاكرة البشر، البشر، هؤلاء الذين استطاعوا أن يبنوا حياة كاملة في الحرب، واستطاعوا أن يخلقوا من الدمار المتناثر هنا وهناك قصصاً عديدة، يولدون ويكبرون ويعيشون، يحلمون تارة وتصيبهم الدنيا بعمائها تارة أخرى، وتبقى هناك في ظل القصف حياة لا تنتهي. كان ذلك بالعرض الأردني "الصورة الرمادية"، عن مسرحية الشجرة المقدسة للكاتب الإسباني فرناندو أرابال، الذي أعدها الفنان عمر عرفة، نصاً عبثياً بالغ الذكاء، وقدمها المخرج الأردني الشاب محمد العشا بباكورة أعماله المسرحية، برؤية إخراجية أخّاذة، جذبت الجماهير حتى اللحظات الأخيرة من العرض الذي أداها كلٌ من الفنانين "نهى سمارة وزيد خليل مصطفى"، وصنع السينوغرافيا لها الفنانان يزن سلمان ولجين نحاس، وكان الفنان محمد الإدريسي مساعداً للمخرج، على خشبة أسامة المشيني ضمن افتتاح فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان عشيات طقوس المسرحية بالعاصمة الأردنية عمان. عبث وحرب.. قدم العشا خلال عمله قصة زوجين يعيشان تحت القصف المستمر، حيث تعمل الزوجة كصحفية والزوج كمصور فوتوغرافي، يعتمدان على شجرة "تين"، شكلت محوراً كبيراً من حياتهم، يتعايشان مع القصف المستمر، ويطرحان بأسلوب سلس، ولهجة عامية جاذبة غير ثقيلة على المسرح، العديد من القضايا والمسائل الوجودية، التي تمر علينا في يومياتنا دون الإلتفات لها أو حتى إدراك وجودها بضجة الروتين والحياة. وبالرغم من ثبات الحركة لدى الممثلين، إلى أن العشّا استطاع من خلال رؤيته الإخراجية والنص المحكم لعمر عرفة، أن يكسر أي ملل أو ضجر للجمهور، فقلة الفعل المسرحي، كانت غير واضحة مع المتعة البصرية التي تم تقديمها على الخشبة، برفقة الإيقاع العالي لدى الممثلين والأداء المحترف الذي قدموه.
مشاركة :