كشفت مصادر مسؤولة لـ «الراي» أن بنك الكويت المركزي يتجه إلى إدخال تعديلات جوهرية على آلية تسعير أدوات الدين العام، تسمح بتطبيق نظام الفائدة المرنة للسندات ذات الأجل الطويل، بدلاً من الوضع الحالي الذي يعتمد في تسعيره على نسبة فائدة ثابتة فقط، وذلك للمرة الأولى من بداية العمل ببرنامج السندات. وبينت المصادر أن توجهات «المركزي» في هذا الخصوص تأتي في إطار سعيه لتطوير سوق السندات استجابة لسياسات التحديث الشاملة التي وضعها للقطاع المصرفي طوال السنوات الخمس الماضية، كما أنها تعد تنفيذاً لتوصيات صندوق النقد في هذا الشأن، مشيرة إلى أن نظام العوائد المرنة يسهم في زيادة الإقبال على السندات طويلة الأجل، فضلاً عن تعزيز قدرة البنوك على التكييف مع تطورات أسعار الفائدة. ولفتت المصادر إلى أنه تطبيقا للسياسة التي يتبناها المحافظ الدكتور محمد الهاشل منذ توليه مسؤولياته بتوسيع دائرة الحوار مع البنوك قبل اتخاذ القرارات، سعى «المركزي» إلى استمزاج آراء البنوك، بإبداء ما تراه مناسبا من توصيات قبل الشروع في إقرار التغيير المرتقب في نظام العوائد على السندات طويلة الآجل. ويعتمد «المركزي» في تسعير أدوات الدين العام على منحنى عائد يبدأ بفترة سنة، ويتضمن آجال 3 سنوات و5 و7 علاوة على 10 سنوات، علماً بأن نسبة الفائدة على فترة العام بلغت بحسب آخر إصدار، نحو 1.25 في المئة، في حين وصلت عوائد فترة 7 سنوات إلى 3 في المئة. أما فترة العشر سنوات فرغم أنها موجودة بالفعل في الهيكل، إلا أن «المركزي» لم يصدرها بعد لوجود اعتقاد بضعف الطلب المتوقع عليها، فيما يعتقد أن عوائدها ستقارب في حال إصدارها 3.5 في المئة، ومن هنا برز توجه الناظم الرقابي إلى استدخال العوائد المرنة على برنامج إصدار سندات الدين العام. إلى ذلك اجتمعت البنوك لمناقشة المقترح، حيث بدا هناك توافق مصرفي على ضرورة إجراء التعديل، لما سيترتب على ذلك من انعكاسات إيجابية على البنوك، لكن في الوقت نفسه ظهر خلاف بين مديري الخزينة حول نسبة الهامش المفترض أن يسمح بها بين منحنى عوائد أسعار الفائدة المرنة، والأخرى الثابتة في حال تم إقرار التعديل. وقالت المصادر إن بعض البنوك تدفع بأن يكون التسعير على أساس وجود هامش أوسع بين النظامين، بحيث تكون أسعار الفائدة المرنة أقل ما بين 0.50 و0.75 في المئة مقارنة بأسعار العوائد الثابتة، على أن يتم تحديد سعر عائد أساسي لفترة السنوات الثلاثة وما فوق بواقع 1.125 في المئة، يضاف إليه هامش بمعدل نصف في المئة، ليصبح سعرها 1.625 في المئة. أما في حال فترات السنوات الخمس، وما فوق فيتضمن المقترح أن تكون العوائد الأساسية مضافة إليها الهامش 1.675 في المئة، مع الأخذ بالاعتبار أن تطبيق الفائدة المرنة لا ينسحب على فترة العام، باعتبارها قصيرة الآجل، حيث لا يصلح معها عادة إلا العوائد الثابتة، فيما ستطبق العوائد المرنة على آجال السنوات الثلاث، وما فوق. وبينت المصادر أن بعض البنوك شددت على أهمية المقترح لجهة التحفيز على زيادة المشاركة في اكتتابات سندات الدين العام من جميع البنوك، لافتة إلى ان «المركزي» يتبع سياسية حصيفة في تحديد التسعير، بما لا يفقد تمويل القطاع الخاص جاذبيته وأهميته للبنوك في تحقيق أرباحها، وذلك من خلال تحديد نسبة عوائد ثابتة تنافسية، بما يحقق التوازن والاستقرار المالي. وبلغت سندات الدين والتورق التي طرحها «المركزي» للبنوك المحلية منذ بداية العام الحالي أكثر من مليار دينار، وذلك في إطار تلبية احتياجات الموازنة العامة للدولة، علما بأن جميع هذه السندات مصدّرة بتسعير فائدة ثابتة. في المقابل تعاكس بعض البنوك التوجه لأن يكون الهامش بين العائدين ليس عادلاً، وتؤكد على ضرورة أن يكون الهامش بين التسعيرين ضيقاً، وللمفارقة يعتمد أصحاب هذا الرأي على السبب نفسه الذي يدفع به الطرف الآخر، وهو زيادة نسبة مشاركة البنوك. ويشكك متبنو هذه الوجهة في إمكانية نجاح برنامج الدين العام المقترح وسندات الخزينة في حال اتسع الهامش بين التسعيرين، حيث يلفتون إلى انه كلما كان الهامش أوسع سيزداد تركيز البنوك النشطة في هذه السوق على الإصدارات ذات العوائد الثابتة فقط، من منطلق الحفاظ على معدلات الربحية المعتادة. وبينت المصادر أن عوائد البنوك على ودائع الإنتربنك لفترة 5 سنوات تصل إلى 2.5 في المئة، في حين ستصل عوائد الفترة نفسها وفقا للمقترح الآخر إلى 1.675 في المئة، منوهة بأن مشاركة البنوك السندات ذات العوائد المرنة ستقتصر وفقا للآلية المقترحة على بعض المصارف. ولعل ما يزيد من أهمية هذه المناقشات أن أدوات الدين العام تكتسي أهمية كبرى لدى البنوك، لدورها في تنظيم سلم الاستحقاقات المصرفية، حيث يتم إدراجها ضمن أوزان الودائع ذات الآجال المنخفضة، وتحديدا في فترة الأسبوع على أساس تصنيفها كأصول عالية الجودة كونها قابلة للتسييل بسهولة، كما أن أدوات الدين العام تساعد البنوك في استيفاء متطلبات السيولة وفقا لمعايير «بازل 3»، ما يعطي البنوك بفضلها أريحية كبيرة في احتساب نسبة الودائع إلى القروض. وبينت المصادر أن الفائدة المتغيرة مناسبة أكثر للقروض ذات الآجال الطويلة، بعكس الفترات القصيرة التي لا يمكن للبنوك خلالها التنبؤ بحدوث تغييرات كبيرة في أسعار الفائدة، وأمام ذلك سيكون تفضيل المصارف في حال وجود هامش أكبر بين التسعيرين مائل أكثر نحو العوائد الثابتة، حيث ستحصل البنوك هذه الحالة على أكثر من ميزة. الأولى: أنها ستتمكن وفقا للصيغة المقترحة وقراءة المعطيات الاقتصادية الحالية من تحقيق عوائد أعلى من التي يمكن أن تحصل عليها من العوائد المرنة، كما أنها ستستفيد من تبويب هذه الأموال في حسابات ودائع الأسبوع، أما المزية الثالثة فتتيح للبنوك عوائد مقاربة من التي يمكن أن تحصل عليها في حال قررت أن تستثمر هذه الودائع في سوق ما بين البنوك (الإنتربنك)، وبذلك تتنوع الخيارات الاستثمارية أمام المصارف في توظيف فوائض سيولتها. ويبدو أن البنوك الرئيسة ظلت منقسمة على كيفية احتساب نسبة عوائد الفائدتين والهامش الصحي بينهما، حتى آخر اجتماع بينها بهذا الشأن، حيث استمر الفريقان المصرفيان في الدفاع عن رأيهما دون اتفاق. وتلفت البنوك المعارضة إلى اعتماد سعر «الكيبور» (أسعار الودائع في الإنتربنك) كسعر أساس علاوة على وجود هامش معقول تتم زيادته في حال حدوث تغييرات بأسعار الفائدة، بما يؤدي إلى تقليص المخاطر المترتبة على تطبيق مقترح وجود هامش أوسع. ولفتت إلى وجود سلبيات تقلل من وهج الهامش الواسع، ليس أقلها أن المشهد الاقتصادي العالمي والمحلي لا يزال ضبابيا ولا يمكن بناء على معطياته وضع توقعات مستقبلية متفائلة لجهة المخاطر القائمة، منوهة بأن ما يعزز هذه المخاوف التقارير الاقتصادية العالمية وفي مقدمتها صندوق النقد والذي لا يزال متحفظا في خصوص توقعاته حول إمكانية حدوث تحسن يذكر في أسعار النفط العالمية في المستقبل القريب والمتوسط. كما أن التحذيرات لا تزال قائمة بخصوص أي رفع محتمل لأسعار الفائدة من قبل الفيدرالي الأميركي في ظل المناخ الاقتصادي الحالي، لدرجة أن بعض التقارير المتشائمة بخصوص مستقبل أسعار الفائدة الأوروبية، تشير إلى احتمالية أن تتجه بعض البنوك المركزية لتخفيض الفائدة مستقبلا لمواجهة التعقيدات الاقتصادية.
مشاركة :