يرتقي كل صباح المعلمون والمعلمات إلى علو أكثر من 500 قدم؛ وذلك لإيصال رسالتهم التعليمية إلى أبناء مدارس الجاليات بحي النكاسة متجاوزين الصعوبات كافة التي تواجههم وهم يصعدون أكثر من 400 درجة للوصول إلى مدارسهم، حيث الأوبئة والنفايات ومياه الصرف الصحي ومدارس مهجورة آيلة للسقوط، إضافة إلى التحرشات والمضايقات التي يمارسها عدد من العاطلين بالحي معتقدين أن تلك التصرفات تستثنيهم من إكمال مسيرتهم التعليمية. "سبق" قامت بجولة ميدانية مصوَّرة في حي النكاسة مع بداية دوام المعلمين والمعلمات. ومع وصول عدسة "سبق" للموقع رصدت حجم المعاناة بداية من عدم وجود مواقف قبل الطلوع إلى أعلى جبل النكاسة، الذي يرتفع عن سطح البحر بأكثر من 500 قدم. وبمجرد النظر إلى أعلى تكمن المعاناة؛ فمع أول درجة تبدأ رحلة الدوام الشاقة، وضيق الأزقة، وانتشار الرواح الكريهة بسبب تكدس النفايات على جنبات الطريق المؤدي إلى إحدى المدارس، إضافة إلى سيلان مياه الصرف الصحي.. ولا تكاد تتخطى تلك الأوبئة. وتابعت عدسة "سبق" المعاناة خطوة خطوة حتى وصلنا إلى أكثر من 400 درجة. وعند الوصول للموقع ابتلت الملابس بسبب تساقط مياه المكيفات، مع مخاطر الكيابل الكهربائية. "سبق" التقت عددًا من المعلمين الذين تذمروا من تجاهل إدارة تعليم منطقة مكة المكرمة لمشكلتهم، وقالوا إن عددهم يفوق المئات، وهو عدد المعلمين والمعلمات الذين تم نقلهم في حركة النقل الخارجي لمكة المكرمة مؤخرًا، وقد فوجئوا بتوجيههم في حركة النقل الداخلي إلى مدارس سيئة جدًّا، حسب وصفهم، تقع في منطقة النكاسة، وتحديدًا (حارة النبع - مدرسة عبيدة بن الحارث) حيث لا تصل سياراتهم للمدرسة؛ فيضطرون للمشي وصعود درج شديد الانحدار صعودًا ونزولاً. وأشاروا إلى افتقار المدرسة لأدنى معايير السلامة، وعدم صلاحية المبنى تعليميًّا وصحيًّا وأمنيًّا؛ ما يهدد سلامة المعلمين والطلاب على حد سواء. ويدرس في هذه المدرسة ما يقارب 600 طالب، وبها 25 معلمًا، ولا توجد مداخل طوارئ "فكيف يكون حالنا إذا اندلع حريق بالمدرسة؛ إذ لا يوجد إلا مدخل واحد بعرض 60 سم". وبينوا أنه لا يوجد في مدارس الجاليات مخارج للطوارئ للحالات الطارئة – لا قدر الله - سوى مدخل المدرسة الرئيسي، وهو عبارة عن مخرج طوارئ، إضافة إلى وجود طاولات من حديد في الفصول، وجلوس الطالبات على الأرض، إضافة إلى ضيق المدرسة، وتكدس عدد كبير من الطالبات فوق الطاقة الاستيعابية لها. وطالب المعلمون عبر صحيفة "سبق" وزارة التعليم وإدارة تعليم مكة بإنهاء معاناتهم، وإيجاد حلول لهذه المشكلة، ونقل المدارس على أقل تقدير من سفوح الجبال إلى منطقة قريبة من الطرق، يوجد بها مواقف مخصصة، وبها بيئة تعليمية صحيحة. ومن جانب المعلمات اللاتي تحدثن عن معاناتهن في مدرسة عذبة بن سعد ومدرسة رقية بنت محمد وجميع المدارس في جبل النكاسة، فإن بها المعاناة نفسها أو أشد. وأردفن بأنهن قدمن من خارج منطقة مكة المكرمة بعد النقل الخارجي، وتغربن سنوات طوالاً "وبعد تلك المدة نفاجأ بتعييننا من قِبل تعليم مكة في موقع الكناسة حيث قلة المواصلات، وصعوبتها. والأدهى من ذلك أنه لا يكاد الرجل يمشي في الأماكن الوعرة فكيف المرأة التي تحتاج إلى مزيد من الجهد الجسدي، ولاسيما أن البعض ما زالت في الشهور الأولى من الحمل، فكيف يصعدن إلى منطقة غير صحية، إضافة إلى أننا نتعرض إلى مضايقات وتحرشات من بعض العاطلين عن العمل، يخرجون علينا من بيوت مهجورة، ونحن نضطر إلى أن نسير بهذا الطريق الوعر، ولا نعلم أي مصير يلاقينا. فبعد أن مَنّ الله علينا ونُقلنا نقلاً خارجيًّا، وفرحنا بلمة أبنائنا وأسرتنا، ما زلنا مغتربات؛ إذ تم تعييننا في مدارس الجاليات، ونضطر إلى أن نصعد أكثر من 500 متر طلوعًا إلى أعلى جبل الكناسة؛ لنؤدي رسالة التعليم، وهذا واجب علينا، ولكن مع منحدرات شديدة وانتشار مياه الصرف الصحي والروائح الكريهة؛ ما يجعلها بيئة خصبة لانتشار الأمراض والأوبئة المعدية". وأضفن بأنه لشيء جميل أن تُضم مدارس الجاليات لوزارة التعليم، ولكن الأجمل أن ينظروا إلى أماكن المدارس ووضعها، على أن يتم نقلنا من الأماكن التي قد تُسبِّب لنا الضرر النفسي، مع استياء أولياء أمورنا؛ ما قد يجعلنا نقدم إجازات استثنائية في حال استمرار تلك المعاناة.. فنحن نواجه أزمة المواصلات وضعف الأمن في تلك الأزقة الملتوية". وقال عدد من المعلمات: إننا نواجه بعد تعييننا في مدارس الجاليات بمكة الشوارع الضيقة والمتسخة، والمباني المتهالكة، إضافة إلى ضيق الفصول وتكدس الطلاب وضعف التكييف الذي يكاد يكون معدومًا.. والمواقف ضيقة وبعيدة عن المدارس، كما أننا نواجه ضغطًا نفسيًّا؛ فكيف نعطي الرسالة التعليمية، ونؤدي الدور التعليمي في ظل هذه الظروف الصعبة؟! وطالبت المعلمات بـ"إعادة النظر في وضعنا في مدارس الجاليات في مكة المكرمة، والإسراع في حل هذه الأزمة عاجلاً، فكيف بإدارة التعليم بمكة تعيد ترتيب بعض مدارس الجاليات، ودمجها في مدارس حكومية بفترة مسائية؟! والغريب أن مدرسة بها ١٠٣٧ طالبًا، وعدد الفصول ١٩! فكيف تكون البيئة التعليمية بهذا التكدس الرهيب مع الظروف المحيطة بنا؟!". واختتمن حديثهن بأنهن ذهبن بالشكوى لتعليم مكة، ولكن لم يجدن أي تجاوب حتى اللحظة "فكيف بالمعلمة تنتج في بيئة مثل هذه، والمسؤولون لا يكلفون أنفسهم بزيارة المدارس والاطلاع على أوضاعنا على أرض الواقع، وإيجاد حلول جذرية، ليس بمماطلة وتعاميم تُسكتنا بها، بل بحل قضيتنا".
مشاركة :