* كان وجود وينستون تشرشل Churchill رئيس الوزراء البريطاني، قبل الحرب الكونيَّة الثانية وبعدها، على مسرح السياسة العالميَّة والبريطانيَّة يقف حائلاً دون ممارسة الولايات المتحدة الأمريكيَّة، لتلعب دورها الإمبريالي الجديد في منطقة الشرق الأوسط، فكانت استقالة تشرشل في إبريل 1955م، وصعود الرجل الثاني في حزب المحافظين أنتوني إيدان Eden، ولأن هذا الأخير أمضى جل حياته السياسيَّة في الظل، فكان إقدامه على المغامرة السياسيَّة، والمتمثلة في توقيع البروتوكول السرّي بين بريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل، ومن ثمَّ غزو قناة السويس، والإطاحة بالزعيم المصري جمال عبدالناصر؛ ممَّا دفع بالرئيس الأمريكي إيزنهادر Eisenhower، وكان كما يذكر السياسي البريطاني دنيس هيللي Healey، الرئيس الأمريكي الوحيد الذي لم يكن للوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة الأمريكيَّة دور في صعوده للبيت الأبيض، ممَّا هيَّأ له الأجواء السياسيَّة ليقوم بتهديد كلٍّ من بريطانيا، وإسرائيل اقتصاديًّا، ويذكر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق «ويلسون» في مذكراته بأن الجنيه الإسترليني تضرَّر من مضاربات ماليَّة قامت بها الولايات المتحدة، وكان التلويح أيضًا بإيقاف الدعم المالي للكيان الإسرائيلي الذي تتعهد به الولايات المتحدة، كل ذلك ساهم في إخفاق حرب السويس، وبالتالي سقوط إيدن كرئيس للوزراء في بريطانيا، ولعلَّ ما قام به «إيزنهاور»، من قرارات سياسيَّة حاسمة كان هدفه الإيعاز لبريطانيا بأن ترفع يدها عن منطقة الشرق الأوسط سياسيًّا. * ولكنَّ اللوبي الصهيوني عاد بعد مغادرة إيزنهاور للبيت الأبيض، لممارسة دوره داخل أروقة الحزبين الجمهوري والديمقراطي -معًا- وكانت حرب 1967م، إحدى ثمار تغلغل الإيديولوجيَّة الصهيونيَّة، حيث وقفت فيها الولايات المتحدة وبريطانيا معًا في دعم إسرائيل ضد الدول العربيّة، التي لم تخسر فقط -بسبب عوامل عديدة، يأتي في مقدمتها الأميَّة السياسيَّة- ما تبقى من أرض فلسطين، بل خسرت مصر، وسوريا أجزاءً هامَّة من أراضيها، ولعلَّ صفقة المساعدات الأمريكيَّة لاسرائيل، والتي بلغت 38 بليون دولار على مدى عشرة أعوام، تدلل على مدى التزام الغرب -وخصوصًا أمريكا- بأمن إسرائيل، ووجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط، ومع أن الرئيس الأمريكي أوباما كان يسعى طوال وجوده في البيت الأبيض للتودد الأمريكي، ولكن إسرائيل التي يحكمها حزب عنصري -وهو الليكود- كانت تنظر إلى أوباما نظرة دونية، رغم كل ما فعله لاسترضاء نتانياهو وزمرته الفاشيَّة، فهو أصدر قرارًا بالعفو عن الجاسوس الأمريكي الأصل، والصهيوني الولاء «جوناثان بولارد»، وتراجع عن دعمه لمشروع قيام دولة فلسطينيَّة في الضفة والقطاع، كل ذلك وسواه لم يشفع لليكود إسرائيل بتقبله ندًّا سياسيًّا، ولعل إسرائيل أخذت حصتها من الاتفاق النووي الأمريكي - الإيراني، وما كان لها أن تحصل على مثل ذلك لو صعد ترامب لسدّة البيت الأبيض. * نعم لقد حصلت إسرائيل على كل ما تريد، دون أن تقول شكرًا، وذلك دأبها في السياسة الخارجيَّة، فهي تنزع ما تريد انتزاعًا، وفي كل الأحوال بوقاحة متناهية، وما ذاك إلاَّ أنَّها اخترقت الغرب دينيًّا، وسياسيًّا، واقتصاديًّا، وبقي العرب طوال العقود الماضية في وضع المتفرج، وغير القادر على التأثير، ولذلك أسبابه وبواعثه.
مشاركة :