هل ضللنا أميركا.. أم أن هذا المسؤول جاهل؟

  • 9/20/2016
  • 00:00
  • 30
  • 0
  • 0
news-picture

نحن لم نضلل أميركا بخصوص الإرهاب، فقد اعترف مستشار الرئيس كارتر للأمن القومي الأميركي برزنسكي بأن الأميركيين هم الذين ضللوا حلفاءهم مجلة بوليتيكو ذائعة الصيت نشرت في 14 سبتمبر 2016م مقالة للدبلوماسي الأميركي السابق زلماي خليل زاد بعنوان لقد ضللناكم: كيف برّأ السعوديون أنفسهم من دعم الإرهاب، كتبها بعد زيارة التقى فيها كبار المسؤولين السعوديين، وتصنف ضمن دائرة مقالات العلاقات العامة مدفوعة الثمن. الصادم في المقالة تضمينها ادعاءات نسبها لمسؤول سعودي كبير فيها معلومات تتعارض مع كل الجهود الماضية التي حاولت بيان موقف المملكة من التشدد والتطرف والإرهاب. كتب زلماي: اعترف لي مسؤول سعودي كبير بأنهم ضللونا ... وأن السعودية بدأت في دعم المتشددين الإسلاميين في بدايات 1960م لمكافحة الايدلوجية الاشتراكية الناصرية التي هددت استقرار السعودية، ثم قادت إلى حرب بين السعودية ومصر على حدود اليمن، مضيفا: إن دعم المتشددين الإسلاميين ضد الناصرية سمحت للدولة باحتواء الناصرية، واستنتج السعوديون أن الإسلام يمكن أن يكون أداة قوية، وأن دعمهم للمتطرفين (بحسب المسؤول الكبير) كان طريقة لمواجهة الاتحاد السوفييتي بالتعاون مع الولايات المتحدة، في مناطق مثل أفغانستان في الثمانينيات، ونجح الأمر في مجابهة السوفييت. وبعد ذلك استخدمت الطريقة ذاتها ضد إيران ومؤيديها في منافسة جيوسياسية بين البلدين، وأضاف المسؤول الكبير: لم نعترف بذلك بعد أحداث 11 سبتمبر خوفا من أن تتخلوا عنا... أو تعاملونا كعدو. وكنا في حالة إنكار. هذا المسؤول يا سادة إما جاهل أو ساذج، فالملك عبدالعزيز -رحمه الله- لم يستبعد أحدا من القادرين على الانضمام إليه في حروب استمرت نحو ثلاثين عاما، وكان ضمن جيشه من يقاتل حميّة، وتدينا، وقبلية، ومن يقاتل خوفا من عقوبة السلطان، وفي نهاية المطاف تشكل جيش سعودي محترف أسهم في بناء دولة والمحافظة عليها على مدى 86 عاما. عندما خرج نفر على هذا السياق بفكر ديني لا يعترف بالدولة المدنية والتزاماتها الدولية حاربهم وقضى عليهم في معركة السبلة الشهيرة. الملك المؤسس أرسى دعائم الدولة الحديثة، ومنذئذ لم تكن السلطة لتسمح لأحد بأن يستخدم شرعيتها لتمرير قناعاته الأيديلوجية على حساب المصلحة العامة، وبقيت المؤسسة الدينية الرسمية ملتزمة بهداية الناس ومساعدة الدولة في إرساء دعائم الأمن والعدالة. صحيح أن الصحوة نزعتها التأثير، ولكن لم تكن عصية على الردع، فقد سجن عدد من الذين حاولوا اختطاف القرار، وصنفت الجماعات المتشددة إرهابية بدءا بتنظيم القاعدة وانتهاء بجماعة الإخوان المسلمين. فكيف ضللت المملكة أمريكا؟ من الطبيعي أن يكون للناس توجهات وقناعات متشددة قابلتها الدولة بحزم عندما خالفت سياساتها المعلنة؛ فقد تصدى الأمن السعودي للفئة التي رفضت التلفزيون وقضت عليهم، ولم ترضخ لمن حاولوا منع تعليم المرأة، وقضت على فتنة جهيمان الذي احتل الحرم في محاولة منه لإقامة دولة ثيوقراطية على غرار ولاية الفقيه، وهي عضو فاعل في الحرب على الإرهاب، ومستهدفة به من أبنائها الذين انضموا للقاعدة وداعش. هناك فرق كبير جدا بين أن تلتزم الدولة في دستورها وممارساتها اليومية بالإسلام، وأن تسخر جهودها للمحافظة على هويتها العربية الإسلامية الأصيلة وأن تنشر الإسلام الوسطي المعتدل، وهو التزام لن تنفك منه ولم تسع يوما -حسب علمنا- إلى التحلل من مسؤولياتها، وبين أن يكون فيها كيان مواز ينفذ سياسات خارج إطار الحكومة كحزب الله في لبنان، والحرس الثوري وفيلق القدس في إيران (يخضعان للمرشد وليس الحكومة)، والحشد الشعبي في العراق، وأنصار الله في اليمن، وطالبان في أفغانستان وباكستان، وبوكوحرام في نيجيريا. أي دولة أو كيان سياسي في هذا العالم يعرف أين تكمن قوته، ويمتلك الأدوات اللازمة لتفعيلها لخدمة مصالحه، وإذا كان الدين والنفط هما أهم مقومات القوة السعودية فإنه من السذاجة تحييدهما عن صراع التدافع بين الأمم. المملكة استخدمت في مواجهة المد الناصري والشيوعي كل عناصر قوتها واستعانت بحلفائها عندما لاحظت تهاوي الملكيات من حولها سواء في مصر أو ليبيا أو اليمن أو العراق ولم يكن أي من مكونات الوقاية أو المواجهة خارج على سلطة الدولة. الجيش المصري دخل اليمن وضرب بطائراته جازان وأبها ونجران، واحتل الجيش اليمني بعض المواقع فصدر أمر الملك فيصل بخط يده لوزير دفاع المملكة آنذاك في كلمة واحدة اطردوهم، والطائرات السعودية التي شاركت في تحرير جبل الوديعة قادها طيارون سعوديون ضمن سلاح الجو السعودي ولم يكن جيشا من المتشددين الإسلاميين كما وصف المسؤول الكبير. نحن لم نضلل أميركا بخصوص الإرهاب، فقد اعترف مستشار الرئيس كارتر للأمن القومي الأميركي برزنسكي بأن الأميركيين هم الذين ضللوا حلفاءهم عن طريق استثارة حماس الشباب المسلمين لحرب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان. وأن المملكة كانت لديها اتفاقيات أمنية واجتماعات شهرية مع الأميركيين لتبادل الخبرات والمعلومات حول التهديدات التي تستهدف أمن البلدين، وأبلغت أميركا قبل 11 سبتمبر بأكثر من عام بأن هناك تحركات مشبوهة لاثنين من تنظيم القاعدة هم المحضار والحازمي، فكيف يكون القرار مختطفاً من المتشددين الإسلاميين في دولة قوية مثل المملكة؟ التصريحات المنسوبة للمسؤول السعودي تناقض الجهود الكبيرة التي تبذلها المؤسسات السعودية لتوضيح حقيقة ان المملكة مستهدفة بالإرهاب وليست فاعلة له. إنها تناقض 56 عاماً من تاريخ المملكة العربية السعودية. altayer@msn.com

مشاركة :