سنوات التصحر الفكري والانغلاق الثقافي ، التي يمر به الشعب الإيراني منذ ولادة ثورته القيصرية ، لا زالت تحبو على قدميها بعد أن أصابها الوهن والكساح ، ومن الأمراض التي غالبا ما تصاحب التشوهات عند الولادة ، تعجز عنها كل وسائل العلاج لمعالجة هذه الظاهرة الصحية عفوا الفكرية ، ومن الطبيعي أن تحدث هذه العلل عطفا على تغيير مسار هذه الثورة ، كما خُطط لها من قبل قياداتها السياسية ( الأبوة غير الشرعية ) ، للثورة المزعومة لتتبنى هذه الأفكار المسمومة ، والمهجنة بتطعيم الحقد والكراهية والنرجسية ، وهذا ما حدث فعلا دون أن يقرأ المخططون لها ما يسمى ( بقراءة الكف ) ، تعبيرا عن الجهل ولغة التعالي وقصور الرؤية ، ليشعلوا فتنة العراق وما آل لها حالها ، وزراعة أحقادهم ضد دول الجوار ووعودهم الكاذبة بتصدير ثورتهم المباركة حسب زعمهم . ليتهم استدركوا الأمر وامتلكوا أقل القليل من الشجاعة أمام الشعب قبل أن يفكروا في خارج الحدود ، في الوقت الذي كان الشعب الإيراني ، يعيش أزهى فترات عمره الحياتية والمعيشية إبان فترة حكم الشاه محمد رضا بهلوي ، الذي وافاه الأجل بالمنفى في ثمانينيات القرن الميلادي الماضي ، وكون الشعب الإيراني يتمتع بتلك الرفاهية ، وهو ما كان يشهده القائمون على خدمتهم أثناء أداء فريضة الحج ، وما يميزهم عن غيرهم من الحجاج في المستوى المعيشي ، واستئجار أفخم الفنادق والعمائر السكنية ، وألذ الأطعمة التي يتفننون في اختيارها ، عند اتفاقهم مع كبار المتعهدين من داخل المملكة ، كما يجلبون معهم أفخر أنواع السجاد السراجي المشهور عالميا ، بدلا من الأسلحة البيضاء والممنوعات التي وقف لها رجال الأمن والجمارك السعوديين بالمرصاد لمنعها ، واتخاذ الإجراءات الرسمية حيالها . أتحدث هنا عن ما قبل ولادة تلك الثورة الإيرانية المشؤومة ، وتبعاتها وسلخ الفكر الثقافي الإيراني ، ليكون التحول كما هو واقع هذا الشعب المغلوب على أمره ، والذي يمتلك حضارة من أقدم الحضارات العالمية ، وفق أهواء تلك الزعامات البائسة ذات النزعة المذهبية الطائفية ، ليدفع هذا الشعب ثمن تضحياته أمام هذا الطوفان الغائر في جسد الأمة ، ومن المؤكد أن كل أساليب الظلم والطغيان مصيرها الفناء ، لكن هذا الجفاء من قبل هذه السلطات التي يزداد عداؤها يوما بعد أخر ، أدى لهذه العزلة العالمية وهي على مشارف عقدها الرابع ، دون أن يحملوا ثقافة الوعي السياسي والحكمة الدارجة ، من أجل بقاء الشعب الإيراني بكرامته التي يجب ان يستحقها.
مشاركة :