شيئًا فشيئًا وواحدًا تلو الآخر تتحول الأحزاب المصرية إلى مجرد ديكور وصور تعبيرية إيذانًا بمرحلة جديدة يعلم الله كنهها ومصيرها. وبدءًا من "الوفد" وانتهاءً "بالدستور" تمضي مسيرة تحويل الأحزاب المصرية إلى بوتيكات أو أنتيكات قديمة أو حديثة أصلية أو مقلدة في أوكازيون التراجع السياسي الذي عبر ويعبر عن نفسه كل يوم وساعة في ساحة الثورة الضائعة المضياعة. لقد جاء 25 يناير ليردم على أحزاب ويوقظ أخرى، قبل أن يأتي 30 يونيو فيردم ما تم إيقاظه أو إخراجه بمهارة وحرفية فائقة. لقد ظن حزبيون عتاة أن 25 يناير هو الفرصة المثلى للظهور من جديد والتوهج من جديد فجاء الأداء مرتبكًا متلعثمًا ضعيفًا نفعيًا وبعيدًا عن جماهير الشعب! وكان ما كان، واختفى هؤلاء الحزبيون القدامى والشباب على السواء، بدءًا من محمد البرادعي وحسام عيسى وانتهاءً بعمرو حمزاوي ومصطفى النجار، فلما جاء 30 يونيو اختفى الحزبيون الجدد وتواروا واحدًا تلو الآخر في ظروف يراها البعض غامضة ويراها آخرون واضحة وضوح الشمس! هذا عن الحزبيين الكبار والصغار أما عن الأحزاب والتكتلات نفسها فحدّث ولا حرج "الانقاذ" يحل نفسه و"التحالف الشعبي" يحل وسطه، و"المصريون الأحرار" يحل كل شيء ليدخل الجميع في رقصة كبرى باعتبار أن الرقص عند بعضهم أفيون الشعوب"! في ضوء ذلك، جاء تحوّل حزب الدستور الذي ظنه الناس في مصر وخارج مصر أنه حزب المستقبل إلى مجرد لوحة تتصدرها سيدة مسيحية فاضلة هي هالة شكر الله انتصرت على أخرى مسلمة فاضلة هي جميلة إسماعيل قبل أن يخرج شباب الحزب ليغنوا "مفيش رجوع يا برادعي" "الدستور طالع طالع في الحواري والشوارع" بكيت في صمت وشربت دمعي وحدي وأنا أرى شباب مصر في حزب الدستور بكل نبلهم وطهرهم الثوري يتحولون دون أن يدرون إلى مجرد ديكور أو ركن في المشهد الجديد لمصر الخالي من الدسم بالفعل! هل كان شباب الدستور يُدركون أو يُفسِّرون "مفيش رجوع يا برادعي" على طريقتهم المتفائلة؟ أم على طريقة الرافضين لعودة الدكتور البرادعي من الخارج باعتباره - على حد زعم البعض- خائن لـ 30 يونيو؟! قريب من ذلك وقريب جدًا كان الحديث عن حل "الإنقاذ" وتفكك "التيار الشعبي"، بل كان الحديث وما يزال عن حل "تمرد" أو تفككها بعد أن أنهت مهمتها!! فإذا سألت الإنقاذيين أنفسهم: لماذا تتجهون إلى الحل؟ قالوا لك: مرحلة وانتهت!!. وإن تجرأ أحدهم في "تمرد" وسأل زعيمها: إلى أين نتجه؟ قال: أنت عميق ومنشق وخائن!!. وفي معرض العمالة والانشقاق والخيانة الذي يرعاه الكبار ويخصصون له برامج بل قنوات كاملة يضيع الصغار في أرجل الكبار الذين انقسموا إلى فريقين الأول يدرك أن زمانه قد مضى وعليه أن يستفيد بأي شكل فيما تبقى من العمر!. والآخر لا يقتنع بهذه النظرية ولا يعترف بأي دور للصغار!!. لقد كان الوفد أقدم وأعرق الأحزاب المصرية سباقًا في الاكتفاء منذ سنوات بدور "المحلل" تارة و"الشاهد" تارة أخرى، وها هو الدستور أكبر حزب ليبرالي في مصر بعد 25 يناير يشارك الوفد في "الفرجة".. فإذا أضفت إلى هذا المشهد السياسي المرتبك اختفاء الأحزاب الإسلامية لاعتبارات عديدة، ستخلو الساحة السياسية شيئًا فشيئًا ويكتفي المصريون كل مساء بمشاهدة حزب الإعلامي الكبير فلان على شاشة القناة الإعلانية، وحزب الإعلامي الأكبر على شاشة أخرى وحزب الإعلامية الشرسة على هذه القناة، والإعلامية العملاقة على تلك!! العجيب أن أغلب القنوات هذه الأيام تقدم تحذيراتها الفجة للرئيس المقبل على طريقة أحدهم الذي يقول بلا لياقة أو لباقة "إذا سمعتم كلامي هتروحوا في 60 داهية" أما الآخر فيقول لزعيم جمهورية مصر العربية القادم: "أنا بقولك أهه.. أوعى تسمع كلام الإعلام.. الإعلام زبالة" وبالمرة أوعى تسمع كلام المصريين.. المصريين كدابين"! ولا حول ولا قوة إلا بالله. sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :