يكاد السؤال عن السبب الذي يقف وراء تأخير عرض فيلم «لعبة خطرة» للمخرجة والممثلة السويدية بيرنيلا أوغست، هنا في الصالات السويدية حتى منتصف أيلول (سبتمبر) الجاري، على رغم مرور نحو سبعة أشهر على عرضه في مهرجان برلين السينمائي الماضي، يختصر تساؤلاً في غاية الأهمية حول أهمية أفلمة رواية الكاتب الدنمركي هيلمار سوديربيرغ مرة ثالثة، بعد مرور أكثر من مئة عام على كتابتها (1912)، وتصويرها في فيلمين (1945 و1977). قد لا تكون ممكنة معرفة الأسباب المتعلقة بتأخير العرض كل هذه المدة. من المؤكد أن هناك أموراً متعلقة بالجهة المنتجة (إنتاج دنمركي - سويدي مشترك)، قد تطاول الشروط التي تتيح عرضه للجمهور السويدي، واختيار التوقيت الأنسب، حين تنتهي فترة العطلة الصيفية. إذ من المعروف أن أعداداً كبيرة من السويديين تغادر البلاد لتمضية عطلات الصيف في البلاد المشمسة مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا وسواها. للعودة الى ثيمة الحزن في الحب المنذور للأبد، ما يبررها هنا، فانتماء الفيلم هو الى تلك الميلودرامات التي لا تنتهي بمجرد طرح أسئلة حول حرية الأحاسيس والمشاعر حين تتغلب على أصحابها، ولا يعود هناك إمكان للتفلّت منها، مهما تغير الزمن الذي يحيط بها، وبغض النظر عن الشرط التاريخي الذي كتبت فيه. لن تكون صعبة على أرفيد (سفيرير غودانسون) وليديا (كارين فرانز كورلوف) إعادة سرد القصة مجدداً. المخرجة بيرنيلا أوغست ليست بعيدة عن عوالم المشاعر الداخلية لأبطالها في الفيلم وفي الحياة المعيشة. عملت كممثلة مع المخرج السويدي الكبير الراحل أنغمار بيرغمان في فيلمه «فاني وألكسندر» 1982، وهي زوجة سابقة للمخرج الدنمركي المعروف بيلي أوغست (1991 – 1997)، ما يعني أنها تجيء من اختبارات قوية في استدراج هذه المشاعر وإعادة سردها بالضوء والصورة. في زيارة صيفية لأحد الأرخبيلات، يلتقي أرفيد بليديا. المساء الصيفي المدهش لا يغيّر من حقيقة المجاعة التي كانت تضرب في السويد. العشاء لن يتعدى البطاطا المسلوقة في مشاهد كثيرة. حاله حال الأسر المعدمة. أما البيانو المتّسخ القديم المهمل والمركون جانباً، فسيقدم لحناً موسيقياً تعزفه أصابعهما في خلوة قصيرة. وهذا في لحن سيتكرر في مشاهد كثيرة ستوقعه في رتابة الكليشيهات التي لم تقدم كثيراً للفيلم، وهو أمر شائع في صناعة الأفلام عموماً. نوع الإيقاع الذي تبحث عنه المخرجة أوغست قد يفل منه الآداء المتفاوت للبطلين، وهما سرعان ما يتبادلان الأمكنة التي يبحثان عنها في الحياة توقاً وتحصيلاً لمشاعر مركبة. أرفيد المدقق اللغوي في جريدة «إنترناشيونال بلادت»، لن يمكنه الارتباط بليديا، ابنة الفنان الفقير، التي لا تجد شيئاً تقدمه له في زيارة الأرخبيل سوى رسم صغير للذكرى والبطاطا المسلوقة. انتقال أرفيد الى مرتبة ناقد موسيقي في الجريدة يزيد في عملية انتقاله للصف الذي لا ينتمي إليه طبقياً واجتماعياً. سيتزوج من داغمار (ليف ميونس) ابنة أحد أثرياء استوكهولم ووجهائها. في المقابل، تتزوج ليديا من أحد البارونات، فيتعادلان تماماً بـ»المشاعر» المتطرفة التي أثمرتها علاقتهما، ويفترقان موقتا. لكن الحبيبين سليتقيان بعد عشرة أعوام. الواضح، أن مشاعرهما لا تزال قوية تجاه بعضهما البعض، إذ يعودان للّقاء السرّي في أحد فنادق استوكهولم بعيداً عن أعين الناس. لكن ليديا تملك جموحاً من نوع آخر، ففي الوقت الذي يخضع أرفيد لتسلّطها، تبحث ليديا عن علاقة جديدة بعد أن انفصلت عن زوجها وتركت ابنتها في حضانته. سيكون ليدنر (ميكيل فولسيارد)، الاشتراكي الفوضوي وزميل أرفيد في الصحيفة، العشيق الجديد. لكن دائرة المشاعر الملتهبة تعود وتطبق على الحبيبين مجدداً، الأمر الذي يدفع بليدنر الى الانتحار. يدرك أرفيد سبب انتحار زميله. يعاني من كبوة أخلاقية معذبة. فيما تذهب ليديا نحو استفاقة أكثر تعذيباً، لكن ليس لها، إنما له هو، وهذا لن يغير من لعبة الحب الخطرة التي تقودهما في الشريط. في كل مرة سيعود لحن البيانو الى تذكيرهما بها. ليديا ستصبح صرخة قاتمة في الحياة التي تعيشها بكامل حريتها، فيما يتحول أرفيد الى ظل لزوجته داغمار التي نقرأ في وجهها لعنات المرحلة التي تمر فيها البلاد والعباد، قبل أن تطلب منه مغادرة البيت حين تكتشف خيانته. سيفترقان دائماً وستترك المخرجة على قسماتهما في كل فراق، ما يوحي بلقاء جديد. عملت بيرنيلا أوغست بكاميرا محمولة متحركة طوال الوقت. بحثت في تفاصيل تعاقب الزمن على مدينة استوكهولم مطلع القرن الماضي (صور الفيلم للمفارقة في العاصمة المجرية بودابست)، عبر لقطات تفصيلية لوريقات صفراء تهتز هنا وهناك. بحثت أكثر في أعماق بطليها عن أجوبة لم يتح لهما الإجابة عنها في الفيلم. ربما كانت تبحث عن أسئلة تراكمت في هذه الثيمة عبر العصور، وكيف يكون شكل الحب إن سبق وقيل كل شيء من حوله، ولم يتم اكتشاف جوهر جديد له.
مشاركة :