نجحت العملية ومات المريض

  • 9/23/2016
  • 00:00
  • 30
  • 0
  • 0
news-picture

هذا ما حدث في العراق وسورية، وهما بلدان عزيزان على نفسي. ولم يقتصر الأمر على ذلك فقد حدث في اليمن وليبيا، وأرجو أن لا يقع لبنان في المصيدة. أما في تركيا فلم يسمح الناس بإجراء عملية يحترق فيها الأخضر واليابس. ألم تبشر القوى العظمى بلدان هذه المنطقة بالديموقراطية والمساواة وحقوق الإنسان؟ ماذا حدث بعد أن أصر المبشرون بذلك على أنهم كانوا على حق وأن كل الأطر اللازمة لتحديث هذه البلدان وانسجامها مع المعايير الديموقراطية قد اتخذت ولكن لسبب أو لآخر مات المريض على طاولة العمليات بعد أن حققت العملية نجاحاً باهراً! كلمة السر في هذه العملية كانت التخوين والعداء. قلنا دائماً أنك إذا خلقت لنفسك أعداء وهميين، فإن هؤلاء الأعداء سينقلبون بمرور الزمن إلى أعداء حقيقيين. وقد خلقنا في هذه المنطقة لنا أعداء وهميين لمجرد أنهم لا يشاركوننا الفكر في أمر ما، ومن في عمري يتذكرون الحملات الإعلامية وتلك المضادة ونداءات أحمد سعيد ونشرات «صوت العرب». لم نجنِ من ذلك غير الخراب وغير التأخر وغير محاولة اللحاق بالآخرين بلا جدوى. أما الحل الذي أخفق كثيرون في الالتفات إليه فيكمن في ضرورة تحسين التعليم في بلداننا، ومن دون ذلك فلن يرتقي شعور المواطنة في هذه البلدان إلى مصاف متقدمة. وسيجد التعصب والتخندق والدعوات العرقية والمذهبية مجالاً واسعاً لتشرذم واسع يعاني منه الجميع وهم يعتقدون بأنهم يحسنون صنعاً. سألني أحد مقدمي البرامج التلفزيونية عن أهم الأولويات في تركيا وما يجب أن تكون. قلت له إن تركيا لديها ثلاث أولويات يجب أن تحافظ على مسيرتها ونموها وديمومتها، وهذه الأولويات هي التعليم والتعليم والتعليم! وبالتأكيد، فإننا ندعو جميعاً إلى ضرورة الاهتمام بهذه الأولوية، لكن المنظمات الفكرية ومراكز التنمية الاجتماعية لها مسؤولية مباشرة في ذلك، لأننا يجب أن لا ننتظر جميعاً المبادرات من الدولة أولاً، وبصراحة يجب توعية الدولة ذاتها لهذه الأطر، فقد تكون مشغولة بتعقب الأعداء والحفاظ على النظام وتنسى أن الخلل الأكبر يكمن في عدم الالتفات إلى أهمية التعليم الصحيح الحضاري والمبرمج. شعور المواطنة الذي يسمو على التخندق الفكري والمذهبي والطائفي والعرقي هو الذي سينسج لنا الفكر الصحيح الذي يؤدي بنا إلى التقدم ومضاهاة الآخرين، بل التفوق عليهم. ودعوني أعطِكم مثلاً، فالغالبية العظمى ممن يخلقون لهم أعداء وهميين تتصور أن ما حصل في بدايات القرن العشرين في المناخ التركي كان انهياراً للدولة ونشوء الجمهورية فيها بدل الدولة السابقة، ولم يلتفت أحدٌ إلى أن الدولة استمرت والذي تغير هو النظام الذي تحول إلى النظام الجمهوري بدل السلطنة لآل عثمان. انقلبت هيئة الأوقاف إلى رئاسة الشؤون الدينية ولم يتغير غير ذلك أي بند من مقومات الدولة التي استمرت في العهد الجمهوري. إن السر في التقدم هو استمرار مفهوم الدولة وعدم الإجهاز عليها بتغير الأنظمة. والمطلوب في هذا الوضع المزري الذي تعيشه منطقتنا أن ننتبه إلى هذه الأولويات وأن لا نسمح بإجراء عمليات قيصرية أخرى تقسم الأوطان والشعوب. وبالتأكيد، فإن هناك احتمالاً كبيراً أن تنجح هذه العمليات في الشكل المطلوب لها. لكن، من المؤكد أيضاً أننا سننعى المريض في شكل وفي آخر.

مشاركة :